رؤية الشباب العرب للغرب: صراع حضارات أم مجرد سوء فهم للأخر؟
بعد تفجيرات الحادي عشر الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية عادت الى الأضواء أطروحة "صراع الحضارات"، للمفكر الأمريكي صامويل هانتنغتون. وأعاد الخطاب الإيديولوجي والدعائي والتعبوي لقادة الحرب الدولية على الإرهاب الاعتبار لهذه النظرية بحيث أصبح الصراع بين الإسلام والحضارة الغربية يبدو وكأنه حتمي لا محالة. بينما تراجعت "نظريا" الاعتبارات الاقتصادية وحرب وصراع المصالح الى الخلف. في خضم هذه المعركة روج بعض الساسة الغربيين لمقولة أن العرب أو "الإرهابيين منهم" يكرهون الغرب وذلك لمجرد انه عالم ديمقراطي حر. اختزال الأمر بهذه الدرجة كان لاشك لأسباب دعائية الغرض منها حشد التأييد للحرب الدولية على الإرهاب وتصوريها بأنها حربا "دينية مقدسة" ضد عدو يضمر في نفسه"إيديولوجية الشر" ضد "إيديولوجية الخير". على الجانب الأخر، اي على الجانب العربي الإسلامي أو بالأصح الاسلاموي التعبوي، لم يكن الأمر مختلفا كثيرا، فقد صُورت الحرب من قبل من أعطوا لأنفسهم الحق بتمثيل الإسلام والحديث باسم العالم الا سلامي، بأنها واجب ديني مقدس. وأطلق أصحاب "نظرية المؤامرة" لخيالهم العنان بان الغرب كل الغرب، يكرهم ويتآمر عليهم وحملوا الغرب كل مصائب الأمة في حاضرها وماضيها.
بعيدا عن أطروحة "صراع الحضارات" ودون الخوض في "نظرية المؤامرة"، حاولت صحفيتان ألمانيتان أن تسبرا الواقع عن كثب وتختبرا صحة مقولة "إن العرب يكرهون الغرب". الصحفية جوليا جيرلاخ والمصورة بيربل مولمان حملتا الكاميرا والميكرفون واتجهتا الى العالم العربي، الى الشارع، وطرحتا السؤال "مارأيك في الغرب؟" على الشباب العرب. وعندما عادتا الى ألمانيا أقامت كل من جيرلاخ ومولمان معرضا في برلين عرضتا فيه إجابات الشباب العرب بالصوت والصورة بهدف تقريب وجهات النظر بين الغرب والعالم العربي ونقل وجهات نظر هؤلاء الشباب في الغرب كما هي وعلى لسانهم وأيضا إتاحة الفرصة لزوار المعرض الاستماع مباشرة لرأي الشباب العرب دون وسيط والتعليق عليها. وكان من ضمن التعليقات "إنهم لطيفون وليسوا كما كنا نعتقد" و "إنهم أناس مثلنا!". موقعنا حاور الصحفية جوليا جيرلاخ حول مشروع "مارأيك في الغرب"؟
تضييق الهوة بين العالم العربي والغرب
فكرة مشروع "مارأيك في الغرب"، التي هي أصلا فكرة شخصية بدافع الفضول الصحفي، نبعت، حسب تعبير جيرلاخ، من الاعتقاد بان الهوة بين الغرب والعالم العربي أخذت منذ الحادي عشر من سبتمبر تتسع، لاسيما على خلفية الحرب على الإرهاب والحرب على العراق وتطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية. أما لماذا الشباب بالذات، فتجيب جيرلاخ، بان صورة الشباب العرب في الغرب مشوهة الى حد كبير. ويُعتقد أن الإعلام يجسد هكذا شعور، بان هؤلاء يكرهون الغرب ومندفعون لمحاربة كل ما هو غربي. ولعل أول ما يتبادر الى ذهن المواطن الغربي هو أن الشباب العرب هم أولئك الإسلاميين المتطرفين الذين يتظاهرون في شوارع القاهرة وقطاع غزة رافعين المصاحف ويحرقون العلم الأمريكي ويهتفون للجهاد. "لذلك أردنا أن نعرف حقيقة هذه الصورة في ارض الواقع"، حسب تعبير جيرلاخ. احد اهداف المشروع، تضيف جيرلاخ، محاولة تضيق الهوة التي نشأت بسبب السياسة وربما الإعلام عبر الحوار المباشر انطلاقا من حقيقة "إننا سنلتقي عند قواسم مشتركة لو تعاملنا مع بعضنا كبشر"، فالناس عندما يلتقون وجها لوجه يتحاورون ويتجادلون وربما ينتقدون بعضهم بصورة قاسية لكنهم يبقون لطيفين مع بعضهم البعض.
صورة الغرب لدى الشباب العرب
من الطبيعي أن تكون هناك أراء مختلفة بل وربما متناقضة أحيانا عند الشباب العرب. تقول جيرلاخ "التقينا بشباب ينظرون من حيث المبدأ بشكل ايجابي للغرب"، فهم معجبون بالتطور التقني وطبيعة الحياة في الغرب "وربما يتطلعون الى حياة مشابهة" للحياة الغربية. لكن هناك أيضا أناس ينظرون الى طبيعة الحياة في الغرب بأنها "غير أخلاقية أو باردة" وبان العلاقات بين الناس والعلاقات الأسرية ليست مترابطة بشكل قوي كما هو الحال في الوطن العربي، كما تقول جيرلاخ في هذا الصدد. وهي ليست متأكدة من أن هذه يمكن تسميته أحكام مسبقة "لان ما يقولونه صحيح الى حد ما". لكن، والكلام للصحفية الألمانية، "الجميع تقريبا يتفق في نقده للسياسات الغربية تجاه الوطن العربي"، وهنا لابد من ذكر أن الكثير منهم يفرق بين السياسة والناس العاديين. وطبيعي أن تكون هناك أيضا صورة سلبية للغرب لدى البعض، كما تقول جيرلاخ. كانوا يقولون "لنا انتم ضد الإسلام وان الغرب يقود حربا ضد الإسلام ويعتقدون إن كل العرب إرهابيين". وتضيف انه في جانب السياسة كانت هناك أحكام قاسية من قبل الشباب وانتقاد للسياسة الأمريكية. وفي إجابة على سؤالنا عن ماهية الغرب الذي سألت الشباب العرب عن رأيهم فيه كون الغرب مصطلح عام وواسع وربما يربط الشباب بين موقفهم من السياسات الأمريكية في المنطقة ورؤيتهم للغرب، أشارت محاورتنا الى أن ذلك قد يكون صحيحا الى حد كبير وان الكثير منهم كان لديه تعريفات مختلفة لمفهوم الغرب، سواء من زاوية ثقافية أو سياسية وتحديدا من زاوية متصلة بالسياسة الأمريكية "غير أنهم غالبا ما كانوا يفرقون بين أوروبا والولايات المتحدة" ولكنهم، والكلام لمحاورتنا، يؤكدون على وجود نزاع بين العرب والغرب عموما.
"نحن جميعا سكان هذا العالم"
تعود فكرة مشروع مارأيك في الغرب، كما تروي جيرلاخ، الى ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث كانت زميلتها المصورة بيربل مولمان قد قامت بمشروع مشابه في نيويورك وخطرت لديها فكرة معرفة رأي الطرف الأخر، أي الطرف العربي. أما السيدة جيرلاخ فعملت لفترة طويلة كصحفية في منطقة الخليج العربي وتمحورت الفكرة لدى الصحفيّتين. وكان اختيار دبي باعتبارها "شبيهة بنيويورك أو أنها نيويورك العالم العربي"، حسب وصفها للمدينة التي تضم شبابا من مختلف البلدان العربية. وترى صاحبة مشروع "مارأيك في الغرب؟" أن الحوار المباشر يمكن أن يساعد في خلق التفاهم والتقارب بين الغرب والعالم العربي وتحسين صورة الأخر. وتختم حديثها بالقول بانه يتحتم صرف النظر جانبا عن الاختلافات التي يعتقد إنها كبيرة والنظر الى الأخر باعتباره إنسان"، في النهاية نحن جميعا سكان هذا العالم ويجب علينا أن نحاول فهم بعضنا لكي نستطيع العيش معا".
اجرى الحوار د. عبده جميل المخلافي