رمضان في لبنان- "صوم" عن الخلافات وإفطار بنكهة "العيش المشترك"
٢ أغسطس ٢٠١٣"لا تحلو أجواء هذا الشهر إلا بترجمة العيشِ المشترك بين الطوائف اللبنانية (...)". يقول "جورج" ذلك، مُستَهلاً به الإجابة على سؤال لـ DW عمّا يعنيه له شهر رمضان كـ "مسيحي متدين"، حسبما يصف نفسه.
يجمع "جورج" بـ "أحمد" العمل في مؤسسة تجارية في وسط بيروت، وساعات طويلة يقضيانها مع آخرين في مكاتبهم. "أقل ما أفعله –يقول جورج- أن أشارك زميلي الصوم، أو على أقل تقدير أن أحترم صيامه". برأيه "ما يقوم به هو معاملة بالمثل لما فعله أحمد في فترة الصوم عند المسيحيين، وهذه هي العدالة والمحبة القائمة –برأيه- على المعاملة بالمثل".
يروي "جورج لـ DW أن "رجل دين مسيحياً في إحدى كنائس بلدة "بَيت مري" في جبل لبنان، طلب من المؤمنين الصوم الأسبوع الأخير من رمضان المبارك، والحرص على عدم تناول الطعام أمام الصائمين". ليس هذا القرار عاما أو دائما في لبنان، إذ قد يدعو إليه بعض رجال الدين بناء على قرار شخصي، كما يوضح جورج، مذكرا بأن معظم الكنائس في لبنان كانت قد دعت إلى صوم يوم واحد عام 2001 انطلاقا من الدعوة التي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني وتحديدا بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية. جورج يقلب صفحات الماضي القريب ليقول إن البابا طلب من المسيحيين مشاركة المسلمين في صوم يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان الذي صادف في 14 ديسمبر/كانون الأول، وقد لبى عدد كبير من المسيحيين الدعوة التي أُطلقت من أجل الدعاء للسلام والأمن في العالم. وحصل أمر مماثل في الـ 2002 تضامنا مع فلسطين المحتلة.
رمضان يجمع المسلمين والمسيحيين
الوثائق والوقائع التاريخية تشير إلى أن المسيحيين يشاركون المسلمين أعيادهم ومناسباتهم، وأهمها شهر رمضان، والعكس صحيح في المناسبات الدينية المسيحية. وسط بيروت -حسبما يُجمع المؤرخون ومنهم مثلا الدكتور المؤرخ حسان حلاق- كان يشكل صورة نموذجية لهذا التعايش، منذ العهد العثماني، "إذ كان الجميع يحرصون في أول يوم رمضان على زيارة المسلمين في محلاتهم التجارية حاملين معهم بعض الأنواع من الحلويات الرمضانية المعروفة". ويُسجل المؤرخون اللبنانيون في كتبهم ووثائقهم "أنّ الوالي العثماني كان يُقيم الإفطارات في رمضان داعيا رجالات الدولة من المسلمين والمسيحيين، وأن عددا من رؤساء الجمهورية السابقين وعلى رأسهم بشارة الخوري كان يحرص سنويا على المجيء إلى صالون الجامع العمري الكبير لتقديم المباركة للمسلمين ولا سيما مفتي الجمهورية آنذاك محمد خالد".
الأعراف والعادات الرمضانية لا تقتصر على الرؤساء اللبنانيين ومعظم رجال السياسة اليوم الذي يقيمون إفطارات ويدعون إلى موائدهم رجالات وأصدقاء من مختلف الطوائف، وهو ما تقوم به كذلك مؤسسات اجتماعية وخيرية. وكما لدى الرؤساء، كذا عند عامة الشعب، للتقاليد والعادات أساس متين بين اللبنانيين، وهذه المشاركة تبرز بأبهى حلتها في المناطق الريفية كما في المدن اللبنانية.
تجمع حول مائدة الإفطار
بتعدد الطوائف في لبنان تتعدد الأهواء والتوجهات عند المواطنين، والسياسة تسجل حضورا لافتا في كل مناسبة، وتدخل حتى بين الزوج وزوجته، وليس في الأمر غرابة، في بلاد تُعلي قيمة "حرية التعبير". العبرة أن "ما قد تفرقه السياسة تجمعه الإفطارات والمعايدات السنوية".
تؤكد "كارولين"، وهي فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، أنها تحرص كل عام على الصوم ولو ليوم واحد، أما إذا كانت مدعوة إلى الإفطار لدى أصدقائها المسلمين فهي تلتزم أصول الصوم حتى موعد الإفطار كي تشعر بقيمة ما يقوم به أصدقاؤها. وبما أن رمضان "هو شهر المحبة والتسامح"، تبقى وصية "برنارد" (المسيحي) لزوجته المسلمة عدم الاعتذار عن أي دعوة إلى إفطار تقدم لهما مهما كان السبب، لأنّ لرمضان سحره الخاص"، يقول برنارد.
لا يقتصر مفهوم العيش المشترك على الطوائف والمذاهب الكبرى. فلطائفة الدروز طقوسها خلال رمضان، وإن كان الصوم يعني أكثر رجال الدين من غير الملتزمين دينياً، إذ وفي حين يُعتبر فرض الصوم أساسيا بالنسبة للبعض، تقتصر المشاركة من البعض الآخر على الصوم لأيام معدودة، وهذا ما تؤكّده "حنين" (28 سنة)، مشيرة إلى أنّها تصوم أقله يوم واحد، وهو ما يلتزم به أيضا معظم أفراد عائلتها، فيما يحرص بعض أقربائها وهم من شيوخ الطائفة (أي ملتزمين دينيا) على تأدية فريضة الصوم بشكل كامل طوال الثلاثين يوما.
"ريتا" (30 عاما) تلاحظ عنصرا إضافيا قَرَّب المسيحيين من المسلمين وعاداتهم، ويتمثل ذلك بالوفود الكثيف للنازحين السوريين إلى لبنان. ريتا تقول: "تكاد لا تخلو منطقة من الأخوة السوريين، ومنهم من هم بحالة مادية ممتازة، يستأجرون المنازل بل ويستثمرون عندنا... وما أريد أن أقوله –تتابع- إن التداخل الحاصل بفعل النزوح بات يفتح بابا للتلاقي مع جيراننا والتعرف الى طقوس رمضان، وحلويات رمضان والإفطارات وإعدادها، إضافة إلى متابعة المسلسلات، حيت بتنا ننتظر رمضان لمشاهدة جديد الإنتاجات التلفزيونية، هذا في الشكل طبعا، والمضمون بتنا نتعرف إليه أكثر".
ما تقوله "ريتا" يؤكده "جان" وهو مقدم برنامج خاص بشهر رمضان على إحدى الإذاعات. يقول جان إن أجمل ما يحب سماعه على الهواء ومن مستمعيه هو تعابير من مثل "رمضان كريم، والله أكرم، وفي ذلك تكرار لكلمة الله وفيها نوع من تشارك جميل مع إخواننا المسلمين، آمل أن يُترجم سياسيا بشكل حقيقي كي لا تبقى بعض الطوائف على خوفها من الطوائف الأخرى. إن رمضان وغير من المناسبات الدينية تُشكل الفرصة المطلوبة لتثبيت الثقة والمحبة".
"رب أخ لك لم تلده أمك. أعاد الله الأعياد علينا (المسيحيين) وعليهم (المسلمين) بكل خير"، يختم جان كلامه.