رغم الخوف والدمار.. الحياة في كييف تعود تدريجيًا إلى طبيعتها
٩ أبريل ٢٠٢٢
منذ مطلع أبريل/نيسان الجاري، بدأت الحياة الطبيعية تعود تدريجيا إلى العاصمة الأوكرانية كييف، إذ بدأ السكان الذين فروا منها مع بدء القصف الروسي أواخر فبراير/شباط في العودة إلى منازلهم وإن كان بوتيرة بطئية ورغم تحذيرات السلطات من استمرار التهديد العسكري الروسي إذ لم تضع الحرب أوزارها بعد.
ورغم التحذيرات الحكومية، عادت حركة الشارع والمرور إلى كييف فيما فتحت المتاجر والمقاهي والمطاعم وصالونات مصففي الشعر أبوابها أمام الأوكرانيين. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل جرى استئناف الدراسة رغم أن المدارس لم تفتح أبوابها أمام الطلاب فيما قالت السلطات إن 90 بالمائة من الطلاب سيتعلمون عن بعد.
"العودة فورا"
ويبدو أن عودة الحياة إلى طبيعتها إلى كييف تزامن مع حماس سكانها إلى العودة إليها بعد فرارهم من المدينة خوفا على حياتهم جراء القصف والأعمال العسكرية. وفي ذلك، كشف مسح أجراه مركز "راسومكوف" للدراسات الاقتصادية والسياسية في كييف عن أن 79٪ من الأوكرانيين الذين فروا من بلادهم يرغبون في العودة، فيما قالت منظمة تعمل في المجال التطوعي ساعدت في إجلاء المدنيين من كييف لـ DW إن مئات الأشخاص يعودون بالفعل إلى العاصمة بشكل يومي.
ومن بين العائدين إلى كييف كان أندريه البالغ من العمر 40 عاما والذي وصل إلى محطة كييف الرئيسية مؤخرا قادما من مدينة ريفني الواقعة غرب أوكرانيا على متن حافلة مكتظة بالمسافرين. وفي مقابلة مع DW، قال أندريه إنه قرر العودة من بولندا التي فر إليها مع زوجته وطفليه (4 و 6 أعوام) مع بدء القصف حيث استضاف أسرته مزارع بولندي كان يعمل لديه في السابق. وقال "في الحقيقة، كنت أرغب العودة على الفور والمشاركة في الحرب، لكن كان يتعين علي أن أبقى وأعمل لكسب لقمة عيش لأسرتي".
ولسوء حظ اندريه فإن يوم عودته إلى كييف صادف تعرضها للاهتزازات جراء انفجارات طالت شمال غربه، لكن ذلك لم يردعه وغيره من الأوكرانيين الذين عزموا على العودة إلى المدينة. وقد بدا ذلك جليا في حديث اندريه، قائلا "يتابع الناس الأخبار بانتظام وهم يعرفون أن هناك كاسحات ألغام أوكرانية تعمل في بوتشا وغيرها من المناطق النائية من كييف. لكن بعد ما رأوا ما فعله الروس في هذه المناطق، قرروا العودة فورا".
وأضاف "لم تتضرر شقتنا حيث بقيت على حالها. وبالنسبة لي شخصيا فقد حان الوقت أما لحمل السلاح أو المشاركة في إعادة أعمار مدينتنا. زوجتي هى الأخرى تفتقد منزلنا وكييف، مسقط رأسها، وتريد العودة في أقرب وقت ممكن رغم الصعوبات".
عودة وسائل النقل وفتح الأسواق أبوابها
وربما ما أثلج صدر أندريه بعض الشيء أنه لم يكن يتعين عليه تحمل تكلفة استئجار سيارة للعودة إلى شقته حيث عادت حركة قطارات مترو الأنفاق للعمل بانتظام وبشكل كامل بعد أن تحولت محطاتها إلى ملاجئ مع بدء القصف ما أدى بالضرورة إلى توقف حركة القطارات. وأشارت سلطات المدينة إلى عودة 150 حافلة وأكثر من 30 سيارة خاصة بنقل الركاب إلى العمل في شوارع كييف فيما أبقى سائقو سيارات الأجرة "التاكسي" على نفس الأسعار التي كانت قبل اندلاع الحرب.
وتزداد حركة السيارات في شوارع كييف يوما بعد يوم فيما عاد الازدحام المروري إلى شوارعها خاصة مع إنشاء نقاط تفتيش على الطرق المؤدية إلى الجسور فوق نهر دنيبرو حيث يُجرى فحص أوراق السائقين والركاب. وفي المتاجر، بدأ امتلاء الرفوف التي كانت فارغة من جديد بنهاية مارس / أذار الماضي، بالسلع والبضائع والمواد الغذائية من لحوم ومنتجات ألبان وحتى حلويات سواء المصنعة محليا أم السلع الأجنبية التي جاءت عبر القوافل الإنسانية في الأيام الأولى من الحرب.
وقد كان هذا بالأمر الجيد إذ اختفى تخزين سكان المدينة للبضائع مع عودة توافرها في المتاجر. كذلك، تعلن سلطات كييف بشكل يومي عن أماكن تواجد أسواق صغيرة خاصة بصغار المزارعين في جميع أنحاء المدينة حيث يمكن شراء الخضروات والفاكهة وغيرها من المواد الغذائية. بيد أن رحلة صغار المزارعين إلى كييف لبيع منتجاتهم ليست بالأمر السهل، وفقا لما قاله أحد المزارعين. وأضاف "نكون في حاجة إلى ساعتين للانتقال من الضفة اليسرى إلى الضفة اليمنى بسبب الازدحام المروري على الجسور ووجود العديد من نقاط التفتيش. في إحدى المرات كنا على وشك الانطلاق لكن سمعنا دوي صفارات الإنذار، لذا اضطررنا في البداية إلى تغير الخطة".
وخلال الأسبوع الماضي، بدأت وتيرة سماع دوي صفارات الإنذار تقل حتى قبل انسحاب القوات الروسية من منطقة كييف بالتزامن مع انخفاض حدة حرب الشوارع ضد الروس فيما بات سماع إطلاق النار منحصرا على سكان بعض المناطق النائية فيما يرجع الأمر إلى التدريبات التي تقوم بها عناصر الدفاع المحلية في الغابات القريبة وليس جراء استمرار المعارك.
المقاهي تستقبل روادها
وعاد النشاط التجاري إلى كييف إذ أعلنت سلطات المدينة السماح بعودة فتح أكثر من 760 متجرا للمواد الغذائية و 400 مطعما وأكثر من 440 محطة وقود. ولاشك أن الأيام التي عاشها سكان كييف كانت عصيبة وقاسية إبان القصف وأعمال القتال إذ تحولت محطة مترو الأنفاق المركزية في كييف إلى ملجأ من القصف فيما عمدت المطاعم إلى تحضير وتقديم وجبات دافئة لأفراد قوات الدفاع المحلية والسكان الذين يضطرون إلى الهروب إلى هذه الملاجئ عندما سماع صفارات الإنذار.
وفي ذلك، قال أحد طهاة مطعم تايلندي تحول إلى مطبخ يقدم الطعام للناس في الملاجئ " كنا نعد 510 وجبات في اليوم وكنا نقوم بإعداد حساء البروش والعصيدة فيما كان يجلب لنا المزارعون المحليون المكونات". وبجوار هذا المطعم فتحت أولكساندرا المقهى الذي تديره حيث تساعد في إعداد البن المحمص التي حصلت عليه من موردين انتقلوا إلى غرب أوكرانيا مع امتداد المعارك خارج كييف.
وقالت "يبلغ عدد زبائن المقهى قرابة 50 يوميا من محبي شرب القهوة خاصة من يرغبون في الجلوس في حديقة المقهى عندما يكون الطقس دافئا. نشعر أن الحياة تعود تدريجيا إلى العاصمة إذ نستقبل المزيد من الزبائن بمرور الأيام لكن المنافسة تزداد مع افتتاح المزيد من المقاهي أبوابها".
رفع القيود
وفي المناطق الراقية في كييف بدأت الحياة تعود إذ باتت ساحات انتظار السيارات قرب المحال التجارية الفخمة تكتظ بالسيارات وأصبحت المطاعم القريبة تعج بالزبائن خاصة الأثرياء حيث سُمح بشرب المشروبات الروحية. ويشار إلى أنه عقب سريان الأحكام العرفية في العاصمة كييف، جرى حظر بيع الكحول لكن بدا الأمر يعود إلى طبيعته مع السماح ببيع الكحول في المتاجر.
وفي إحدى مظاهر عودة الحياة إلى طبيعتها في كييف، شرع سكانها من رجال ونساء إلى الذهاب إلى صالونات مصففي الشعر، وهو الأمر الذي كان بالنبأ السار لأولينا التي تدير صالونا وسط المدينة. وقالت "جميع المواعيد أصبحت محجوزة حتى بداية مايو / آيار، يعمل في الصالون مصفف واحد وهناك الكثير الناس لم يذهبوا إلى صالونات الحلاقة لأكثر من شهر. لكن الجنود أو الأشخاص الذين شاركوا في الخدمة العسكرية هم فقط من يستطيعون القدوم إلى الصالون دون حجز موعد مسبق إذ لا يمكنهم الانتظار."
ماركيان أوستابتشوك / م ع