رشا حلوة: عن الأمل الذي منحته نساء في العام 2019
٢٧ ديسمبر ٢٠١٩أيام قليلة تفصلنا عن نهاية العام 2019 والدخول في عقدٍ جديد. يأتي هذا مع أحداث عديدة في العالم عامّة، والمنطقة العربية، وكذلك تغييرات سياسية واجتماعية كثيرة تحدث بسرعة، وتؤثر على حيواتنا.
كما يأتي مع الحاجة للاستيعاب قليلاً ما مرّ علينا خلال السنوات العشر الأخيرة، بداية من عام 2010 ولغاية يومنا هذا؛ الثورات، سقوط جدران الخوف، القتل والدمار المتواصلين، وكيف غيّرتنا الكوارث وأثّرت علينا وعلى من نحبّ؟ وما زالت...
وفي ظلّ كل هذا، هل يمكننا رؤية ضوء ما؟ بعيداً عن أي أحكام كانت، على المقدرة أم لا، لكن لربما وسط كل ما يحدث من خراب، هنالك ما يمنحنا الأمل، وعلينا التمسك به.
في حديثي عن "الضوء"، أرغب بالتركيز على الضوء الذي منحته نساء خلال العام الذي يوشك على الانتهاء، في مشاهد وقصص وشخصيات لربما عرفناها جميعنا.
قصص وأفعال لنساء، أثّرت فينا ومنحت لنا الكثير من الآمال بأن غدا سيكون أفضل، في العراق ولبنان وفلسطين وسوريا واليمن والسودان والجزائر وتونس وباقي البلاد العربية، وكذلك في العالم، وفي بلاد اللجوء والغربة أيضاً، هذه التي يعيش فيها بعضنا، قسراً أو اختياراً.
بما أننا نعيش هذه الأيام الذكرى الأولى للثورة السودانية، فإن أولى المشاهد التي منحتني الأمل خلال هذا العام، هي الشابة السودانية، آلاء صلاح، عندما اعتلت منصة في اعتصام شعبي وغنّت ضد نظام عمر البشير، وقالت: "نحن سقينا النيل، بدمنا الفاير... حبوبتي (أي جدتي) كنداكة"، والمقصود بالأغنية هو الحديث عن الجدات، عن المرأة السودانية ودورها في النضالات، وعن ما أورثنه للأجيال التي جاءت بعدهن. وقد أصبحت آلاء بمثابة أيقونة للثورة السودانية.
لم يقتصر حضور السودانيات في ثورتهن على آلاء، بل حضرن في الفضاءات العامة، رفعهن أصواتهن عبر منابر متنوعة، في البلاد وخارجها، وهذا لا يختلف عما فعلنه العراقيات واللبنانيات مؤخراً في ثوراتهن، وبالتأكيد الجزائريات خلال موجة الثورات الأخيرة.
في الحديث عن العراق، ومن القصص التي أثّرت بي هي لنساء قد تحايلن على عائلاتهن من أجل الخروج والمشاركة في المظاهرات، على الرغم من رفض عائلاتهن لذلك، لأسباب عديدة منها الخوف الشرعي على بناتهن.
مع مرور الأيام، صرنا نراهن في المقدمة، يشتركن بشكل فعّال إلى جانب المتظاهرين، مع الإدراك الكامل لكيف يمكن أن تستغل الأنظمة القمعية حضورهن والتحريض عليهن، في مجتمعات تسيطر عليها العقليات الذكورية… لكن العراقيات، وجدن الطريق دوماً.
في لبنان، أريد التحدث عن الناشطة النسوية اللبنانية نادين جوني، والتي تستحق أن تُذكر كلما أردنا الحديث عن قوة النساء عامّة، واللبنانيات خاصّة، وعلى الرغم من أن الحياة قد ظلمتها بقدر ما ظلمتها المحاكم الجعفرية في لبنان.
عاشت نادين لسنوات عديدة تناضل من أجل استعادة حضانة ابنها، بعد أن خسرتها عندما كان طفلاً صغيراً بعد طلاقها، وبسبب مأساتها الشخصية، عملت نادين من أجل أمهات عديدة لحق بهن الظلم نفسه. إلا أن نادين رحلت عن هذا العالم بحادث طرق مأساوي، قصّتها أوجعت قلوب كثيرة، قريبة وبعيدة عنها، لأنها جسّدت غياب العدالة الممنهج، لكن بنفس الوقت، بقيت نادين إلهاماً لنساء كثيرات في لبنان وبلادنا، وكانت حاضرة في أصوات النساء الثائرات في لبنان، اللاتي منحن الأمل أيضاً.
من العالم العربي، أريد أن أذهب إلى تشيلي، وإلى المبادرة التي قامت بها مجموعة من النساء في تشيلي، في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي يوافق في الخامس والعشرين من نوفمبر لكل عام، حيث وقف عدد كبير من النساء يعصبن عيونهن، وقمن بأداء أغنية كُتبت خصيصاً لهذا اليوم بعنوان "المغتصب هو أنت" باللغة الإسبانية، والتي تصب بتحميل المسؤولية إلى كل من يصمت عن اغتصاب النساء وانتهاك حقوقهن، من منظومة سياسية ومجتمعية، كما تؤكد على أن لا من مسؤولية تقع على النساء اللاتي يتعرضن إلى كل هذه البشاعة، امتداداً أساساً لرفض كل ما يتعلق بلوم الضحية.
بعد تشيلي، تم تكرار نفس المبادرة في عدد من مدن العالم، ومنها أيضاً في تونس، حيث قامت مؤخراً مجموعة من النساء التونسيات بأداء الأغنية ذاتها أمام مقر الحكومة، والتي حملت نفس المعاني، مما يمكن اعتبار هذه الأغنية اليوم بمثابة نشيد النساء المناهض لكل أشكال العنف الممارس عليهن في كل مكان، من قبل منظومات سياسية واجتماعية.
في حديثي عن التحرّش والاعتداءات الجنسية، فمن الأحداث التي منحت لي أملاً أيضاً، هي فكرة استغلال منصات التواصل الاجتماعي من قبل مبادرات نسوية كقاعدة لها، لنشر مشاريع وحملات، مثل الحملة التونسية "أنا زادة" (أنا أيضاً)، والتي تحدثت من خلالها نساء تونسيات عن تحرّش واعتداءات تعرضنَ لها، أو مثل حملة "السوار - حركة نسوية عربية" في فلسطين، التي تضمنت نشر 16 شهادة لنساء تم التحرّش بهن، كإحدى خطوات إسقاط ثقافة التحرّش وكثورة على الخوف.
حملات عديدة قامت بها نساء في المنطقة العربية حول قضايا التحرّش، تصب في الحديث عنها وكسر العيب والتابوهات من حولها، وإخراج الضحايا من دوائر الاتهامات الاجتماعية بقضايا هن انتهكن فيها!
ما يعطي الأمل هُنا، هو جرأة وقوة النساء بأن يتحدثن عن أصعب ما مررن به، حيث كل منهن بالضرورة كانت قدوة لنساء أخريات، وخلق لمساحات أمان أيضاً.
في حديثي عن النساء القدوة، وفي حديثي أيضاً عن قصص ومبادرات لنساء أثّرت بنا هذا العام، لا بدّ من أن أذكر النساء اللاتي قُتلن أو اعتقلن لأنهن طالبن أو دافعن عن حقوقهن الإنسانية وحقوق نساء أخريات. ليس بالضرورة في الحديث عن المطالبة بالحقوق، أن يكون الحديث هنا عن قضايا كبيرة، بإمكانها أيضاً أن تكون عن حقي كامرأة باختيار من أكون، ما أرتدي ومن أحبّ، أو أن أسوق سيارة… الرحمة والنور للفتيات وللنساء اللاتي قُتلن، والحرية والعدالة للنساء المعتقلات لأنهن طالبنَ بالعدالة للإنسان.
ليتني أذكر كل القصص والشخصيات التي منحتني أملاً خلال العام 2019. وهذه عيّنة منها فقط، لا تخلو من الألم أيضاً. لكننا، "محكومون بالأمل"، ومحكومات كنساء أيضاً… ليس لأن الأمل مقدس، بل لأن الأمل بإمكانه أن يكون عملياً ويحقق إنجازات، حتى لو كانت صغيرة… والأمل الذي نلمسه بقوة النساء، هو الطريق الذي نراه نحو مستقبل فيه عدالة أكثر.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.