ذكريات ناشر ألماني عن نجيب محفوظ
٢٨ سبتمبر ٢٠٠٦يقول غوتفريد برمان – فيشر إنه كان قبل بعض لقاءاته مع الأديب الألماني توماس مان يتناول بعض الحبوب المهدئة، لأن اللقاء به كان يعني وضع مستقبل دار النشر على المحك.
أمر مثل هذا حصل في القاهرة في كانون الثاني (يناير) من العام 1989 حينما تمنى الناشر الشاب لو كان في حوزته مهدئ للأعصاب. كان نجيب محفوظ قد حاز حينذاك في تشرين الأول (نوفبر) على جائزة نوبل للآداب. وكانت دار نشر "اونيون" الصغيرة الناشئة التي لا تزال تحبو خطواتها الأولى قد طلبت شفهياً من وكالة أدبية في زيوريخ بيرغ الحصول على حقوق نشر جميع كتب نجيب محفوظ وتمت الموافقة على ذلك.
على الرغم من الإهتمام العاصف الذي أظهرته دور النشر الكبيرة بعد خبر فوز محفوظ بجائزة نوبل، إلا ان كلمة الشرف هذه بقيت سارية المفعول. أما الآن فقد جاء دور ابرام العقود في القاهرة والحصول على الموافقة الأخيرة من حامل جائزة نوبل. كل شئ مرتبط به الآن.
إذن موعد مع نجيب محفوظ: الساعة السابعة والنصف صباحاً في مقهى علي بابا في ميدان التحرير. من يعرف نجيب محفوظ عن كثب يعرف كيفية تقسيم مواعيده. يستقبل أصدقاءه المقربين جداً في بيته. أما اصدقاؤه الأدباء فانه يلتقيهم كل يوم جمعة في كازينو على النيل. اللقاءات الرسمية تتم في مكتبه في جريدة الأهرام. أما نقاشات العمل المركزة فتتم دائماً في مقهى على بابا في الصباح الباكر. فأل خير اذن.
نجيب محفوظ أسطورة في دقته في المواعيد وانتظامه. الباعة المتجولون على جسر النيل يضبطون ساعاتهم عليه.
أما الناشر الشاب فلم يكن من أصدقاء الدقة في المواعيد والصباح الباكر لم يكن من بين أوقاته المفضلة التي يفعم بها بالنشاط. إذن هناك الكثير للتفكير والتدبير.
وفجأة راودته أفكار مربكة، ماذا لو ان المنبه الذي رافقه في سفره الى القاهرة لم يؤد عمله على أكمل وجه؟ لذا أسرع الى السوق ليشتري منبهاً آخر، باهظ الثمن ويوحي بالثقة: غول ضخم ذو جرسين كبيرين. يا جبل ما يهزك ريح. ومن ثم نسق أوراقه وخلد الى النوم باكراً.
الخامسة والنصف صباحاً دوى جرس المنبه الجديد ورن الآخر رفيق السفر وطرق حاجب الفندق على باب الغرفة. كان الصباح نقياً منعشاً. القاهرة عروس براقة، الشوارع خالية الا من قليل من السيارات. وصل قبل ساعة من موعده الى ميدان التحرير فقرر ان يمضي بعض الوقت هناك ويشرب الشاي في مقهى في شارع ضيق.
كانت الساعة 7:21 عندما دخل الناشر الشاب المقهى الخالي. قاده النادل عبر سلم صغير الى الطابق الأعلى حيث كان نجيب محفوظ جالساً قرب النافذة وقد انعكس عليه الضوء حيث لا يتراءى منه إلا ظله. كان منعكفاً على جريدة في يده يقرأ فيها.
أشار نجيب محفوظ الى الضيف بحركة صغيرة وبدون اية كلمة الى الجلوس الى طاولة صغيرة قرب السلم وتابع القراءة غير آبه به، تصفح الجريدة، سحب نفسا من سيجارته، ثم تابع القراءة.....
تمام الساعة السابعة والنصف طوى نجيب محفوظ الجريدة ورتب علبة سيجارته لتشكل زاوية قائمة مع غطاء الطاولة المقلم طولياً. هب من مكانه وخطا نحوالشاب. معطفه الأسود القديم يتلألاً في أشعة الشمس الصباحية، ترتسم على شفتيه ابتسامة عريضة مشرقة تذوب لها القلوب وقال: "أهلاً بك يا سيد لايتس، سعيد للقائك! كنت في انتظارك!"
بقلم لوسيان لايتسبب
حقوق الطبع قنطرة 2006
www.qantara.de