روسيا والثورات العربية - شعار الحياد ولغة المصالح!
١٧ مايو ٢٠١١تنظر روسيا بعين الريبة إلى الثورات العربية، فلم تحدد موقفها حينما كانت الثورتان التونسية والمصرية في أوجهما، كما تنتقد عمليات الأطلسي ضد نظام القذافي وتسعى الآن إلى إجهاض قرار دولي يدين قمع المتظاهرين في سوريا. وللإطلاع على موقف روسيا من الثورات العربية أجرت دويتشه فيله حورا مع ليونيد سوكيانين، الخبير الروسي في العلاقات الدولية.
دويتشه فيله: كيف تنظر روسيا إلى الثورات العربية؟
ليونيد سوكيانيد: روسيا ترى الثورات التي عمت بعض البلدان العربية على أنها تطورات داخلية، وتعتقد أن هذه الثورات تحدث في بعض الأحيان كتحركات طبيعية نتيجة التطورات الداخلية لهذه الدول؛ وعلى هذا الأساس فإن موسكو تتعامل معها في إطار عدم الإخلال بالاستقرار السياسي والأمني في المنطقة. كما تشدد على عدم إخلال هذه الثورات بالالتزامات الداخلية لهذه الدول في علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى بما في ذلك روسيا. كما تؤكد دائما على عدم تدخل الدول الأخرى في الشؤون الداخلية لهذه البلدان إلا عن طريق القرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية كمجلس الأمن، وعلى هذا الأساس فإن روسيا تقف موقفا المحايد باعتبار أن هذه التطورات هي شان داخلي لهذه الدول.
ولكن معظم هذه الثورات أخذت طابعا دمويا، مثل ما يحدث الآن في ليبيا وسوريا وحتى في اليمن. كيف توفق روسيا في تعاملها مع تلك التطورات في إطار المبادئ التي تحدثتم عنها بالموازاة مع ضرورة أخذ مواقف حاسمة لوقف إراقة الدماء؟
الموقف الروسي بالنسبة للأحداث في ليبيا وسوريا يتجلى من خلال مشاركة روسيا في مناقشة هذه القضايا في مجلس الأمن الدولي، فروسيا في بعض الأحيان تمتنع عن التصويت، بمعنى عدم تأييد أو رفض صدور هذه القرارات.
ولكن هذه المواقف كونت انطباعا لدى المراقبين بأن روسيا تقف دائما ضد تطلعات الشعوب التي تعيش تحت وطأة أنظمة تسلطية، كيف ترد على ذلك؟
مثل هذا الانطباع ليس بصحيح، إذ أن روسيا تقف موقفا يعكس موقف الجامعة العربية في معظم الأحيان، وأكبر مثال على ذلك ليبيا، إذ أن الجامعة العربية طلبت من مجلس الأمن إصدار قرار بهذا الشأن، والموقف الروسي قريب من موقف الجامعة العربية، فلماذا نقول أن روسيا ضد الثورات العربية؟ ليس هناك ما يبرر هذا الانطباع. فروسيا كانت ولا تزال تؤيد موقف الشعوب العربية، وقد أيدتها في الماضي ضد الأنظمة الاستبدادية، ولكن نعتقد الآن أن التطورات الحالية شان داخلي. فروسيا تؤيد إقامة أنظمة ديمقراطية في العالم العربي، ولكن بدون الإخلال بالاستقرار السياسي وبدون الإخلال بالالتزامات الدولية.
ألا تخشى روسيا من ظهور بعض الأنظمة التابعة بشكل كلي للغرب في المنطقة وبالتالي تفقد نفوذها السياسي الذي تتمتع به؟
عندما نتحدث عن سوريا فهي ليس تابعة إلى روسيا إذ أنها تحتفظ بعلاقات وطيدة مع دول أوروبية أخرى وعلى رأسها فرنسا. فلكل دولة اعتباراتها السياسة التي تنطلق من مصالحها القومية، ولكن السؤال لماذا نقول دائما إن هذه الثورات هي ثورات شعبية؟ هنالك أكثر من عامل للحكم على طبيعة هذه التطورات التي تشهدها الدول العربية، فكلما نقول هذه ثورة شعبية تلزمنا أن نصفها صفة ايجابية بدون أي تحفظ أو تردد، فهل ما يحدث الآن في عدد من الدول العربي ثورات شعبية أم أنها صراع بين النخب السياسية؟ وعلى هذا الأساس أقول إن التطورات التي نشهدها في بعض الدول العربية هي أكثر تعقيدا في طبيعتها وبالتالي يصعب تقديرها سياسيا.
هل هذا تشكيك في الثورات الشعبية العربية؟
لا، لا أقول ذلك. فقد قامت ثورات شعبية في بعض البلدان، ولكن التطورات السياسية تختلف من بلد إلى بلد، ولا نستطيع استعمال مصطلح واحد لوصف ما يحدث في جميع الدول العربية.
لكن يقال إن روسيا تخشى من تضرر مصالحها بسبب نجاح بعض الثورات، وهنا أعني المصالح الاقتصادية والسياسية، ألا ترى معي أن مواقف روسيا بشأن التطورات التي تشهدها الدول العربية نابع من هذا التخوف؟
طبعا، شأن روسيا شأن أي دولة أخرى، هل باستطاعتك ذكر اسم دولة لا تفكر في مصالحها حينما يتعلق الأمر باتخاذ قرار أو موقف ما بشأن ما يحدث في الدول العربية؟ وعلى هذا الأساس فإن روسيا تقول إن باب المصالح موجود، وهي تنطلق من هذه المصالح في اتخاذ مواقفها وذلك بمراعاة القانون الدولي.
إذن الثورات العربية تتعارض مع مصالح روسيا في المنطقة؟
لا، لا أظن ذلك، ولكن الإجابة على هذا السؤال يجب ربطها بكل دولة على حدة إذ لا توجد وصفة واحدة لهذه الثورات.
روسيا كانت ضد صدور بيان رئاسي من مجلس الأمن يدين سوريا على قمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، والآن روسيا تسير في نفس الاتجاه فيما يتعلق بتحركات دولية جديدة في هذا الشأن، كيف تفسر هذا الموقف الروسي؟
مشاريع هذه القرارات متطرفة دائما ولا تأخذ بعين الاعتبار تفاصيل ما يحدث في هذه الدولة. فكل مشاريع القرارات، التي صيغت ضد النظام السوري، كانت تتصف بالمواقف المحددة مسبقا من دون التحقيق التفصيلي فيما يحدث في هذه الدولة، وهذه القرارات في رأي روسيا كانت تعكس مصالح بعض الدول الأخرى. ولكن هذا لا يعني أن روسيا تعارض هذه المشاريع ولكنها تطلب الحياد الكامل واتخاذ المواقف القانونية المحايدة بالنسبة إلى اتخاذ أي قرار من القرارات.
روسيا امتنعت عن استخدام حق النقض خلال التصويت على القرار 1973 الذي أجاز تدخلا دوليا في ليبيا ضد نظام القذافي. واليوم بعد استقبال موسكو لمبعوثي القذافي تستعد لاستقبال ممثلين عن المعارضة الليبية، إلى ماذا تسعى موسكو بهذا التحرك؟
ليبيا كغيرها من الدول تحتاج إلى وفاق داخلي، وتحتاج إلى اتخاذ قرار تتفق عليه القوى الداخلية دون إقصاء. هناك في ليبيا من يؤيد القذافي مثلما يوجد من يؤيد المعارضة، ونفس الشيء ينطبق على سوريا، وروسيا تحاول قدر المستطاع المساعدة على إيجاد وفاق داخلي في هذه الدول.
أجرى الحوار: يوسف بوفيجلين
مراجعة: أحمد حسو