رحيل المهدي.. خسارة السودان لقائد توافقي و"الأمة" بمفترق طرق
٢٧ نوفمبر ٢٠٢٠يعدّ الراحل الصادق المهدي من أكثر الشخصيات السياسية شهرة في التاريخ الحديث للسودان، وبوفاته متأثرا بفيروس كورونا المستجد، تفقد السودان اسما بارزا كان مرشحا فوق العادة لمنصب رئاسة البلد، وكان مشاركاً في أحداث مفصلية بالبلاد، منذ قيادته الجبهة القومية المتحدة عام 1961، إلى غاية عودته للبلد عام 2018 بعد عام في المنفى، لكنها لم تكن المرة الأولى التي نفي فيها أو تعرّض فيها للتضييق.
يختزل مسار الصادق المهدي جلّ تاريخ السودان من الستينيات إلى الآن، فقد تمّ انتخابه رئيسا لحزب الأمة القومي، وهو حزب إسلامي معتدل عام 1964 بعد حوالي ثلاث سنوات من الجمر مع العسكري إبراهيم عبود، ووصل المهدي إلى منصب رئيس الوزراء عام 1966، لكن مرة أخرى جاء الانقلاب العسكري لجعفر النميري ليتم اعتقال المهدي وينفى لاحقا إلى القاهرة، قبل أن يعود المهدي بعد سنوات طويلة إلى منصب رئيس الوزراء بعد إسقاط حكم النميري.
وكما ساعده انقلاب عسكري بزعامة سوار الذهب للعودة إلى منصبه، جاء انقلاب عسكري جديد بزعامة عمر البشير ليطيح به مرة أخرى. وهذه المرة على يد عمر البشير، الذي استمر حاكما للسودان حتى إسقاطه في أبريل 2019 بانتفاضة شعبية بدأت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2018، وخلال هذه الفترة اتسمت علاقة البشير والصادق بكثير من التوتر، ما أدى إلى اعتقال هذا الأخير أكثر من مرة وبالتالي نفيه وبعد مرحلة من الاعتقالات ودخول البلاد ثم الخروج منها، عاد نهائيا عام 2018، في عز الانتفاضة ضد عمر البشير.
ويكتب الأكاديمي السوداني عبد الوهاب الأفندي أن أهم ما يحسب للراحل أنه "كان ديمقراطياً بالمزاج والفطرة والتوجه. ولعله السياسي السوداني الوحيد الذي التزم بالديمقراطية قولاً وعملاً طوال حياته السياسية". ويمضي الكاتب في مقال على "العربي الجديد"، أن المهدي، واسمه بالكامل الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، "أنشأ تحالفا في الستينيات كان الوحيد الذي شمل أحزابا من الجنوب والشمال، كما كان من ذوي الإنتاج المتدفق، وكانت له مساهمات كثيرة في محاولات تعزيز الديمقراطية في السودان والعالم العربي".
مستقبل السودان
كان الصادق المهدي من الشخصيات السودانية التي يعوّل عليها لقيادة التوافقات في السودان ما بعد البشير، وخصوصا مع ظهور مؤشرات صراع حاد على السلطة بين الأحزاب المدنية التي ساندت الثورة، خاصة قوى تحالف إعلان الحرية والتغيير، وبين تحالف الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية السودانية.
ويكتب كرار التهامي، الذي كان يشغل سابقا منصب الأمين العام لجهاز المغتربين، أن رحيل الصادق المهدي "يترك في الظرف الراهن فراغا خطيرا في المعادلة السياسية الماثلة، في وقت تتراجع فيه محاولات الوفاق وتتصادم المعادلات الفكرية ويصطخب الوسط السياسي بخطاب كراهية"، مضيفا في مقال نشره موقع النيلين السوداني أن "اتفاقيات السلام في البلد "طرية و في بداياتها لم تختبر، بيد أنها محملة بهواجس كثيرة و نقاط ضعف مفخخة".
ومنذ إسقاط عمر البشير، بقي الصادق المهدي يحثّ في كل مرة على ضرورة الإسراع في الانتقال إلى الحكم المدني وإنهاء المرحلة الانتقالية التي سيطر عليها الجيش بأسرع وقت، ومن أبرز مواقفه، ما عبرّ عنه في مقابلة مع رويترز من ضرورة دمج قوات الدعم السريع، التي يشرف عليها النافذ محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في صفوف القوات المسلحة.
من يخلفه داخل الحزب؟
ولم يتم الإعلان بعد عن اسم خليفة الصادق المهدي على رأس حزب الأمة، لكن وكالات أنباء أشارت إلى ابنته مريم، بما أنها كانت بارزة خلال السنوات الأخيرة في المفاوضات، فضلاً عن أنها تشغل منصب نائبة الرئيس، غير أنها تواجه عقلية محافظة داخل الحزب الإسلامي، وهناك من يدعم فكرة الخروج عن منطق الوراثة ودعم النائب الأول لرئيس الحزب فضل الله برمة ناصر.
ولم يترأس حزب الأمة منذ تأسيسه فرد خارج عائلة المهدي، بدءاً بوالده الصديق المهدي، ثم الصادق المهدي، ولا توجد مؤشرات على خروج قادة الحزب عن هذا العرف، كما توجد حظوظ لابنه الأكبر عبد الرحمن، لكنه يواجه معارضة كبيرة لأنه تبوأ سابقا منصب مساعد رئيس الجمهورية في عهد عمر البشير، فيما تشير تقارير إعلامية إلى حظوظ ابن آخر اسمه الصديق، لكنه شخصية مغمورة سياسيا ولا يعرف عنه الكثير.
وتنتظر خليفة الصادق المهدي مجموعة من التحديات على رأس الحزب، أولها طبيعة العلاقة مع ائتلاف قوى الحرية والتغيير، إذ سبق للحزب أن جمد عضويته في الائتلاف مطالبا بعقد مؤتمر تأسيسي جديد للائتلاف. وازدادت حدة الخلافات مع مطالبة حزب الأمة بـ 65 مقعدا من أصل 165 مخصصة للائتلاف في المجلس التشريعي، مبرّرا ذلك بأنه حصل على رقم أكبر في آخر انتخابات تشريعية بالبلاد.
كما كانت للصادق المهدي مواقف رافضة لعملية السلام بين السودان وإسرائيل، بعد اتفاق بداية التطبيع بين البلدين. ووصل به الأمر إلى حد الانسحاب من مؤتمر لوزارة الشؤون الدينية في الخرطوم احتجاجا على الاتفاق، كما هدد بسحب التأييد لمؤسسات الفترة الانتقالية إذا ما سارت قدما في تنفيذ اتفاق التطبيع.
غير أن هناك مؤشرات على أن الحزب قد يجعل موقفه أكثر مرونة في المرحلة القادمة، أولها أن شخصيات داخل الحزب عبّرت عن تحفظها على اتفاق السلام بشكل أقلّ حدة، وثانيها وأهمها أن البرلمان الذي من المفروض أن يصادق على اتفاقية السلام لم يشكل بعد، ما يتيح مساحة أكبر لإجراء مفاوضات داخلية بين القوى السودانية، خاصة أن قادة السودان يدركون أن رفع اسم بلدهم من قائمة الإرهاب لم يكن ليتم لولا موافقة مجلس السيادة السوداني.
إسماعيل عزام + وكالات