رؤية السعودية الإصلاحية.. هل تنقذ البلاد من الإفلاس؟
٢٦ أبريل ٢٠١٦"السعودية على شفير الإفلاس"، "هل تعلن السعودية إفلاسها قريبا"، "انهيار الاقتصاد السعودي"... عناوين كهذه انتشرت بشكل كبير خلال الشهور الماضية بالتزامن مع الانخفاض الكبير الذي تعرفه أسعار النفط. ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كشف أخيرا عن خطة تعتزم بلاده، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، من خلالها إعداد المملكة لمرحلة ما بعد النفط وإنهاء ما أسماه "إدمان" المملكة على النفط واعتمادها عليه كمحرك رئيسي للاقتصاد.
الخطة الاقتصادية الجديدة أو ما سمي ب"رؤية المملكة 2030 للتنمية البشرية" تبدو استراتيجية جريئة وطموحة. ومن جملة ما تشمله: زيادة رأسمال صندوق الاستثمارات العامة من 160 مليار دولار إلى ترليوني دولار وطرح حوالي 5 بالمائة من أسهم أرامكو (أكبر شركة نفط في العالم) في السوقين المحلي والدولي.
وبينما يرى بعض الخبراء في هذه الخطة سبيلا قد يخرج السعودية من مأزقها الاقتصادي الحالي، يرى آخرون أن أهداف هذه الخطة غير عقلانية وأن المملكة لم توفر أرضية مناسبة لإصلاحات بهذا الحجم وتحديدا في ما يتعلق بالإصلاح السياسي والإداري.
الإصلاح الإداري أولا
حتى قبل هبوط أسعار النفط في 2014 كان الاقتصاديون يقولون إن السياسة المالية والهيكل الاقتصادي للبلاد لا يتمتعان بالاستدامة لكن هبوط إيرادات النفط جعل من الإصلاحات ضرورة ملحة. وبعد طول انتظار أعلنت أخيرا السعودية خطتها التي يروج لها في البلاد على أنها صمام الأمان. ويقول تركي فدعق رئيس الأبحاث والمشورة المالية في شركة البلاد المالية في جدة في تصريحات ل DW عربية إنه بحلول العام 2020 يفترض أن يبدأ تحقيق الأهداف المرسومة للخطة وفي سنة 2030 يفترض أن يتم الوصول إلى نتائجها. لكن الكاتب والصحفي عبد الباري عطوان يرى أن السعودية تبالغ بخصوص إمكانية تطبيق هذه الأهداف. ويعلق على ذلك في مقابلة مع DW عربية بالقول "كيف يقول الأمير محمد بن سلمان إن السعودية ستستغني بحلول عام 2020 على النفط إذا كانت 90 في المائة من مداخيل البلاد حاليا تأتي منه؟!". ويضيف عطوان أن إصلاحات بهذا الحجم والطموح تتطلب أولا هيكلة إدارية متطورة ومتكاملة ومعالجة مشكلة الفساد التي تتسبب في إهدار جزء كبير من مداخيل الدولة لكن هذا بدوره صعب التحقيق في السعودية "في ظل غياب برلمان منتخب يمارس المحاسبة والرقابة على السلطة التنفيذية وأيضا في ظل غياب صحافة حرة، أيضا فقد رأينا كيف تم قمع كل من وجه انتقادات لخطة الإصلاحات الجديدة". من جهته يرى فدعق أن إصلاح المؤسسات بدأ العام الماضي بشكل جوهري وبشكل أساسي. المشكلة الاصعب كانت تتمثل في البطء في اتخاذ القرارات لأن هناك أجهزة متعددة في هذا المجال وتحديدا في الشؤون الاقتصادية، لكن الإصلاح الذي حدث في مارس 2015 كما يقول الخبير السعودي أعاد هيكلة المسؤوليات والصلاحيات للعديد من الأجهزة وتم إنجاز جهاز تنفيذي مصغر أصبحت له الصلاحيات التي كانت متوزعة ما بين أجهزة متعددة، "ولهذا لحظنا شهرا فقط بعد ذلك صدور قرارات سريعة ولمسنا تفاعلا من الحكومة في العديد من المواضيع وهذا لا يلغي أن الإصلاح مازال مستمرا".
موضوع الرؤية الاقتصادية الجديدة حظي باهتمام ومتابعة السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا إذ كان وسم "رؤية السعودية 2030" الأكثر تداولا على موقع تويتر اليوم في البلاد التي تسجل أعلى معدل لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط.
صورة براقة على الورق ولكن...
وسجلت السعودية عجزا في الموازنة يقارب 100 مليار دولار في 2015 أو ما يعادل 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتهدف موازنة الدولة لعام 2016 لتخفيف هذا العجز إلى نحو 87 ملياردولار. ناصر قلاوون وهو محلل اقتصادي مقيم في لندن يرى أن من بين الصعوبات التي ستواجه تحقيق الأهداف المسطرة: البيروقراطية في السعودية لكنه يضيف أنه يتوقع أن تصدر قرارات أيضا لإصلاح البيروقراطية في البلاد وجعلها أكثر فاعلية وهذا سيكون شرطا من شروط نجاح هذه الرؤية. لكن الكاتب عبد الباري عطوان يتطرق لعنصر آخر من شأنه أيضا أن يكون عقبة كبيرة أمام تحقيق أهداف الخطة الجديدة وهو "التداخل الكبير بين المؤسسة الدينية والسلطة الحاكمة في البلاد". ويقول في هذا السياق "لا يمكن تحقيق إصلاح في ظل التركيبة الحالية للسلطة وتركيبة التحالف بينها وبين المؤسسة الدينية المحافظة جدا لذا يجب إجراء إصلاح في السلطة السياسية أولا وفك الارتباط مع المؤسسة الدينية وإصلاح الأخيرة أيضا". ويرى عطوان أن تحقيق الإصلاح الذي تروج له السعودية لن يتأتى إلا من خلال إصلاح كل هذه المجالات. "الخطة متقدمة وجريئة والكلام سهل. الصورة تبدو براقة على الورق ولكن عندما نأتي إلى التطبيق على الأرض تُطرح علامات استفهام كثيرة وهي مشروعة" يقول عطوان.
"يأس من الحماية الامريكية"
ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أصبح تركيز الرياض على عملية الإصلاح ضرورة ملحة وتسارعت وتيرة القرارات المتعلقة بذلك. وبدا الأمير الشاب، خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الاثنين (25 نيسان/ ابريل 2016) بالديوان الملكي في الرياض، قائدا إصلاحيا يسعى لإحداث تغيير جذري للاقتصاد السعودي والقضاء على البيروقراطية وأبدى اهتماما بالتعليم وكرة القدم وممارسة المرأة لدورها في المجتمع.
وخلال المؤتمر الصحفي كان لافتا تركيز الأمير على فئة الشباب الذين يواجهون مشاكل أهمها البطالة والتراجع الاقتصادي رغم ثروة بلادهم الهائلة. ويرى عطوان أن الدوافع الحقيقية وراء إطلاق هذه الخطة مختلفة، فإلى جانب العجز المالي الكبير بعد المداخيل الهائلة التي كانت تحققها السعودية من النفط في الماضي بفضل وفرة الإنتاج وارتفاع أسعار النفط خاصة انها كانت تتمتع بحماية أمريكية، تغيرت الامور اليوم "فأوباما كان واضحا عندما قال خلال تصريحات صحفية إن الأمريكان لن ينجروا إلى الحروب التي تخوضها السعودية ولم تقدم واشنطن نفس الحماية التي كانت تقدمها في السابق". وأضاف عطوان أن السعودية تسعى أيضا إلى الإنفاق على الحروب التي دخلت فيها وتتطلب نفقات عالية وهذا ما يجعلها في نفس الوقت تدخل في تحالفات إسلامية وعربية ( ما يزيد من حجم الانفاق ).