رشا حلوة: حظر النقاب بتونس - الأمن لا يتحقق على حساب الحريات
١٢ يوليو ٢٠١٩صرّح رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، مؤخرًا بحظر ارتداء النساء للنقاب في المكاتب والمؤسسات الحكومية العامّة، وقد صدرذلك في بيان حكومي ينص على "منع من يغطون وجوههم من الدخول إلى الهيئات والمؤسسات العامّة لأسباب أمنية". أثار التصريح جدلًا واسعًا في تونس، في منصات عديدة، حيث تمحور الجدل بين مؤيد لهذا الحظر، "للضرورات الأمنية"، وبين من انتقده لأنه يمسّ بالحريات الفردية والدينية أيضًا.
بداية، من الجدير بالذكر أن حظر ارتداء "الزي الطائفي" - في إشارة للحجاب والنقاب - في المؤسسات التابعة للدولة من مدارس وجامعات ومستشفيات وإدارات عامة، كان قد سُن ضمن منشور في عهد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبه عام 1981 باسم "المنشور 108"، وكانت قد ألغت تونس هذا المنشور إثر الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي سنة 2011، وكان من بين المطالبين بإلغاء المنشور متظاهرون أمام مقر وزارة الداخلية في العاصمة تونس، قد رفعوا شعار السماح بارتداء الحجاب في المؤسسات العامة، باعتباره"شرع الله". لكن وزارة التعليم التونسية أصدرت سنة 2015 حظرا رسميا لارتداء النقاب بكافة المؤسسات التعليمية.
وبالعودة إلى قرار رئيس الحكومة الحالي، والذي جاء بعد التفجير الذي شهدته العاصمة تونس، في 27 حزيران/ يونيو الماضي، وأدى إلى مقتل شخصين وإصابة سبعة. حيث نقلت وكالات أنباء عن شهود عيان، بأن منفذ الهجوم كان متخفٍ في نقاب، إلا أن الشرطة التونسية قد نفت هذا الخبر. لكن، من جديد، يعود استخدام المرأة وجسدها، كـ "شمّاعة" تُعلق عليها مصائب العالم كلّه. وحول هذا، أكتب مقالي.
الحجاب، ومثله النقاب، هما محطّ جدل مستمر، مرتبط بالدين من جهة وسؤال الفرض والسنة، وكذلك بواقع المرأة العربية والمسلمة من جهة أخرى، في مجتمعات أبوية تُواصل سيطرتها والحفاظ على نفوذها من خلال السيطرة على النساء وقمعهن… كما تشكّل أجساد النساء مساحة لمواصلة حروب الرجال هذه.
إن مسألة الحجاب والنقاب، هي بشكل ما جزء من هذه المعركة. لكن هذا لا ينفي حقّ النساء بارتداء الحجاب والنقاب أيضًا في سياق الحريات الفردية، الدينية والعقائدية، مع الوعي للموروث الديني وما يبلوره عند بعض النساء حول أنفسهن وأجسادهن وحرياتهن. لكن هذا لا يعني عدم الدفاع عن حق النساء بأن يرتدين الحجاب والنقاب، لأن في هذا السياق، المطالبة بخلع الحجاب يشبه تمامًا فرضه.
وفيما يتعلق بتونس، والحالة الأمنية، بالتأكيد من الضروري على الجهات الحكومية إيجاد حلول لحماية المواطنين/ات، لكن لماذا تأتي هكذا حلول على حساب المرأة، جسدها وحرياتها؟ لماذا يجب أن تكون مسؤولية حماية المواطنين من قبل الدولة منوطة بفرض قوانين على نساء، أجسادهن ومشاعرهن، تتجسّد الآن في فرض خلع النقاب في بعض الأماكن؟ لماذا عندما ترغب هذه السلطات بأن تفكر بمصلحة البلد، لا يخطر ببالها للحظة، مصلحة النساء؟ كأنهن من جديد، كائنات غير مرئية.
في حديث مع الصحفية والناشطة التونسية، هندة الشناوي، حول القضية، قالت: "من منظور نسوي، أنا مقتنعة أن على الدولة دائمًا إيجاد الحلول لحماية المواطنين والمواطنات دون المسّ بحرياتهم/ن الفردية. طبعًا رأيي هذا يُقابل بازدراء كبير، لأن نسبة كبيرة من المجتمع ومن النخبة تعتبر المنقبات كأنهن كائنات هولامية غير جديرة بالحرية، كونهن متدينات وبالتالي معاديات للحريات الفردية، حسب تعبير البعض. بالنهاية، أنا أنتظر ردود على الأسئلة التالية: ماذا ستشعر المنقبة أو طفلها أو ابنتها لو يومًا ما ذهبت إلى مستشفى عمومي لطلب الدواء لرضيعها أو لمسّن من العائلة، وتم منعها من الدخول!؟ بنفس الوقت، هل منع النقاب بالمؤسسات العمومية سيقنع فتيات سلفيات بالتنحي عنه؟".
وامتدادًا لفكرة هندة، التي أشاركها الرأي تمامًا، هو السؤال: هل يمكن إنقاذ الناس، أي المواطنين في هذا السياق، من خلال قمع فئة منهن، أي المنقبات؟ سواء اقتنع البعض أن النقاب هو خيار النساء أو فُرض عليهن من قبل ممثلين عن سلطات أبوية رجعية، إلّا أنني أعتقد أن التاريخ وتجاربه المتكررة، أجابت مرارًا، أنه لا يمكن حلّ قضية قمع (أيًا كانت) من خلال قمع آخر.
وبالعودة إلى النساء وأجسادهن، وهو السؤال الذي يشغلني هنا، والذي يذكرني أيضًا بانتهاكات عديدة مارستها السلطات السياسية على النساء للحدّ من حراك لتغيير واقع سياسي يسوده القمع، في مصر على سبيل المثال وكذلك الواقع المستمر في السودان هذه الأيام، وغيرها من القصص التاريخية التي استخدمت فيها السلطات السياسية والأمنية أجساد النساء لمواصلة القمع السياسي، وهذا الأداء القمعي لا يختلف عن أداء سلطة العائلة الأبوية ضد النساء في بيوتها.
في حديث مع الصحفية التونسية، ريم بن رجب، والمتخصصة في قضايا الجندر والجنسانية، قالت: "المنع عموماً يخصّ النساء ويحاول حصر أجسادهنّ لأنّنا نرى الرجال في الإدارات يرتدون البناطيل القصيرة والشحاطات وهو لباس "غير لائق" في نظري. ثانيًا بالنسبة إلى الرهانات الأمنية واستعمال النقاب من قبل الإرهابيّين للتخفيّ والمواربة فأقول بأنّ النقاش في هذه المسألة مفتوح منذ سنوات ولم يُحسم بعد لأنّنا نتأرجح بين الحريّة الفردية، واللباس أحد تمظهراتها، وبين الضرورة الأمنية، وفي رأيي لا يُمكن بأي شكل من الأشكال التضييق على الحريّات الفرديّة بتعلّة الحفاظ على الأمن العام. الدولة التي تريد السيطرة على أجساد أفرادها بقوانين جزائية تجرّم حرياتهم الفردية هي نفس الدولة التي قررت منع النقاب في المؤسسات العمومية، فدوافعها ليست تحرّرية لأنّ الدولة في عمقها محافظة".
كلنا نريد أن نعيش بأمان، ومن مسؤوليات الدول أن توفّر الأمن والأمان لمواطنيها. هذا الأمن والأمان، أيًا كان، لا يأتي على حساب الحريات الفردية للبشر، والنساء منهم... تلك المتجسّدة بالهوية الجنسية وأخرى بحق النساء باختيار ملابسه، وأيضًا بحق النساء أن يرتدين النقاب.. وغيرها. ومن حقنا، أن تتركنا العقليات الذكورية وحروبها وشأننا لنعيش، هكذا نعيش كلنا بأمان.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.