ديتر هيلدبراندت في عيد ميلاده الثمانين ـ السخرية في خدمة الحقيقة
٩ يونيو ٢٠٠٧كتب امبرتو إيكو، الكاتب الإيطالي الشهير، في روايته "اسم الوردة" بأن الكنيسة في القرون الوسطى كانت تحرم الضحك، لأن الضحك يحرر الإنسان من الخوف، وإذا ما تحرر الإنسان من الخوف، لم تعد له حاجة إلى إله. أما باختين، فيتحدث في "الأدب والكرنفال" عن الضحك الذي بنى كنيسته الخاصة به، ضد الكنيسة الرسمية في القرون الوسطى.
كانت ثقافة الضحك يومها تعبيرا عن الحياة اليومية والجسدية للبشر، عن الحرية وعن الحقائق الشعبية البدهية والرديئة، في حين أن ثقافة الجد، لم تعترف يوما بالضحك، لأنها لا تحسن سوى فرض الوصايا وإعطاء الأوامر، ولهذا أصاب باختين حين كتب قائلا:"الحكم، العنف، السلطة، لا يتكلمون قط لغة الضحك". ثقافة الضحك تمثلت في البداية في الفن الروائي كما مارسه كتاب من قامة رابليه أو ثرفانتس، أما في عصرنا الحاضر فلا ريب أن الكباريه السياسي والكاريكاتير أبرز الفنون التي تحمل لواء الضحك ضد لواء الجدية والأخلاق والنفاق السياسي.
الكباريه السياسي في ألمانيا ـ تاريخ عريق
تم تأسيس أول كباريه في باريس سنة 1880، والذي أطلق عليه اسم "كباريه آرتيستيك" من طرف رودولف ساليس، وبعيد تأسيسه، أطلق عليه اسم جديد "القط الأسود" واستضاف هذا الكباريه أبرز فناني العاصمة الفرنسية في القرن التاسع عشر، الذين كانوا يجربون أعمالهم هنا قبل طرحها على الجمهور، أما ألمانيا فقد عرفت تأسيس أول كباريه عشرين سنة بعد ذلك على يد ارنست فون فولتسوغن، والذي أطلق عليه من بعد اسم "المسرح الملون". وكان أوتو رويتلر أحد أول فناني الكباريه في ألمانيا، لكن النظام السياسي في ألمانيا آنذاك فرض رقابة شديدة على فن الكباريه، عاملا على لجم طاقته النقدية.
وبنهاية الحرب العالمية الأولى رفعت الرقابة على المسرح والكباريه، ليستطيع هذا الفن الوليد أن ينفتح على قضايا الناس وحياتهم اليومية، ولتظهر أسماء أخرى في سماء الكباريه مثل كلير فالدوف وفرنر فينك أو كارل فالنتين، لكن سقوط ألمانيا بين براثن النازية كانت له عواقب جد وخيمة على فن الكباريه، ففينك مثلا ثم اعتقاله وتوخولسكي أقدم على الانتحار وأغلبية فناني الكباريه الألمان وبدأوا بالفرار متوجهين إلى فرنسا أو سويسرا أو الدول الإسكندنافية أو الولايات المتحدة. لكن تحرير ألمانيا من النازية فتح الباب على مصراعيه أمام فن الكباريه، الذي لعب دورا تعليميا في التعريف بجرائم النازية وتوعية الجيل الجديد بها.
ديتر هيلدبراندت ـ أيقونة الكباريه السياسي في ألمانيا
وتطورت في السبعينيات أشكال جديدة للكباريه السياسي في ألمانيا، كان من أبرز نجومها ديتر هيلدبراندت، والذي اشتهر ببرامج الكباريه التلفزيونية مثل "مذكرات من الريف" و"التورونادو الثلاثة"، كما دخل في صراع مع الطبقة السياسية الألمانية. ومؤخرا احتفل هيلدبراندت بعيد ميلاده الثمانين، في الوقت نفسه الذي طرح فيه كتابه "لا أريد أن أكون مرة أخرى في سن الثمانين!" في الأسواق.
لقد بدأ هيلدبراندت حياته جنديا في سلاح الجو الألماني أيام الحكم النازي قبل أن يبدأ دراسة الأدب والمسرح في جامعة ميونيخ سنة 1950 ، لكنه وبدلاً من إنهاء دراسته أسس برفقة سامي دريكزل جمعية ميونيخ الضاحكة، والتي كانت وراء شهرته ككاتب ساخر وكممثل بارع، ولكن أيضا وراء علاقاته السيئة مع الطبقة السياسية الألمانية. لكن هيلدبراندت توجه أيضا إلى الكتابة وصدر له عشرون كتابا، ومازال في سنه المتقدمة يجول عبر أرجاء ألمانيا عارضا كتبه، وموجها سهام نقده إلى ساسة اليوم.