ذكرى الثورة تمتزج بالاحتجاجات.. تونس في عنق الزجاجة!
٢٧ ديسمبر ٢٠١٨لم تعد الاحتجاجات في تونس هي الخبر، بما أن البلد يشهد منذ نهاية عام 2010 مظاهرات بشكل دوري، كانت بدايتها بإسقاط نظام زين العابدين بن علي، لكن شكل هذه الاحتجاجات وطبيعة مطالبها ومناطق انتشارها أضحت هي المتغيرات في البلد الذي انطلق منه ما وُصف بالربيع العربي.
الذكرى الثامنة لانطلاق "ثورة الياسمين" تزامنت مع حدث يشبه كثيراً ما أقدم عليه محمد البوعزيزي، إذ جرى الإعلان عن وفاة مصّور صحافي حرقاً، ما أجج الاحتجاجات في مدينة القصرين ونقلها إلى مدن أخرى. وقد أحيط جدل بوفاة المصوّر، بما أن الداخلية قالت إن نشوب النيران بجسده وقع في ظروف غامضة. كما تم إعلان وفاة شابٍ ثان في الاحتجاجات بمدينة صفاقس، إلّا أن الداخلية صرّحت أن الأمر يتعلّق بحادث انزلاق دراجة.
وإن كانت مراكز عدد من مؤسسات البحث الدولية ترى في تونس شمعة حافظت على نورها وسط ظلام أحاط بدول "الربيع العربي"، وذلك بالنظر إلى نجاحها في تحقيق تداول سلمي على السلطة عبر انتخابات نزيهة، إلّا أن الوضع الاقتصادي المترّدي الذي تشهده البلاد، أدى إلى احتقان اجتماعي ليست الاحتجاجات إلّا أحد مظاهره، ما يطرح الكثير من الأسئلة عن مدى فائدة نجاح النموذج السياسي، إن كان الإخفاق يصاحب النموذج الاقتصادي، وحول إمكانية إسقاط جديدٍ للحكومة التونسية ومعها نظام سياسي بأكمله.
أرقام مخيفة
حسب معطيات صندوق النقد الدولي في آخر تحديث شهر أبريل/نيسان 2018، فالوضع الاجتماعي في تونس يظهر قاتما. التضخم وصل إلى 7.6 بالمئة، وهو أعلى ممّا كان عليه الحال قبل الثورة. الدين الخارجي يبلغ 80 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي والداخلي يبلغ 70 بالمئة، ومن أسباب هذا الارتفاع هي كلفة الأجور التي تعطيها الدولة، إذ تمثل 50 بالمئة من ميزانية البلد.
وفق الأرقام ذاتها، وصلت البطالة إلى 15 بالمئة، وتبلغ عند الشباب والنساء 30 بالمئة، أما تضخم أسعار المستهلكين فقد بلغ 7.6 بالمئة، في وقت انخفضت فيه الاحتياطات الدولية لدى البنك المركزي التونسي إلى ما دون المستوى اللازمة لتغطية الواردات. وما زاد من سوء الوضع، إغلاق عدد من الشركات العالمية أبوابها في تونس، وتراجع عائدات السياحة التي كانت تشغّل نسبة مهمة من التونسيين.
نتيجة لهذا الأرقام، بات الأفق مسدوداً أمام الكثير من الأسر التونسية، فوفق استطلاعات رأي أجراها معهد بايكر في جامعة رايس الأمريكية، فـ47 في المئة من التونسيين الذين أجابوا يقرّون أن وضع أسرهم الاقتصادي تدهور، و62 بالمئة منهم يؤكدون أن الوضع الاقتصادي ازداد سوءاً. لذلك لم يعد الكثير من الشباب يجدون بديلاً عن الشارع للضغط، خاصة منهم الحاملين لشهادات عليا، في وقتٍ تتراجع فيه نسبة الطبقة المتوسطة التونسية لصالح الطبقة الفقيرة، حسب المعطيات الرسمية.
أسباب الأزمة الاجتماعية
كان التونسيون يدركون أن بلدهم سيحتاج مرحلة انتقالية بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي لأجل تحقيق التطوّر المنشود اقتصادياً واجتماعياً، غير أن الظروف التي مرّت بها تونس لم تساعد كثيراً في تحقيق هذا المسعى، فقد شهد المجال الأمني فراغاً أدى إلى انتشار جماعات متطرفة نظمت عمليات إرهابية، اثنان منها كان السياح ضحايا لها، فضلاً عن عملتي اغتيال لشخصيتين سياسيتين. وزادت الاحتجاجات المستمرة في توقيف عجلة العمل بعدة قطاعات، خاصة مع قوة التنظيمات النقابية التونسية.
يقدم عبد اللطيف الحناشي، أستاذ الفكر السياسي بجامعة منوبة، أسباباً أخرى لهذه الأزمة الاجتماعية، منها ما يحمل جذوراُ تاريخية ويعود إلى عام 1986 عندما "تدخل صندوق النقد الدولي في الاقتصاد التونسي"، وهناك ما يحمل بصمة الحاضر: "كانت حكومة الترويكا (ائتلاف) حديثة التجربة بعد الثورة، لذلك ارتكبت العديد من الأخطاء" يقول الأستاذ لـDW عربية، متحدثاُ عن أن الحكومة الحالية تبقى جزءاً من الأزمة ولم تساهم فيها لوحدها.
غير أن هناك عوامل خارجية ساهمت في الأزمة، منها أساساً الوضع في ليبيا التي تمثل "فضاءً حيوياً للاقتصاد التونسي، إذ كان الكثير من التونسيين يعملون في هذا البلد، سواء في شركات ليبية أو تونسية، كما أن جزءاً من إنتاجنا الصناعي كان يتجه إلى ليبيا" يشير الحناشي. مسوؤولية أطراف خارجية حاضرة كذلك، إذ سعى البعض منها، يستطرد الحناشي، إلى إفشال التجربة التونسية، في إطار صراع إقليمي انعكس سلباً على تونس، فضلاً عن أسباب أخرى يحيل إليها الخبير كتراجع أسعار النفط.
هل تسقط حكومة الشاهد؟
عندما سحب البرلمان التونسي الثقة من حكومة الحبيب الصيد، صيف عام 2016، فاسحاً المجال أمام حكومة يوسف الشاهد، استبشر العديد من المتتبعين بصغر سن رئيس الحكومة ومدى إمكانية بث ذلك لأجواء حيوية في الاقتصاد التونسي. إلّا أنه بعد مرور أكثر من سنتين، لا يزال الوضع سيئاً، رغم أن الحكومة الحالية استفادت من تمويلات ضخمة أعلن عنها في مؤتمر الاستثمار نهاية 2016.
تحاول الحكومة التونسية التقليل من تداعيات الاحتجاجات الأخيرة، لذلك لم تتوقف كثيراً عندها في آخر اجتماعاتها الأسبوعية، ولم تشر لها في بلاغها إلّا في فقرة واحدة، تعاطفت من خلالها مع عائلة المصوّر الراحل، وأكدت عبرها على حق التظاهر السلمي، ليستمر الحساب الرسمي للحكومة في فيسبوك، في نشر أخبار أنشطة بعيدة عن الاحتجاجات.
أما الرئيس الباجي قايد السبسي، فلم يرد منه أيّ تفاعل مع هذه التطوّرات، واستمر حساب الرئاسة في الإخبار بأنشطة استقبال شخصيات وطنية وأجنبية. ويظهر السبسي بعيداً عن أيّ تطورات تطيحه من منصبه، خاصة وأن التقليد السياسي الذي اتبعته تونس في عهد الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، يجعل تغيير الرئيس أو استمراره رهين بالانتخابات الرئاسية المقرّرة بعد عام تقريباً.
وتحاول السلطات التونسية بعث رسائل تقلّل من تأويلات الاحتجاجات الأخيرة، لا سيما مع ما نشرته وزارة الداخلية بكون العديد من ممّا يُنشر على أساس أنه "تحرّكات اجتماعية وأعمال شغب" ليسَ سوى "أخباراً مغلوطة ومنشورات زائفة"، تعتمد على "صور وفيديوهات قديمة".
يستبعد الحناشي أن تسقط الحكومة التونسية بسبب هذه التطورات، فـ"هي تحالف واسع من أربعة أحزاب فضلاً عن كتلة مستقلة، تملك الأغلبية في البرلمان، ولا يمكن إسقاط الحكومة دستوريا إلّا عبر البرلمان". ويرى الحناشي أن هناك اختلافاً كبيراً بين احتجاجات بداية الثورة التونسية والاحتجاجات الأخيرة، فالأولى رفعت مطالب إسقاط النظام، وهو أمر لم يتكرّر في الأخيرة التي تركز على الجانب الاقتصادي، كما أن النظام ذاته صار مغايراً، والسياق أضحى مغايراً ، يقول الحناشي، فـ"هناك مؤسسات وتعددية حزبية وإعلامية تتيح التعبير عن الرأي وعن الاحتياجات".
وما يقف إلى جانب حكومة الشاهد، أن التونسيين غيّر رؤساء الحكومات سبع مرات، ورؤساء الدولة ثلاث مرات، دون أن ينجح ذلك في إنهاء الاحتجاجات الاجتماعية، ممّا أوصل الكثير من التونسيين إلى قناعة أنّ "التغيير لأجل التغيير فقط لن ينجح". ويتسلح الشاهد ببعض الإنجازات التي تحققت في فترته، منها تحسن الوضع الأمني واسترجاع القطاع السياحي لبعض نشاطه وشنّ الحكومة حملة على الفساد، لأجل إقناع التونسيين بالحفاظ على حكومة، على الأقل حتى موعد الانتخابات التشريعية نهاية 2019.
الكاتب: إسماعيل عزام