رايات بيضاء و"زغاريد" في استقبال القوات العراقية بالموصل
٢٧ نوفمبر ٢٠١٦في شوارع حي الشقق الخضراء شرق الموصل، الذي طرد منه مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أمس السبت، تخرج النساء من المنازل ويطلقن "الزغاريد" ترحيباً بالقوات العراقية، فيما يتنقل آخرون حاملين رايات بيضاء مماثلة لتلك المرفوعة فوق البيوت.
في الحي نفسه، يفتح الحاج السبعيني ابو محمود أبواب متجره الصغير قائلاً لوكالة فرانس برس: "فتحنا المحل لأن الجيش وصل وانتهينا، استقبلناهم بالزغاريد والورود، ورفعنا لهم الأعلام البيضاء لنؤكد أننا مسالمون".
يقاطعه المقدم في قوات مكافحة الإرهاب ثائر الكناني بالقول: "طلبنا منهم رفع الأعلام البيضاء، ولكن رغم ذلك دخل عليهم مقاتلو داعش واستخدموا منازلهم وجوامعهم". لا يأبه أبو محمود، كغيره من سكان الحي، بإطلاق النار المتقطع وأصوات الانفجارات التي تهز المنطقة بين حين وآخر، مؤكداً: "لن ننزح من هنا، الوضع بات آمناً".
أما في شارع مجاور، ينظف مواطنون منازلهم ويلوح آخرون للقوات الأمنية المارة قربهم. ويركض الأطفال خلف السيارات العسكرية رافعين شارات النصر فور رؤيتهم جندياً بلباس عسكري أو صحافياً يحمل كاميرا. وبين المارة، تحمل امرأة كيساً بيد وفي الأخرى راية بيضاء تلوح بها. وداخل أحد المنازل المكتظة، تتجمع النسوة في غرفة واحدة. تقول ريما العشرينية: "البارحة عند الساعة الواحدة ظهراً، تخلصنا منهم وتحررنا. أخيراً أريد أن أكمل دراستي الجامعية".
تقاطعها والدتها أم أحمد حمداني بالقول: "هذا ليس منزلنا، نحن سبع عائلات في البيت نفسه، بعدما دخل علينا مقاتلو داعش البارحة وطردونا من البناية المجاورة التي نسكن فيها". وتتابع: "دفنا موتانا في الحدائق. أمس الأول دفنا ثلاثة، وأمس اثنين".
دخان أسود
وقرب المنزل، تتصاعد أعمدة دخان أسود تغطي ملامح مجموعة من السكان الذين يتنقلون حاملين حاجياتهم ورايات بيضاء. ومع اشتداد المعارك قبل يومين، رفعت أم أكرم جوادية (54 عاماً) راية بيضاء فوق منزلها.
وتعرب هذه المرأة عن خشيتها على أبنائها الأربعة الذين طلبتهم القوات الأمنية للتحقيق، بعدما عانوا لأكثر من عامين من التعذيب على يد تنظيم "داعش"، حسب قولها. وتضيف: "قبل أن يأتي داعش، كان ابني منتسباً في الجيش. لم نغادر وكانوا يأتون يومياً تقريباً للتحقيق مع أولادي الأربعة، وبت أخاف عليهم كثيراً"، مضيفة "الجيش يحقق معهم، ولا أستطيع سوى أن أقلق عليهم".
و ترى أم أكرم اثنين من أبناء جيرانها عائدين بعد التحقيق، فتبكي أملاً بعودة أبنائها أيضاً. تركض مسرعة مع نساء عائلتها لتفتح أبواب منزلها، وتبدأ بإطلاق الزغاريد أثناء مرور موكب قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبد الغني الأسدي في المنطقة. وتتعالى أصوات الترحيب، فتبدأ النساء بالتهليل "الله ينصركم، الله ينهيهم، يا هلا يا هلا بالعراق".
ويقول الأسدي لوكالة فرانس برس: "حقق هؤلاء السكان النصر نفسه الذي حققناه نحن، فقد وفروا لنا المعلومات وساعدونا، كما التزموا بالتعليمات التي أعطيناها لهم".
التطهير من عناصر "داعش"
بعيد السيطرة على حي الشقق الخضراء، بدأت قوات مكافحة الإرهاب "تطهير" المنطقة من عناصر تنظيم "داعش"، وفق ما يقول الملازم ناصر الركابي من "فوج الموصل" التابع لقوات مكافحة الإرهاب، مضيفاً: "هناك أشخاص يتعاونون معنا من داخل الأحياء المحررة، سنعتمد عليهم اليوم لتحديد من هم الدواعش وما هي الطرقات المفخخة".
وشاهدت مراسلة فرانس برس ثلاث جثث لجهاديين وعناصر من القوات الأمنية تلقي القبض على عدد من الشبان. ويوضح الكناني أن "هؤلاء جنود استخبارات يلقون القبض على المتعاونين مع داعش، نأخذهم للتحقيق وإذا ثبتت إدانتهم نحيلهم إلى القضاء".
من جانبه يقول أحد السكان، رافضاً كشف اسمه: "كل أسماء مناصري داعش موجودة لدى الجيش، وهناك أشخاص متعاونون مع القوى الأمنية والشرطة، وأعطوهم كل الأسماء".
تتلفت الحاجة مريم أمين إسماعيل يمنة ويسرة بحثاً عن صحافية لبنانية أبلغها جيرانها أنها موجودة في المكان، وتركض مسرعة إليها لتعانقها مرددة: "هذه بنت بلدي، هذه بنت بلدي". تعيش المرأة المنحدرة من البقاع الغربي (في شرق لبنان) منذ 50 عاماً في الموصل، وتقول: "قصتي طويلة جداً، طمنوا أهلي عني، قلبهم مثل النار عليّ، أنا مريم أمين إسماعيل".
ع.غ/ ي.أ (أ ف ب، DW)