التطرف يهدد ربيع تونس القلق
٢٠ مارس ٢٠١٥حذرت وزارة الخارجية الألمانية رعايا بلدها منذ أسابيع من هجمات محتملة في تونس. ويبدو أنّ استقرار الأوضاع الأمنية في تونس مقارنة بجارتيها ليبيا والجزائر لا يناسب خطط أتباع تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا بـ"داعش".
ومن خلال بيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، تبنى تنظيم "داعش" مسئولية الهجوم الذي استهدف متحف باردو في وسط العاصمة تونس ، والذي أسفر عن مصرع أكثر من 20 سائحا وأحد رجال الشرطة التونسية، وما زالت أعداد الضحايا في تصاعد بعد وفاة سائح بولندي ثالث يوم الجمعة ( 20 آذار/ مارس 2015) حسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.
هذا ليس الهجوم الإرهابي الأول في تونس منذ قيام ما كان قد عُرف ب " الربيع العربي" ولكنه الأشد ضراوة من حيث عدد القتلى، بينما يعد مقتل السائحين ضربة في الصميم للديمقراطية الفتية في هذا البلد.
أضرار اقتصادية
"يشكل السائحون هدفا مثاليا ( للإرهابيين)" كما تقول أيزابيل فيرينفلز من معهد الأمن و العلوم السياسية في لقاء مع برنامج تاغيس شاو للقناة الثانية الألمانية ، وتضيف" التعرض للسائحين بهجوم ينجم عنه خسائر أكبر من التعرض لقوات الأمن". وسبب ذلك كون السياحة تشكل أحد أهم أركان الاقتصاد التونسي. فالسياحة قبل عام 2011 كانت أحد أهم مصادر الدخل بالنسبة لقطاع واسع من الشعب.
ولكن الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي والاضطرابات الأمنية التي تبعتها قضت على تدفق السياح لتونس، وبالتالي فقد تفاقم تدهور الأوضاع الاقتصادية التي كانت سببا في قيام ما دُعي "بالربيع العربي" ودفعت ألاف التونسيين للتظاهر.
الانتخابات الديمقراطية الأولى منذ 50 عاما والتي تلت الثورة لم تُغير شيئا، فالصراع على السلطة بين الأحزاب الإسلامية وبين أزلام النظام السابق وبين التيارات العلمانية المعارضة أستمر عدة شهور كانت العملية السياسية خلالها مهددة بالفشل خصوصا بعد عمليات الاغتيال التي استهدفت السياسيين شكري بلعيد ومحمد برهامي عام 2013، وقتها تظاهر مجددا آلاف التونسيين ضد سياسات الحكومة الانتقالية.
الطريق إلى الديمقراطية
بخلاف الجمهوريات العربية الأخرى التي اتخذت الثورات فيها مسارا مختلفا، بقيت تونس تسير بخطوات ثابتة نحو الديمقراطية. فإقرار الدستور في بداية عام 2014، الذي تبعه انتخابات رئاسية وبرلمانية خرج منها حزب "نداء تونس" منتصراً ، كل ذلك توّج المرحلة الانتقالية للديمقراطية .
الائتلاف الذي نتج لاحقا بين حزب"النهضة" وحزب "نداء تونس" دليل آخر على قوة الديمقراطية التونسية، حيث أن الأحزاب المنبثقة من جماعة الإخوان المسلمين وجدت مكانا لها في الطيف السياسي وتم قبولها كقوة سياسية مشروعة.
ولكن الأزمات والحروب الدائرة في البلدان العربية المجاورة تنعكس على الأوضاع في تونس، فمنذ سقوط معمر القذافي ، تطور الوضع في ليبيا إلى حرب أهلية مستمرة ، ونشب قتال مرير بين أعداد كبيرة من الميليشيات تتنافس على السلطة مستخدمة الأسلحة الباقية في مخازن القذافي. وتستغل الجماعات الإرهابية غياب القانون في ليبيا لتنفيذ عمليات إرهابية في عموم شمال إفريقيا.
قلق من الهجمات الإرهابية
أعلنت الحكومة التونسية التي يرأسها الباجي قايد السبسي أنّ الحالة الأمنية في البلد تأتي على رأس قائمة الأولويات، بينما قامت وزارة الداخلية بعدة حملات أمنية في شهر شباط/فبراير المنصرم كانت حصيلتها القبض على أكثر من 30 شخصا يشتبه في انتمائهم لجماعات إرهابية.
التونسيون الذين تطوعوا للقتال في صفوف "داعش" يسببون قلقا بالغا لبقية الشعب.
يقول رالف أيربل من مؤسسة فريدريش ناومن "تعداد السكان في تونس يبلغ 11 مليون، ولكن خرجت من هذا الشعب أكبر مجموعة من المقاتلين يبلغ عديدها نحو 3000 إرهابيا وانضمت للقتال مع داعش في العراق وسوريا".
في هذه الأثناء نجح تنظيم "داعش" في تعزيز وجوده في ليبيا، واستطاع جناح التنظيم في ليبيا استقطاب كثير من التونسيين خصوصا في المرتفعات القريبة من حدود تونس الجنوبية مع ليبيا.
ضربة قاصمة للسياحة والاستثمار
رغم كل ذلك عاد تدفق السائحين إلى تونس مرة أخرى منذ عام 2013 وعادت معه بوادر الانتعاش الاقتصادي، وهو تطور وجه الهجوم الأخير ضربات مباشرة له ، فقد قامت شركتان سياحيتان إيطاليتان بإلغاء رحلاتهما البحرية المنتظرة إلى تونس، وقامت شركات سياحية ألمانية باتخاذ إجراءات مشابهة.
الاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها تونس بشكل ملح، تراجعت وتحجم عن القدوم إلى البلد في ضوء التهديد الإرهابي القائم، وهذا يمثل تطورا تتحكم بخيوطه الجماعات الإرهابية في تونس اليوم.