رحلة إلى العصور الوسطى عبر زقاق مدينة زيجبورج
الأيام التي تسبق عيد الميلاد تغير وجه مدينة زيجبورج تماماً، ويتحول وسط المدينة إلى مكان يشبه الأساطير، فتصبح الرحلة إلى قلب المدينة وكأنها رحلة عبر الزمن، تعود بالزائرين إلى العصور الوسطى: خيام تضيئها الشموع ومصابيح الكيروسين والنيران المشتعلة وفي الخلفية ترتفع قلعة قديمة تعبر عن عبق التاريخ، وبائعون يلبسون ملابسَ غريبة تشبه ما نراه في الأفلام التاريخية أو المتاحف، وحتى اللغة التي يستخدمونها لغة مختلفة عن لغة اليوم. أما اليورو، فهم لا يعرفوه بعد، فالتعاملات التجارية تتم عن طريق الـ "تالر" عملة ذلك الزمان. هذه هي بعض الأجواء البسيطة التي يشعر بها المتجول في هذا المكان السحري. وفي برد الشتاء القارص، عليه أن يلتف مع أصدقائه أو أفراد عائلته حول النار المشتعلة في وسط الميدان، أو أن يشرب النبيذ الساخن المحلى بالعسل المعروف بالـ"ميت"، والنبيذ الساخن المعروف بالـ"جلوفاين"، وعصير التفاح الساخن، حتى يشعر بالدفء.
بضائع وأشغال يدوية منسية
"أدوات خاصة تنفع أهل المدينة وأهل القرية، وتخفف عنهم مشقة العمل"، هكذا ينادي التجار القادمون من "البلاد البعيدة" على بضائعهم التقليدية المختلفة: السلال المصنوعة من الخوص والمعلقة على واجهات الخيام، إلى جانبها المكانس المصنوعة من القش، والفرش الخشبية، وأنواع البخور والعطور المختلفة، والشموع ومصابيح الكيروسين، والملابس الجلدية أو تلك المصنوعة من فرو الحيوانات، تماماً كما كانت تصنع في تلك العصور البعيدة. كل هذه الأدوات المنسية يمكن شراؤها خلال هذه الرحلة التاريخية. وتضيف رائحة البخور وأنواع التوابل المختلفة نوعا من الغموض والسحر لهذا المكان الذي فضل التخلي عن أي تطور تقني، ويعطي مكاناً أكبر للطبيعة والحياة البسيطة. وليست البضائع النادرة هذه هي وحدها التي تجعل من هذا السوق سوقاً مميزاً: إذ أن الزائر يستمتع برؤية الحرفيين وهم يعدون الهدايا المختلفة بمهارة وفن وبصبر يتطلبه استخدام الأدوات البدائية للقيام بالعمل. فهناك يمكن التجول في معرض مفتوح، حيث يعرض قاطعو الأحزمة والنحاتين وصانعي الحبال والحدادين وصائغي الذهب إبداعاتهم الجميلة.
فرصة للتلاقي
ولا تكتمل الاحتفالات دون المأكولات الشعبية المختلفة، التي تعد بالطريقة التقليدية أيضاً. فها هو الخبز المصنوع في أفران خشبية قديمة، وها هي أنواع اللحوم المختلفة المشوية التي تقدم على الأسياخ الخشبية. أما "الشبيتزلة"، تلك المعجنات الألمانية الشعبية، فهي تقدم في أطباق فخارية أو خشبية وتؤكل أيضاً بملاعق خشبية. ويجتمع الأهل والأصدقاء، يأكلون ويشربون معاً، ويستمتعون بهذا الجو الرائع، وبتلك الموسيقى التقليدية الصادرة من الفنانين المتجولين. بعض هؤلاء الزوار قد تأثروا تماماً بهذا الجو، حتى أنهم يرتدون أيضاً هذه الملابس التقليدية المختلفة، منهم شابة في العشرين من عمرها قالت لنا: "إنني أحب هذا الجو بشكل خاص، فأنا أحب سحر الماضي، خاصة تلك العصور الوسطى التي تشعرني بالغموض والمتعة". وهي ليست الوحيدة التي تحب هذا الجو، فالزحام الشديد، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع يؤكد على أن للتاريخ جاذبيته.
عروض مسرحية للأطفال والكبار
أصوات موسيقية مختلفة، موسيقى القِرب، والطبول تخيم على المكان. ويحاول السحرة لفت أنظار المارة بأعمالهم المختلفة، أما الحواة الذين يحركون شعل النيران بمهارة كبيرة، فهم يجذبون الجميع حولهم. وللواعظ دوره الهام، فقد كان المعلم الوحيد للشعب خلال العصور الوسطى. كذلك كانت المسرحية التي يقدمها الفنانون قبيل العيد الوسيلة الوحيدة آنذاك لتعريف الشعب الأمي بقصة الميلاد والقصص الدينية المختلفة. واليوم يستمتع الأطفال والكبار بمشاهدة تلك المسرحيات والعروض، التي أصبحت نوعاً من التراث. كذلك يستمتع الأطفال بشكل خاص بالراوي، فيجتمعون حوله، يستمعون إلى الروايات والأساطير التقليدية. كل هذه العروض بالإضافة إلى عروض العرائس تحول رحلات التسوق، التي عادة ما تصيب الأطفال بالملل، لتجعلها فسحة ممتعة. وتعد هذه الأسواق أيضاً فرصة لتلاميذ المدارس للتعرف على تلك العادات القديمة بشكل أكثر واقعية، وهو ما يشجع الكثير من المدارس لإقامة رحلات لتلك الأسواق. ولكن البهلوان لا يهتم بالأطفال فقط، بل يحاول إضحاك المارة جميعاً بألعابه المختلفة. كما يصطف الناس أمام خيمة العرافة، ليستمعوا إلى توقعاتها لمستقبلهم، كما كان أجدادهم يفعلون. وأهم ما يميز أسواق عيد الميلاد، هي تلك الحفلة التي تقيمها إحدى الفرق الخاصة، وهي عبارة عن حفلة موسيقية على طريقة الماضي البعيد، بالآلات القديمة والغناء بدون مكبرات للصوت، يجتمع فيها المئات مبهورين بهذه الأجواء الخاصة.