رجال إنقاذ 11 سبتمبر يعانون من أمراض نفسية وجسدية
٨ أغسطس ٢٠١١أصيب الكثيرون ممن قاموا بعمليات إسعاف وإنقاذ في أحداث انهيار برجي التجارة العالميين في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بمشكلات صحية كما يقول غلين كلاين: وهو أحد المسعفين الذين شاركوا في عمليات الإنقاذ في منطقة غراوند زيرو التي كان يقع فيها البرجان بمدينة نيويورك الأمريكية. ويقول كلاين: "جاء حينها المئات من المسعفين وأفراد الدفاع المدني من مختلف أنحاء البلاد لمساعدتنا. وقد مات منهم ألف وعشرة أشخاص حتى الآن 2011". والكثير منهم لا يعرفون لماذا أصيبوا بالأمراض.
البحث عن الأصدقاء دون جدوى
في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كان غلين كلاين خارج الخدمة، ولكنه عندما سمع عن وقوع الكارثة سجل نفسه على الفور في فرق العمل هناك ويتذكرالحادثة قائلاً: "سمعت أفراد الشرطة يصرخون عبر أجهزة الاتصالات اللاسلكية: ابتعدوا عن البرج لأن أجسام الناس تتساقط من الأعلى، الناس يقفزون من نوافذ المبنى إلى الأسفل"، ويتابع "حينها قلتُ لنفسي: يا إلهي! ما الذي يحدث؟ ماذا يجري بحق الجحيم؟".
ووصل غلين كلاين إلى منطقة غراوند زيرو قبل انهيار البرج الثاني. وعندما وصل عرف أن أربعة عشر من زملائه دُفنوا تحت الأنقاض. كان يعرفهم شخصياً، فقد قضى معهم سنوات عديدة في العمل، وكانت تربطهم علاقة حميمة، وكانوا معاً كأسرة واحدة كبيرة.
وكان جميع المفقودين من زملاء غلين في حالة بدنية جيدة تدربوا وتمرسوا كثيرا على عمليات إنقاذ البشر وإسعافهم عند حدوث حالات طارئة، وكان غلين يأمل في أن يجدهم تحت الأنقاض في منطقة غراوند زيرو حيث كان يقع البرجان: "كنت أعتقد أن بعضا من زملائنا الشباب قد يكونون على قيد الحياة"، لذا بدأ غلين وفريقه بالبحث والتفتيش تحت الأنقاض، لكنهم لم يجدوا إلا ضابطين اثنين من ضباط الشرطة على قيد الحياة، أما الآخرون فلم ينجُ منهم أحد. وجد غلين حذاءً فيه قدم شخص دون جسد، ويضيف "بعد ثمانية أو تسعة أيام من البحث أدركتُ أن عملية الإنقاذ انتهت".
زوجته تتبرع بكِليتها لأحد أصدقائه
غلين كلاين هو ضابط شرطة متقاعد وهو على استعداد للحديث عن حياته في السنوات العشر الماضية، لكن زوجته كارول ترفض الحديث إلى الصحفيين عما حدث، ولديها أسبابها كما يقول زوجها الذي تحدث بالنيابة عنها قائلاً: "عندما قررت زوجتي كارول التبرع بكليتها اتصلت بها جميع الشبكات الإخبارية رغبة منها في إجراء مقابلات صحفية معها"، ولذا فهي ترفض المقابلات الصحفية الآن.
كان اهتمام الصحافيين كبيرا جدا في الاستماع إليها لأن المتلقي لكِلـْيَتها لم يكن شخصا عاديا ويتابع كلاين: "لقد تبرَّعَتْ زوجتي بكليتها لصديقي وزميلي الذي كان مريضا بسبب عمله في أحداث الحادي عشر من سبتمبر في منطقة غراوند زيرو". كان كلاين وزميله يعملان في وحدة خاصة من شرطة نيويورك. وقد وصلا إلى منطقة غراوند زيرو قبل وقت قصير من انهيار البرج الثاني.
استنشاق الغبار السام
عمل غلين كلاين لمدة تسعة أشهر بعد انهيار البرجين، وهي الفترة التي كانت لازمة لإجلاء وتنظيف أنقاض البرجين من المنطقة. وبلغ عدد ساعات عمله حينها أكثر من 800 ساعة عمل. ولأنه كان ينتمي إلى قيادة العمليات الخاصة، تم تزويده في الحادي عشر من سبتمبرمن عام 2001 بقناع لوقايته من الغازات والغبار السام. كما تم تزويده وزملاءه بأجهزة تنفس ولكن غشاء تصفية الغبار السام لم يعمل بما يكفي لحماية رئاتهم.
ومرِضَ غلين كلاين ووأصيب بمشاكل صحية في المعدة والأمعاء ولا يزال يعاني من ذلك: "لقد عملنا في مناطق كان يُعتقد أنها لا تنطوي على مخاطر صحية على التنفس، ولكن الأمر لم يكن كذلك"، وهو مقتنع بأن الحكومة كذبت عليهم ويقول إن سبب ذلك هو أن:" الحكومة أرادت إعادة تشغيل منطقة غراوند زيرو بسرعة كي يتم استئناف العمل في سوق الأوراق المالية هناك وغيرها".
انخفاض اللياقة النفسية والبدنية
وأحيل غلين كلاين عام 2003 على التقاعد بعد عشرين سنة من الخدمة. كان في الماضي يجيد فن الكاراتيه ويمارس رياضة الجري لمسافات طويلة، لكن قوته البدنية والنفسية بدأت بالتراجع بعد أن أصبح يعاني من الربو وفتور العضلات. وأصبح يجادل زوجته بعدوانية بشكل غير معهود ويعاني من مشاكل شرب الكحول. وذهب في عام 2004 للعلاج النفسي بعد إصابته باضطرابات نفسية جراء ما عانى منه من صدمات نفسية وصحية. لم يفهم غلين سبب إصابته بصدمة نفسية فسأل الأخصائيين النفسانيين: "لماذا أصبت بذلك رغم أن عملي يتطلب مني التعامل مع الجرحى والقتلى وإنقاذهم وأنا متدرب على ذلك"، فأجابوه بأن ما حدث كان أمراً شخصيا بعد أن عرفوا أن: "أربعة عشر صديقا من زملائي قتلوا تحت الأنقاض، وكأن شخصا ما اقتحم عليّ بيتي وقتل أفراد أسرتي"، كما قال.
ورغم تحسن حالته الصحية لا يزال غلين يعاني من حالة اكتئاب عميقة تعرف طبيا باسم PTSD. ولم تعد حالته الصحية كما كانت في الماضي. ورغم ذلك فهو يخرج أحيانا للعدو أو لممارسة الكاراتيه، وتساعده في ذلك منظمة تطوعية اسمها FealGood تعتـني بمرضى مثل غلين بل وبآخرين بلغت حالتهم حرجة أكثر بكثير من حالة غلين، وتقوم أيضاً بدعم التكاليف الطبية وإجراء فحوص إضافية لمرضى لا يملكون المال لذلك وممن ليس باستطاعتهم دفع رسوم شركات التأمين.
لا تزال الذكرى حية
لا يستطيع غلين كلاين نسيان يوم 11 سبتمبر/أيلول، ويساوره خوف من أن يصاب بمرض السرطان. وتوقظ الذكرى العاشرة لهذه الحادثة تلك المعاناة في ذاكرته ويقول:"لو كنت أعيش على جزيرة معزولة وليس لدي تلفزيون ولا جرائد ولو كنتُ محاطا بأشخاص لا يذكرونني بتلك الأحداث، ربما كانت صحتي قد تحسنت" ويتابع:" منذ ذلك الحين وأحداث 11 سبتمبر لم تفارق مخيلتي". لكن هناك خبراً ساراً له وهو أن صديقه الذي تبرعت له زوجته كارول بإحدى كِليتيها تعافى: "صديقي، واسمه جو، يعيش الآن حياةً طبيعية، وهو يصطحب أطفاله أحيانا إلى مدينة الألعاب في ديزني لاند ويستمتع بقضاء إجازته معهم وهو ليس بحاجة إلى جهاز غسيل الكِلى". يقول غلين ذلك وهو يبتسم. والابتسامة لا تعلو شفتيه عادةً عندما يتحدث عن مهمته الإنقاذية في غراوند زيرو في الحادي عشر من سبتمبر.
كريستينا بيرغمان / علي المخلافي
مراجعة: عارف جابو