رشا حلوة: هند صبري نموذج أمل لنا كنساء في هذه الأوقات الصعبة
٢ أغسطس ٢٠١٩أعلنت الممثلة التونسية، هند صبري (1979) عبر أيام قليلة عبر حسابها في "انستغرام"، عن اختيارها كأوّل فنانة عربية للانضمام إلى لجنة تحكيم أفضل عمل أوّل في "مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي".
وفي إعلانها عن ذلك، قالت: "فخورة باختياري ضمن لجنة تحكيم مسابقة أفضل عمل أول بمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، وازداد فخري عندما علمت أن رئيس اللجنة، المخرج الكبير، أمير كوستاريكا والمخرجة الإيطالية أنطوانيتا ليلو، التي ترشحت للأسد الذهبي في المهرجان نفسه عام 1997".
وأعربت الممثلة التونسية عن أمنيتها أن تكون سفيرة جيدة للفن العربي في أقدم مهرجان سينمائي في العالم وواحد من أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية على الإطلاق.
للخبر هذا أبعاد كثيرة، غير تلك التي تشير على أهمية هند صبري الفنية، حيث تستحق أن تكون في مثل هذا المنصب الفني العالمي. لكن، لم أستطع أن أتجاهل مما يعكس هذا الإعلان من أهميات أخرى تصبّ في محاور جندرية واجتماعية وثقافية وسياسية أيضًا، خاصة في ما تمرّ به المنطقة العربية على ذات المحاور، ومفاده نجاحات وإنجازات نساء عربيات في المنطقة العربية والعالم ككل، رغم كل ما ومن يحاربهن يوميًا.
يختلف واقع المرأة العربية بين دولة عربية وأخرى، خاصّة على مستوى القمع الذي تتعرّض له؛ السياسي وكذلك الاجتماعي، المتجسّد بالمجتمع الكبير وحتى الصغير منه كالعائلة المحيطة. لكن، ما زالت المرأة العربية تحتاج إلى جهود مضاعفة كي تحقق أحلامها وطموحاتها مقارنة بالرجل. و"مضاعفة" هنا لربما هو تعبير بسيط عمّا تواجهه المرأة العربية، خاصّة في سياق مجتمعات ترتكز بأغلبيتها على عقليات ذكورية سلطوية، رسمت وترسم مسارات واضحة ومرتبة لحيوات النساء، تصبّ في نهاية المطاف بأن تواصل المرأة في دورها البيتي، بالتربية وخدمة العائلة والأطفال، والآخرين عمومًا عدا نفسها.
الحديث عن انضمام هند صبري إلى لجنة سينمائية دولية مهمة، هو فقط لانتهاز فرصة الحديث عن موضوع أوسع. مع الإدراك التامّ لامتيازات عديدة حظت وتحظى بها صبري، كفنانة ناجحة ومشهورة، وبالتالي، لا أقارن وضعها الاجتماعي ولا الاقتصادي ولا السياسي بشرائح متنوعة من النساء. لكن هذا لا ينفي بأنها نموذج حيّ، ككثير من النساء الأخريات في حقول حياتية عديدة، اللاتي عرفن شق طريقهن بقدراتهن الذاتية، بالتأكيد مع دعم ومحبة محيطين، وتحوّلن إلى أمثلة من المهم الحديث عنها في أوقات صعبة نعيشها اليوم سياسيًا واجتماعيًا، خاصّة كنساء عربيات.
في توضيح لما أقصد بهذه الأوقات، فما زالت نساء لبنانيات تحاربن على منح الجنسية لأبنائهن، وما زالت نساء مصريات يواجهن التحرّش الجنسي اليومي بأجسادهن وحدهن، وما زالت نساء سودانيات تُقمع لأنهن يطالبن بالعدالة والحرية السياسية والاجتماعية والفردية، وقبل أيام اغتصبت المغربية حنان وتم توثيق عملية اغتصابها ونشرها عبر الإنترنت، وما زالت نساء سعوديات يُعذبن في المعتقلات لأنهن نادين بالمساواة بين الجنسين، وما زالت نساء تونسيات يناضلن من أجل المساواة في الميراث... والقائمة تطول، تطول جدًا. وتحديد ما تمرّ به نساء في دول مختلفة، هو ليس لأن هذا هو ما يمرّن به فقط، بل مثال واحد لذلك.
الأمر الإضافي، والذي لا يمكنني تجاهله في سياق حديثنا عن نساء حققن إنجازات كثيرة، هو الحقل الثقافي والفني، والتي ترتبط فيه هند صبري بشكل مباشر. من جهة، يعيش هذا الحقل أيضًا في ظلّ مباني سلطوية جندرية، ما زلن فنانات يناضلن من أجل مكانتهن وكرامتهن الإنسانية أيضًا، وهنالك إنجازات مهمّة. كما وهنالك من تحارب على حقّها في الاختيار، سواء كفنانة، حيث ما زال يُحكم على المهنة من قبل عدد كبير من الناس بشكل سلبي - كأبسط تعبير-، أو ما يمكن أن تتعرض له الفنانة لاختياراتها فردية، وحتى تلك المتعلقة بحرية الملبس. وأذكر هنا مثال الممثلة المصرية رانيا يوسف، وما تعرّضت له من قبل القانون والمجتمع عندما قررت أن تلبس فستانًا كان "قد خدش الحياء العامّ" أكثر مما يخدش هذا الحياء ما تمرّ به النساء من اضطهاد وقمع يومي.
أتحدث كثيرًا عن واقع النساء، معناتهن، كواحدة منهن بالتأكيد، كمن يحاول دومًا تفكيك وفهم كل ما حولي، من قريب وبعيد، نقده قدر المستطاع، هذا النقد النابع من مبدأ المحبة لمجتمعاتي، ولأني مؤمنة دائمًا بأن التغيير للأفضل، قابل للتحقيق. هذا الإيمان الذي يرتكز على شعوري وأخريات وآخرين بالمسؤولية تجاه أنفسنا، وتجاه واقع نسائنا وفئات مجتمعاتنا المتنوعة، وهذه المسؤولية لن تحقق رغبتها بالتحسين إن لم تحدثنا عن الواقع بصوتٍ عالٍ، وإن ما بدأنا بالتغيير على الأقل من أنفسنا من ثم محيطنا وإلى الأوسع، طبعًا، إن استطعنا ذلك، وإن لم يشكّل ذلك خطرًا على حيواتنا، أيّا كان هذا الخطر.
أردت من خلال مقال هذا الأسبوع أن أتحدث عن أهمية الإنجازات، رغم التحديات والصعوبات، هذه الإنجازات المتجسّدة اليوم بمثال الممثلة هند صبري، وانضمامها إلى لجنة تحكيم مهمّة، وحصولها على التقدير اللازم لما فعلته فنيًا. بالنسبة لي، هذا نموذج أملٍ، بإمكاننا نقد عوامل كثيرة فيه بالطبع، لكنه نموذج نحتاجه في هذه الأوقات للتأكيد على قدراتنا كنساء، على أهمية أن تكون لدينا نماذج حيّة نتمسك بها في هذه الأوقات الصعبة، سياسيًا واجتماعيًا. وكلّي أمل، أن تعود هذه المناصب بالفائدة إلى النساء وإلى مجتمعاتنا التي تستحق أن تكون في مكانٍ أفضل، رغم صعوبة هذا الطريق.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.