"رغم الوضع المتفاقم في غزة يبدو احتمال الحرب الأهلية مستبعدا"
١٣ يونيو ٢٠٠٧كسب المُشككون في اتفاق مكة ونتائجه الرهان وعاد قطاع غزة إلى موجة عنف تعتبر الأعنف من نوعها منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالانتخابات الفلسطينية الأخيرة التي أجريت منذ أكثر من عام. فقرار حركة فتح وقف مشاركة وزرائها في حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، واشتداد حمى الاشتباكات وانتشار المسلحين في الشوارع وقصف مقر رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية أمس في غزة وتعرض مقر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس أيضا في رام الله للقذائف، كل ذلك ينذر بانزلاق الأراضي الفلسطينية إلى وضع مأساوي لن تقتصر إفرازاته على الفلسطينيين وحدهم، بل سيكون لها تبعات إقليمية. وفي حين بدأ بعض الخبراء ووسائل الإعلام، العربية منها والأجنبية بالتحدث عن نشوب حرب أهلية، أعرب البعض الآخر عن مخاوفه من انتقال الصراع إلى المناطق الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية وخاصة إلى مدينة نابلس، كبرى مدن شمال الضفة الغربية وأكثرها اضطرابا.
هل تقف غزة على حافة حرب أهلية؟
ومن أخطر السيناريوهات التي تشغل المراقبين للصراع في الشرق الأوسط هو سيناريو اندلاع حرب أهلية ستدخل الفلسطينيين وقضيتهم إلى دوامة جديدة من العنف. وبينما يبدي أهالي المدن الفلسطينية في الضفة الغربية قلقا شديدا من امتداد رقعة الصراع إلى مناطقهم، أكد خبراء في شؤون الشرق الأوسط أن الحديث عن حرب أهلية دون مشاركة شعبية فيها يفتقد إلى الصحة ولو على الأقل من الناحية النظرية. ففي مقابلة هاتفية مع موقعنا، قال الخبير الألماني مارتين بِك إن عدم مشاركة المواطنين الفلسطينيين في أعمال القتال الدائرة في القطاع الفلسطيني واقتصار الاشتباكات على الميليشيات المسلحة "يجيز لنا القول إن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية لا يمكن تسميته حربا أهلية." وعن مخاوف المواطنين في مدن الضفة الغربية من انتقال الصراع إلى أراضيهم، أعربت الطالبة ريم (س. 22 عاما) في مقابلة هاتفية مع موقعنا عن مخاوفها ومخاوف زملائها في جامعة النجاح الوطنية التي تتخذ من مدينة نابلس مقرا لها عن قلقها الشديد من امتداد الصراع إلى نابلس ومن اندلاع حرب أهلية محتملة. وقالت طالبة فرع الهندسة في الجامعة الفلسطنية إن موضوع الحديث عن حرب أهلية "له حضور دائم في حلقات النقاش التي يخوضها الطلاب في أروقة الجامعة،" وإن هناك مخاوف حقيقية من ذلك. أما زميلها محمد (ف. 25 عاما) فقد أكد بدوره على نضج الفلسطينيين الذي سيحول دون انزلاق الأراضي الفلسطينية إلى دوامة حرب أهلية، قائلا إن مسيرة القضية الفلسطينية والنكسات التي تعرضت لها "تأتي كأكبر دليل على فطنة الفلسطينيين ووعيهم بأخطار هذه الحرب."
… وهل سينتقل الصراع إلى الضفة؟
وعن احتمال انتقال الصراع إلى مدن الضفة الغربية، أعرب الخبير بِك عن استبعاده لذلك، معللا ذلك بالقول إن الحال في الضفة الغربية "تختلف عن الحال في قطاع غزة." وعزا الخبير هذا الاختلاف إلى أسباب تتعلق بتصدي الحكومة الإسرائيلية إلى مثل هذه المحاولات وإلى الوضع الحساس للقدس الشرقية. وجزم بِك قائلا إن إسرائيل "لن تسمح بامتداد الأعمال القتالية إلى مدن الضفة." في الوقت ذاته، لم يستبعد الخبير تسربا جزئيا لأعمال القتال إلى بعض المدن الفلسطينية في الضفة. وعن هذا السيناريو، توصل موقعنا في حلقة النقاش التي أدارها هاتفيا مع ثلاثة طلاب من جامعة النجاح الوطنية في نابلس إلى أن الرأي الغالب في الأوساط الطلابية في الجامعة الفلسطينية يميل إلى استبعاد اندلاع حرب أهلية وإلى ترجيح الطلاب لاحتمال فشل الحكومة الإسرائيلية في إشعال هذه الحرب، على حد قولهم.
ماذا عن دور الاتحاد الأوروبي؟
وعن دور القوى الخارجية في رأب الصراع وخاصة القوى الإقليمية واللجنة الرباعية والأمم المتحدة، خصّ الخبير مارتين بِك الاتحاد الأوروبي بالقول إن بروكسل "غير قادرة في الوقت الحاضر إلا على فعل القليل من أجل وضع حد لمسلسل العنف الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية." وعزا الخبير رأيه إلى "أخفاق حركتي حماس وفتح في السيطرة على الميليشيات المسؤولة عن اندلاع أعمال العنف." وعن موقف المواطنين الفلسطينيين من تدخل قوى أجنبية في وضع حد للصراع، قال أستاذ علوم التربية في منطقة نابلس، سهيل (ع. 45 عاما) في مقابلة هاتفية مع موقعنا إن المواطنين الفلسطينيين "يرحبون بتدخل قوى خارجية في حل الصراع،" مشترطا أن يأتي هذا التدخل ليس لصالح الإسرائيليين، بل لصالح التوصل إلى صيغة منصفة تخدم فرص السلام في المنطقة وتخرجها من الفوضى والفلتان الأمني وبالتالي تمهيد الطريق لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة،" على حد قوله.
… وعن تبعات قطع المساعدات المالية؟
أما بخصوص قطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين والمقاطعة السياسية التي تفرضها القوى العالمية على الحكومة الفلسطينية منذ تسلم حركة حماس السلطة في الأراضي الفلسطينية، فقد أعرب موظف في وزارة الداخلية الفلسطينية رفض الكشف عن هويته عن حنقه الشديد من قطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين، قائلا إن ذلك "هو من أحد أهم الأسباب التي ساهمت في انتشار الفوضى وأعمال القتال في الأراضي الفلسطينية." إلى ذلك، شاطر الخبير الألماني بِك الموظف رأيه بالقول إن توقف الاتحاد الأوروبي ـ عن غير قصد، على حد تعبيره ـ عن تقديم المساعدات المباشرة "ساهم في تأزم الوضع في المدن الفلسطينية."