هاري كين.. نقطة تحول لبايرن ميونيخ وليس للبوندسليغا
١٥ أغسطس ٢٠٢٣قبل ستة أعوام وتحديدا في أغسطس/ أب عام 2017، أدلى رئيس بايرن ميونيخ آنذاك أولي هونيس بتصريح أثار الكثير من الجدل ليس فقط في ألمانيا وإنما في عالم الساحرة المستديرة بقوله في مقابلة مع مجلة "سبورت بيلد": "في رأيي لا يوجد أي لاعب في العالم يستحق 100 مليون يورو".
وتزامن تصريح هونيس مع انتقال نيمار إلى صفوف باريس سان جيرمان قادما من برشلونة برقم قياسي بلغ 222 مليون يورو وانضمام عثمان ديمبيلي إلى برشلونة من بوروسيا دورتموند في صفقة بلغت قيمتها 135 مليون يورو.
وأضاف هونيس "لا أريد شراء لاعب مقابل 100 مليون يورو حتى لو امتلكت المال. هذا سيكون إهدارا كبيرا للمال"، فيما كرر الأمر ذاته بعد ذلك بعام مع احتفال بايرن ميونيخ بلقب الدوري الألماني، قائلا "لن تنخرط هذا العام في أي صفقة انتقال تتجاوز قيمتها المئة مليون يورو".
يشار إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية، تجاوزت كبرى الأندية الأوروبية عتبة المئة مليون يورو في مسعى لضم كبار اللاعبين فيما كانت البداية مع نادي ريال مدريد الذي قام بشراء نجم منتخب ويلز، غاريث بيل، مقابل 101 مليون يورو عام 2013. وانضمت أكبر ثماني أندية أوروبية أخرى إلى ركب النادي الملكي باستثناء النادي البافاري.
بيد أن الأمر لم يدم طويلا إذ طوى بايرين ميونيخ صفحة شعار هونيس قبل أسابيع بالموافقة على ضم نجم المنتخب الإنجليزي هاري كين من ناديه توتنهام مقابل 117 مليون يورو.
وقبل الإعلان الرسمي عن الصفقة، خرج عضو مجلس إدارة بايرن ميونيخ أندرياس يونغ ليؤكد "أنها المرة الأولى الذي ندفع فيها هذا الرقم. بالنسبة لنا، إنه شيء خاص لأنه يظهر أننا قادرون على المنافسة مع الآخرين. سيكون لدينا فريق لديه فرصة للفوز في كل مسابقة."
صفقة كين.. نقطة تحول
وقد عزا مراقبون هذا التناقض في موقف النادي البافاري إلى ما تمكن أن تسميته بـ "القوة التجارية الماحقة" الذي تتسم به هوية لاعبي الفريق.
فرغم أن شركات عملاقة مثل "إديديس" و "أودي" و"أليانز" تمتلك نسبة 24.99٪ في النادي، إلا أن 300 ألف شخص يمتلكون نسبة 75٪ في النادي. ورغم أن النادي يمتلك مكاتب في شنغهاي وبانكوك ونيويورك وقد عاد للتو من جولة كروية شملت اليابان وسنغافورة استعدادا للموسم الجديد، إلا أن لاعبي الفريق مازالو يرتدون ملابس تقليدية كل عام احتفالا بمهرجان "أكتوبر فيست" في بافاريا.
لكن يبدو أن دوام الحال من المحال إذ طرأت تغيرات على الآراء المحافظة داخل إدارة نادي بايرن ميونيخ مع استبدال المدرب الرئيسي جوليان ناجيلسمان بتوماس توخيل في مارس / آذار الماضي وشكوك حيال حصول النادي على لقب الدوري الألماني الحادي عشر على التوالي والذي فاز به في آخر لحظة بعد أن فرط دورتموند في فرصة لم تتح له منذ 10 أعوام وتعادل على ملعبه.
وعلى وقع ذلك، خرج هونيس قائلا: "يمكن تخيل شراء اللاعب مقابل 100 مليون يورو".
ويرى خبراء أن انتقال كين يمثل "نقطة تحول" في تاريخ بايرن ميونيخ خاصة أن كابتن المنتخب الإنجليزي يعد اللاعب والنجم الذي يبحث عنه النادي البافاري بديلا عن هدافه السابق روبرت ليفاندوفسكي الذي شد رحاله إلى أسبانيا لينضم إلى صفوف برشلونة.
لكن في المقابل، يقول الخبراء إن كين، ثاني الهدافين التاريخيين لبطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، لن يخلق التأثير الكبير داخل البوندسليغا.
هروب المواهب الكروية
ويرى الخبراء أن كرة القدم الألمانية باتت تواجه أزمة صعبة تجلت مع انطلاق الموسم الجديد بمباراة السوبر بين بايرن ميونيخ و لايبزيغ حيث خسر النادي البافاري بملعبه لقب كأس السوبر الألماني في أول مشاركة لهاري كين.
كرويا، لم يكن الاتحاد الألماني لكرة القدم في مرمى الانتقادات فحسب عقب خروج منتخب السيدات من مونديال كرة القدم وإنما عقب خروج فريق الرجال من مونديال قطر العام الماضي.
ويُضاف إلى ذلك ما يراه مراقبون من أن الدوري الألماني بات أقل جاذبية من أي وقت مضى لضم النجوم مع هروب المواهب من أمثال جود بيلينغهام الذي انضم إلى ريال مدريد قادما من بروسيا دورتموند وقبله إيرلينغ هالاند وجادون سانشو.
ورغم نجاح البوندسليغا في ضم لاعبين من العيار الثقيل مثل هاري كين وقبله السنغالي ساديو مانيه، إلا أن هذا لا يخفي حقيقة مفادها أن المسار ينطلق من البوندسليغا إلى الدوريات الأخرى فعلى سبيل المثال غادر موسى ديابي باير ليفركوزن لينضم إلى أستون فيلا فيما ترك ماركوس تورام بوروسيا مونشنغلادباخ لينضم إلى إنتر ميلان.
ويرجح ان يلي ذلك انتقال ثنائي آينتراحت فرانكفورت الياباني دايتشي كامادا إلى لاتسيو الإيطالي والمدافع الفرنسي إيفان نديكا إلى نادي روما.
بيد أن الازمة الأكبر طالت حامل السوبر الألماني لايبزيغ الذي خسر العديد من نجومه لصالح الدوري الإنجليزي الممتاز مثل انتقال دومينيك زوبوسزلاي إلى ليفربول وكريستوفر نكونكو إلى تشيلسي وجوسكو غفارديول إلى مانشستر سيتي فيما يبدو أن القيمة المالية كانت وراء ذلك.
وفي سياق ذاته، أسقطت الأندية الألمانية المحترفة في مايو/ أيار الماضي مقترحات قدمتها رابطة الدوري لبيع جزء من حقوقها التلفزيونية لمستثمرين، في قضية أثارت غضب مجموعات من المشجعين.
وقضت الخطة التي قدمتها الرابطة بتضحية الأندية من الدرجتين الأولى والثانية بجزء من عائدات البث التلفزيوني مقابل ضخ نقدي فوري بقيمة ملياري يورو (2.2 مليار دولار). بيد أن انّ ممثلي 36 نادياً من الدرجتين الاولى والثانية لم يمنحوا أغلبية الثلثين اللازمة لمنح المشروع الضوء الأخضر.
وعلى وقع ذلك، لجأ بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند إلى طريقتهما التقليدية في تعزيز شعبيتهما وإيراداتهما من خلال إجراء جولات تسويقية خارج البلاد استعدادا للموسم الجديد، لكن الفرق الأخرى لم يٌقدم على هذا الخيار.
ثقافة الجماهير الألمانية
ورغم هذه الضغوط، إلا أن الدوري الألمانية وانديته تمتلك نقاط قوة تتمثل في الجماهيرية إذ ما زال الدوري الألماني يحظى بأعلى نسبة حضور في أوروبا حيث بلغ متوسط عدد الجماهير أكثر من 43 ألفا كل مباراة في كل موسم على مدار الخمسة عشر عاما الماضية.
في المقابل، وصل متوسط عدد الجماهير في الدوري الإنجليزي الممتاز إلى أكثر من 40 ألفا للمرة الأولى خلال الموسم الماضي.
ويرى خبراء أن هذا الأمر يرجع إلى عدة أسباب أبرزها وجود ملاعب كرة القدم حديثة وكبيرة التي جرى بناؤها أو توسيعها قبل مونديال عام 2006 فضلا عن ما تتسم به ثقافة كرة القدم الألمانية من مزايا مثل أسعار التذاكر المعقولة والشمولية الاجتماعية مقارنة بالدوري الإنجليزي.
ويُضاف إلى ذلك قاعدة تُعرف بـ "خمسين زائد واحد" التي تضمن بقاء أندية البوندسليغا بشكل عام تحت سيطرة أعضائها بدلا من وقوعها في أيدي صناديق الثروة السيادية وأصحاب رؤوس الأموال.
وتؤدي هذه القاعدة إلى إمكانية محاسبة الجماهير أنديتها وبقاء أسعار التذاكر في المتناول وعدم تغيير توقيت إذاعة المباريات لتتناسب مع أوقات المشاهدة التليفزيونية وعدم الانخراط في صفقات بيع أسهم بما يتجاوز مليار يورو دون إجراء مناقشات ودراسات وافية.
وينطبق هذا على الأندية الكبرى بما في بايرن ميونيخ الذي ضم هاري كين بعد شهر واحد فقط من رضوخ النادي لضغوط الأعضاء واختياره عدم تمديد عقد رعاية مع شركة الخطوط الجوية القطرية، أحد الرعاة الرئيسيين للنادي منذ عام 2018 فيما يبدو أن حق الرعاية لم يكن ذا أهمية مالية كبيرة.
كان العقد المربح موضع نقاش منذ سنوات، وكانت الجمعية العمومية السنوية لبايرن ميونخ أثارت نقاشا ساخنا حول العقد والذي يواجه انتقادات من داخل النادي البافاري بدعوى وضع حقوق الإنسان في قطر، البلد الذي نظم مونديال 2022. وفي المقابل تنفي الحكومة القطرية ادعاءات منتقدي العقد بانتهاك حقوق الإنسان في قطر.
أسئلة بحاجة إلى أجوبة
بيد أنه مع انطلاق الموسم الجديد، لا يمكن للبوندسليغا الارتكان كثيرا على ثقافة عشاق الساحرة المستديرة إذ مع هبوط اندية جماهيرية مثل شالكه (متوسط حضوره مبارياته أكثر من 61 ألفا) وهيرتا برلين (متوسط حضوره مبارياته أكثر من 53 ألفا)، يتوقع أن تنخفض أعداد الجماهير في الدوري الألماني.
ومن اللافت أن مباريات الدرجة الثانية سوف تجذب جماهير كبيرة بمشاركة أندية مثل هامبورغ وكايزرسلاوترن وكارلسروه وهانوفر ونورنبرغ وسانت باولي وماغدبورغ وهانزا روستوك بمعدل يفوق أندية أوغسبورغ أو فولفسبورغ أو هوفنهايم في الدوري الدرجة الأولى.
وبضمه هاري كين، أظهر بايرن ميونيخ قوته وقدرته على جذب نجوم كرة القدم من كبرى الدوريات الأوروبية، لكن في المقابل هناك العديد من الأسئلة ما زالت في حاجة إلى أجوبة أبرزها هل يستطيع البوندسليغا محاكاة العقلية التسويقية التجارية للدوري الإنجليزي؟ وهل تمتلك الأندية الألمانية القدرة على التنافس لضم لاعبين بأسعار فلكية؟
يأتي ذلك رغم إقرار كارل هاينز رومينيغه، رئيس مجلس إدارة نادي بايرن ميونخ السابق، بصعوبة ذلك.
مات فورد/ م.ع