روسيا وتركيا.. تعاون مؤقت أم تحالف استراتيجي؟
١٩ نوفمبر ٢٠١٨تعيش مدينة إسطنبول اليوم الاثنين على وقع لقاء يكتسي أهمية كبرى بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بمناسبة إنهاء الجزء البحري من مشروع خط أنابيب الغاز "السيل التركي"، الذي يتضمن بناء خطين رئيسيين لأنابيب نقل الغاز، تصل طاقة كل منهما إلى 15.75 مليار متر مكعب. الخط الأول مخصص لتوريد الغاز مباشرة إلى تركيا، أما الآخر فمخصص لتوريد الغاز إلى الدول الأوروبية عبر الأراضي التركية.
وبمجرد الانتهاء من المشروع بالكامل، سيربط خط الأنابيب بين روسيا وتركيا عبر البحر الأسود وصولا إلى الساحل التركي في منطقة تبعد نحو 100 كيلومتر غرب اسطنبول. وتعد تركيا واحدة من أكبر عملاء الغاز الروسي، حيث تأمن روسيا 55 % من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي. وينبغي أن يكون هذا المشروع عنصرا هاما في أمن الطاقة في تركيا وفي كل أوروبا.
شراكة روسية تركية
الكاتب المتخصص في الشؤون الروسية، سامر إلياس يوضح في حديثه لـ DW عربية من موسكو، أن الجانب التركي يسعى لأن يكون مركزا لنقل الغاز من آسيا الوسطى وروسيا باتجاه القارة الأوروبية. ويقول إلياس إن زيارة بوتين إلى إسطنبول تتضمن شقا أساسيا، هو الاحتفال بتشييد القسم البحري من "السيل التركي"، إذ يعول كلا الجانبين على هذا المشروع بشكل كبير. كما نوه المتحدث إلى أن روسيا تريد أن تعرض على أوروبا خطوطا بديلة عن خطوط ترانزيت الغاز الموجودة والعاملة عبر أوكرانيا، والتي عانت في السنوات الأخيرة من مشكلات كبيرة.
وخلص الكاتب ذاته إلى أن "الجانب التركي يرغب أولا بالحصول على الطاقة من روسيا، وثانيا الاستفادة من إمكانية ترانزيت الغاز إلى أوروبا. لذلك من الطبيعي أن تؤدي العلاقات الاقتصادية بين الطرفين إلى تنسيق سياسي". كما شدد في حديثه لـ DW على أن تركيا تريد الاستفادة من روسيا ليس اقتصاديا فحسب، وإنما سياسيا كذلك، حيث ازداد دور روسيا مؤخرا في الشرق الأوسط، وباتت موسكو لاعبا مهما في القضية السورية.
تركيا ودول الخليج.. أي مستقبل للعلاقة؟
تشهد العلاقات الروسية التركية زيادة في معدل التبادل التجاري، حيث ارتفع هذا التبادل خلال 7 أشهر من العام الجاري بنسبة 34 %، ليتجاوز 15 مليار دولار، بحسب مانقلت وسائل الإعلام الروسية. يقول الدكتور سمير صالحة أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اسطنبول والخبير في القانون الدولي، إن تركيا ستراهن فقط في موضوع الغاز على الجانب الروسي، إضافة إلى مشروع الطاقة النووية. كما ربط التقارب الروسي التركي بمسار العلاقات التي تديرها تركيا الآن مع العديد من اللاعبين الإقليمين والدوليين، مثل علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة. وأوضح صالحة أن "مسار هذه العلاقات في المرحلة المقبلة سيحدد حجم التقارب أو التباعد في العلاقات الروسية التركية".
وفي هذا الصدد، يقول سامر إلياس: "يبدو أن التحالف الروسي التركي الذي نشهده هو تحالف المضطرين، نظرا لوجود مصالح مشتركة بين البلدين، لكن لو عدنا بالزمن إلى الخلف، فالتاريخ شهد حروبا قاسية بين الطرفين استمرت لقرون". ويضيف إلياس: "هناك خيارات مختلفة بالنسبة لتركيا، حيث بدأت في السنوات الأخيرة بمد خطوط أنابيب وتحولت إلى ممر لنقل الغاز من آسيا الوسطى. وتشهد هذه المنطقة تنافسا خفيا بين روسيا وتركيا في موضوع نقل الغاز. لذلك أعتقد أن تركيا تملك خيارات إضافية في علاقتها مع الدول الناطقة باللغة التركية في آسيا الوسطى من أجل بناء مشاريع الغاز".
وذكرت وسائل الإعلام التركية أن شركتي "بوتاش" التركية لأنابيب الغاز و"قطر غاز" القطرية وقعتا في عام 2017 اتفاقية لتزويد تركيا بملياري متر مكعب من الغاز المسال. ما يدل أن تركيا تعتمد في اقتصادها على منطقة الخليج، وبحسب ما ذكره سامر إلياس، يستورد الجانب التركي منذ فترة طويلة موارد الطاقة من مختلف المناطق، كإيران والخليج العربي، إضافة إلى أن أنقرة قامت بالتنسيق مع كردستان العراق فيما يخص موضوع تصدير النفط لها.
الشراكة التركية الروسية وتأثيرها على الملف الليبي
يعتقد خبراء أن الملف الليبي هو اختبار للعلاقات الروسية التركية، باعتبار أن موسكو وأنقرة تدعمان أطرافا مختلفة في الصراع، فروسيا لا تخفي دعمها للمشير خليفة حفتر، أما تركيا فهي تقف إلى صف رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج. وفي هذا الصدد، يقول إلياس إن المعادلة الروسية اعتمدت في الفترة الأخيرة على الاستفادة من الأخطاء الأمريكية السابقة، عبر إشراك دول إقليمية في حل قضايا المنطقة. على سبيل المثال الملف السوري، الذي عكف الجانبين التركي والروسي على حله، من خلال بحث تطورات اتفاق سوتشي حول إدلب.
لكن إلياس يستبعد أن يطبق النموذج السوري على الملف الليبي، "وذلك لأن القوتين الإقليميتين الأساسيتين في ليبيا هي الجزائر ومصر. وأرى أن من الأفضل بالنسبة لروسيا التنسيق مع مصر والإمارات والسعودية لحل الموضوع الليبي، إضافة إلى التنسيق مع الجانب الأوروبي، لكن ليس مع تركيا". كذلك، يقول الدكتور سمير صالحة إنه لا يعتقد "أن بإمكان موسكو وأنقرة التنسيق في الشأن الليبي. وهذا ما شاهدناه في قمة باليرمو حول ليبيا، حيث اتخذت روسيا موقفا معاكسا تماما من موقف تركيا في الأزمة الليبية. وهذا يدل أن هناك تقارب في ملفات وفي نفس الوقت هناك تباعد في قضايا أخرى".
أين الغرب من هذه الشراكة؟
التعاون الروسي التركي الموجود حاليا هو تعاون مرتبط بشكل عام بعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، هذا ما أكده صالحة في حديثه لـ DW: "فمسار العلاقات التركية الأوروبية من جهة، والعلاقات التركية الأمريكية من جهة أخرى، هي التي ستحدد بشكل أو بآخر حجم التبادل أو التقارب في العلاقات التركية الروسية، ولن تفرط أنقرة في مصالحها التجارية مع الاتحاد الأوروبي". ويعتقد صالحة أن تركيا تحاول أن تستغل موقعها الجيوسياسي وتأثيرها في قضايا المنطقة بشكل كبير من أجل جني أكبر قدر ممكن من المكاسب من الجانبين الروسي والأمريكي، مضيفا: "هذا ما شهدناه خلال عمليتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات"، مضيفا أن روسيا تحاول دق إسفين في العلاقات التركية الأمريكية من خلال صفقة منظومة صواريخ إس 400.
سامي آغاء