ربيع الثورة وخريف المرأة- حسابات الحقل وحصاد البيدر
٢٤ أكتوبر ٢٠١٢لا يتساءل المرء في الخارج فقط، بل وفي مصر أيضاً، حول كون المصريات رابحات أم خاسرات في الثورة. وبينما كانت النساء بارزات في ميدان التحرير وخلال الثورة، أين هن الآن؟ ألاحظ أن الكثير من الألمان يعتبر التطورات في مصر سلبية، وبهذا هم أكثر تشاؤماً من غالبية المصريات والمصريين. لكن نظرة التفاؤل التي تميز الشعب المصري لا يجب أن تحجب الواقع، وهو أن توقعات غالبية الناشطات النسائيات بالنسبة للثورة كانت بالفعل أكبر.
وكأستاذة ألمانية-مصرية للعلوم السياسية وناشطة، أعتقد أن الإجابة على سؤال "انتصار المرأة" في الثورة هي نعم ولا في نفس الوقت. فمن أي ناحية نتناول "مسألة المرأة"؟ هل ننظر إلى ذلك على مستوى الحكومة أو الدولة أو المجتمع المدني، أم أننا نتحدث عن تغير عام للقيم؟
وجهة نظر
يجب علينا أن نحدد النساء اللواتي نتحدث عنهن بدقة، ويجب أن نعي أنه لا توجد هوية نسائية مصرية موحدة، فالجنس يجب أن يرتبط دائماً بالطبقة الاجتماعية والمنشأ. لذلك يوجد فرق في المصالح بين النساء والرجال. هذه حكمة واضحة، إلا أنها لا تحظى باهتمام كبير في سياق الربيع العربي.
علم السياسة يبحث في السياسة من الأعلى، بمعنى أنه يركز على الدول ويحلل الدساتير وقوانين الانتخاب ويحصي عدد النساء في البرلمان أو في المناصب القيادية. ومن هذا المنظور تبدو الإجابة واضحة، فالمصريات هن الخاسرات في الثورة، إذ تبلغ نسبة النساء في البرلمان اثنين بالمائة، ولا توجد أي نساء تقريباً في لجنة صياغة الدستور. كما أن القانون الذي أقرّ في عهد مبارك، والذي أفرد للمرأة نسبة 12 بالمائة من مقاعد البرلمان، ألغي من قبل المجلس العسكري في يوليو سنة 2011. وفي البرلمان المصري المنتخب لا تجلس سوى 12 امرأة.
لكن عندما نفحص "السياسة من أسفل" من منظور أبحاث التحول، سنستخلص أن النساء هن الرابحات في الثورة، من ناحية الحركة الاجتماعية والتحول في القيم، إضافة إلى العلاقة بين الجنسين وبين الأجيال أيضاً.
ثورة القيم
عندما قام النظام والمحافظون بشتم النساء المصريات ووصفهن بأنهن عاهرات، أجبن بكل هدوء: "نعم نحن عاهرات"، وقمن بالتظاهر مجدداً. كما أن مبيت النساء في ميدان التحرير شكل لحظة تاريخية. وحتى الآن يظهر بعض هؤلاء النساء على شاشات القنوات الفضائية ويتحدثن إلى الملايين من العرب حول إهانتهن والاعتداء عليهن والتحرش بهن جنسياً من قبل عناصر الشرطة، ويستخدمن بكل ثقة نفس جملاً كانت في السابق من المحرمات، مثل "لقد لمس مهبلي" أو "هدد باغتصابي". هذه ثورة في حد ذاتها.
إذ في السابق كان السائد في مصر، كما في العديد من الدول العربية، أن المرأة هي المذنبة إذا ما تم التحرش بها أو مغازلتها. كما أن ضحايا الاغتصاب كنّ يجبرن على الزواج القسري. أما الآن فإن عدداً متزايداً من الآباء والأمهات يقف إلى جانب بناتهن ويرفع دعاوى قضائية ضد المغتصبين، ما دفع الجيش المصري للاعتذار. لقد ازداد وعي المجتمع بحقوق النساء، ورغم أن النساء يظهرن كضحايا، إلا أنهن الآن ضحايا مرفوعات الرأس.
تباين في المطالب
السؤال بطبيعة الحال هو ما إذا كان مناصرو الثورة المضادة سيدمرون هذا النفوذ ومساحة الحرية التي حصلت عليها النساء مؤخراً. إجابتي على هذا السؤال هي بسؤال: عن أي النساء نتحدث؟ النساء اللواتي ينتمين إلى الطبقة المتوسطة مهتمات بشكل أكبر بحقوق الإنسان الفردية، ومطالبهن تنصب على الحرية الشخصية. فهن يطالبن بحق تقرير حريتهن الجنسية، ويرفضن بشكل قاطع أي قوانين تفرض عليهن زياً معيناً. كما أنهن يطالبن بحرية الفن والصحافة. لكن هذه المطالب لا تلقى أي آذان صاغية.
أما النساء اللواتي يعشن تحت خط الفقر، واللواتي يشكلن نحو 40 بالمائة من الشعب المصري، فلديهن احتياجات أخرى، إذ إن اهتماماتهن منصبة على الحقوق الاقتصادية. وبكل بساطة، إنهن يردن مياهاً صالحة للشرب وكهرباء ورعاية صحية وتأمين أوضاع عملهن غير المستقرة. حرية الفن ليست أولوية بالنسبة لهن، لأن عالم الفن بعيد عنهن كل البعد. كما لا يجب أن ننسى أن كثيراً من النساء انتخب الإسلاميين ويقف الآن على الجانب الرابح. أما النساء القلائل اللواتي يجلسن في البرلمان فإن أغلبيتهن محافظات دينياً، ويعارضن بكل ما أوتين من قوة أي تثبيت حقوق المرأة.
كما أن عضوات البرلمان عن جماعة الإخوان المسلمين يسعين إلى إلغاء المصادقة على معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة التمييز ضد النساء، رغم أن مصر تعتبر من أولى الدول التي صادقت على هذه المعاهدة. إلى جانب ذلك، فإن الحركة النسائية المصرية تعتبر من الأقدم والأقوى في العالم العربي. لكن أجندة هذه الحركة النسائية تتضمن مجتمعاً مصرياً علمانياً.
أمل في المستقبل
هناك ما يكفي من النساء المتعلمات والمصممات لملء المناصب السياسية. ورغم أن النساء اللواتي ينتمين إلى التيارات الاشتراكية واليسارية والليبرالية والعلمانية، كزملائهن من الرجال، خسرن الجولة الأولى في مصر، إلا أنهن قد يصبحن الفائزات بعد أربع سنوات.
ومن أجل ذلك، يجب على تلك النساء إقامة تحالفات سياسية، إلا أنه ولحد الآن لا يزال المعسكر غير المحافظ يعاني من الصراعات والانقسامات. علاوة على ذلك، ينبغي على الناشطات النسائيات التحرك بشكل أقوى، إذ ليس من المنطقي الانتظار لحين دعوتهن إلى لجنة صياغة الدستور، بل يجب عليهن فتح هذا الباب بأنفسهن.
هدى صلاح
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
تعمل الألمانية-المصرية هدى صلاح أستاذة للعلوم السياسية في جامعة برلين الحرة ومعهد أوتو زور في برلين. كما أنها تعمل في مصر وألمانيا كمستشارة سياسية حرة. إضافة إلى ذلك فإنها ناشطة في كل من منظمة العفو الدولية وجمعية التضامن النسائي العربية، وتعيش بين برلين والقاهرة.