ذوبان الجليد يهدد نصيب البشر من المياه العذبة
٢٨ مارس ٢٠١٠تغطي المياه 71 في المائة من مساحة الكرة الأرضية، وتشكل نسبة الماء 60 في المائة من حجم الإنسان، وترتفع هذه النسبة في المخ فتصل إلى 85 في المائة، في حين أنها تشكل 20 في المائة من تركيب العظام، لذلك فالإنسان بحاجة إلى مياه الشرب تماما مثلما يحتاج إلى الهواء، لكن مياه الشرب تقل تدريجيا على سطح الأرض بسبب التغير المناخي الذي أسفر عنه ذوبان الجليد، المصدر الرئيسي للمياه العذبة.
ذوبان الجليد في منطقة الألب أصبح أسرع والكميات أكبر
تشكل المياه العذبة 2.5 في المائة فقط من كمية المياه الموجودة على سطح الأرض، وتمثل الأنهار المتجمدة ومناطق الجليد في جبال الألب والهيمالايا وجبال روكي وغيرها مصدراً لـ 75 في المائة من كمية المياه العذبه على وجه الأرض، لذلك فإن مليارات من البشر تتوقف حياتهم على الماء الذي يأتيهم نتيجة ذوبان الجليد في المناطق المذكورة. لكن سرعة ذوبان الجليد أصبحت الآن ضعف ما كان يحدث في الماضى.
الدكتورة سوزان هامبرغر من جمعية أبحاث البيئة تتابع عملية ذوبان الجليد في جبال الألب الأوروبية، وتدير سجل الأنهار والمناطق الجليدية، وهو عبارة عن أرشيف لوثائق وصور قديمة لمناطق الجليد في جبال الألب. وأعربت سوزان هامبرجر عن صدمتها حينما قارنت بين الصور القديمة لهذه المناطق وما رأته بعينيها في السنوات الثلاثة أو الأربعة الأخيرة من ذوبان سريع للجليد في الألب الأمر الذي تعتبره هامبرغر رمزا لعملية التغير المناخي.
في ظل الظروف الطبيعية لا تشهد مناطق الجليد في العادة زيادة أو نقصانا، فالجليد الذي يذوب في فصل الصيف؛ يتكون من جديد في فصل الشتاء. لكن الآن أصبحت فصول الصيف أطول وأشد حرارة من ذي قبل؛ مما يتسبب في ذوبان كمية أكبر من الجليد عما كان يحدث في السابق.
مخزون الجليد مثل المدخرات كلما جرى السحب منها نقصت بمرور الزمن
يُشبِّه الدكتور لودفيغ براون، المتخصص في علوم مناطق الجليد، عملية ذوبان الجليد بكميات كبيرة بشخص لديه حساب إدخاري يسحب منه باستمرار، فحينما يواصل هذا الشخص السحب من حسابه يكون في يده سيولة نقديه أكبر للصرف؛ بيد أن بمرور الوقت تتناقص مدخراته شيئا فشيئا. وهذا الأمر نفسه يسري أيضا على المخزون العالمي من المياه العذبة، فمع تغير المناخ يتضاءل هذا المخزون وربما ينفذ أيضا في وقت ما. ومع أن كمية المياة على سطح الأرض ثابتة لا تتغير في واقع الأمر؛ إلا أنه لن يكون بإمكاننا الاستفادة من المخزون الاحتياطي للمياه حسب ما يقول لودفيغ براون. وفي وقت ما حينما تذوب المناطق الجليدية؛ فلن يكون هناك بعد ذلك مخزون من المياه لمواجهة فصول الصيف الحارة. ويقول السويسري أندرياس باودر خبير شئون الجليد في زيورخ إن معنى ذلك أن حصولنا على المياه العذبه سيتوقف على هطول الأمطار، وهذا أمر لا يمكن الاعتماد عليه فأحيانا تهطل الأمطار بغزارة وأحيانا لا يكون هناك مطر على الإطلاق، والنتيجه هي حدوث جفاف.
ذوبان الجليد خطر داهم على سكان آسيا والأمريكتين
يقول لودفيغ براون إن الجليد كمصدر للمياه العذبة لا يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للمناطق الأوروبية المعروفة بأنها مناطق رطبة أو معتدلة مناخيا، وهذا يعني أنه حتى لو غاب الجليد من هذه المناطق سيتستمر تواجد المياه فيها. أما بالنسبة لمناطق أخرى من العالم فسيعني ذوبان الجليد بداية لنقص مياه الشرب. فمثلا يوفر الجليد في جبال الهيمالايا 70 في المائة من احتياجات مياه الشرب في آسيا، وتراجع الجليد سيؤدي إلى عواقب وخيمة بالنسبة لسكان هذه المناطق وكذلك بالنسبة لما يصل إلى 3 مليار شخص يعيشون حول الأنهار الكبرى في قارة آسيا. وبدون المياه الناشئة عن ذوبان الجليد تصبح هذه الأنهار ،التي تمثل شرايين للحياة، مهددة فإما أنها ستجف تماما أو ستتحول إلى قنوات صغيرة.
هذه المخاطر ستواجهها أيضا مناطق في أمريكا الشمالية والجنوبية، فمنطقة (Echaurren ) الجليدية في شيلي، على سبيل المثال، هي أهم مصدر لمياه الشرب لسكان العاصمة سانتياغو دو شيلي؛ إذ أنها لا تلبي فقط 80 في المائة من احتياجاتهم من مياه الشرب فحسب، وإنما تغطي أيضا 50 في المائة من احتياجات الماء بالنسبة لسكان شيلي كاملة. ويتوقع العلماء أن يذوب الجليد خلال عقود قليلة، وعندما تجف صنابير المياه هناك، فالنتيجة يمكن أن تكون قيام خمسة ملايين شخص من السكان بأكبر موجة هجرة في التاريخ.
عندما نلقى نظرة أولية على وضع المياه؛ سنجد أن المياه لا تنقص على كوكب الأرض، لكن عندما تختفي المناطق الجليدية ويختفي معها الماء العذب الذي كان يأتي منها في فصل الصيف؛ فلن يكون هناك مصدر آمن للحصول على المياه لمليارات من البشر.
الكاتب: أندرو شاله / صلاح شرارة
مراجعة : هيثم عبد العظيم