دويتشه بنك: سيناريو الإفلاس أمر مستبعد
٣١ يوليو ٢٠١٦تعادل شهرة مصرف "دويتشه بنك" في عالم المال شهرة مرسيدس في عالم السيارات. وكما أن مرسيدس تعكس فخرا للصناعة الألمانية، فإن دويتشه بنك يعد فخرا لقطاع المصارف الألمانية. وفي الوقت الذي تحافظ فيه مرسيدس على مكانتها، فإن مكانة البنك الأكبر في ألمانيا تعرضت مؤخرا لسلسلة اهتزازات زعزعت الثقة به وأدخلته في عالم المجهول. وقد وصل الأمر بصندوق النقد الدولي إلى اعتباره " البنك الأكثر خطورة على النظام المالي العالمي" لأنه من أبرز البنوك الأكثر تشابكا في التجارة العالمية. وتقدر قيمة أرصدته الدفترية بنحو 1700 مليار يورو، أي ما يزيد على نصف الناتج المحلي الألمانية الذي يقدر بنحو 3000 مليار يورو.
العرب ودويتشه بنك
يستثمر العرب وفي مقدمتهم قطر عدة مليارات في دويتشه بنك. ويبرز في مقدمتها استثمارات وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني بقيمة 1.75 مليار يورو. يضاف إلى ذلك أن آلاف الزبائن العرب، لاسيما المقيمين منهم في ألمانيا لديهم ودائع وحسابات لدى البنك. وتتم صفقات التجارة العربية الألمانية التي وصلت قيمتها إلى 52 مليار يورو خلال العام الماضي 2015 عبر هذا البنك الذي يعد المصرف شبه الوحيد للتجارة الخارجية الألمانية. ويمتلك البنك عددا من الفروع في دول الخليج وبلدان عربية أخرى ينشط من خلالها في أسواق هذه البلدان.
أزمة خطيرة تشبه أزمة "ليمان براذر"
يعاني دويتشه بنك من تبعات الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008 والتي طالت العديد من البلدان التي قدم لها البنك قروضا بعشرات المليارات كاليونان وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال. ما زاد الطين بله هي سلسلة الفضائح المالية وغسيل الأموال والمخالفات القانونية التي كلفته حتى الآن حوالي 13 مليار يورو. يضاف إلى ذلك ضعف رأسماله الخاص واحتياطاته التي تقل بكثير عن المطلوب لمواجهة الأزمات. ما يشهد على عمق أزمته هو تراجع أسهمه إلى نحو نصف قيمتها خلال العام الحالي، إذ تهاوت من 30 إلى 16 يورو للسهم الواحد. ويحلو لبعض الخبراء تشبيه الوضع بأزمة بنك "ليمان براذر" الأمريكي والذي أدى إفلاسه إلى اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008.
لايتم تشبيه أزمة دويتشه بنك بأزمة "ليمان براذر" مجازفة فقط، لأن المشكلة الأكبر للبنك تتمثل في المشتقات المالية والتأمينية المعقدة التي هي بحوزته والتي يعود قسم منها إلى الرهون العقارية الأمريكية. وتقدر القيمة الحسابية لهذه المشتقات بحوالي 42000 مليار يورو، وهذا رقم خيالي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الناتج المحلي الإجمالي الألماني السنوي لا يزيد على 3000 مليار يورو سنويا. ويكمن المأزق هنا في تراجع قيمة هذه المشتقات على ضوء الركود العالمي واستمرار الأزمات المالية. ومن هنا فإن البنك، حسب رأي الكثير من الخبراء، قد لن يتمكن من القيام بالتزامات الدفع في ظل الظروف التي يواجهها حاليا.
هل ينجح البنك في حل مشاكله بنفسه؟
أدت الأزمة التي يعاني منها البنك منذ سنوات إلى تغيير إدارته التي بدأت باعتماد سياسة جديدة تقوم على إعادة الهيكلة وتطبيق إجراءات تقشفية قاسية ستشمل إغلاق 200 من فروعه الألمانية البالغة عددها 723 فرعا وتسريح ما لا يقل عن تسعة آلاف مستخدم ثابت فيها و 6 آلاف من وظائف المستخدمين المتعاقدين. وترى إدارة البنك أن هذه الإجراءات كافية لتعافي البنك وإعادة ثقة عالم الأعمال والبورصات إليه. غير أن المشكلة أصعب من ذلك، لاسيما وأن البنك متورط في شراء مشتقات مالية معقدة شكلت أحد أهم أسباب انهيار بنك "ليمان براذر" الذي اندلعت منه الأزمة المالية العالمية عام 2008. كما أن البنك أخفى الكثير من الحقائق المرتبطة بخسائره وأعلن سابقا عن معدل عائد بنسبة 25 بالمائة، حيث كان مبالغا فيه وغير واقعي. وعليه فإن السؤال المقلق والمطروح هنا هو: ماذا لو فشل البنك في حل مشاكله من خلال التقشف وإعادة الهيكلة؟
الفشل الذاتي يستدعي خطة حكومية للإنقاذ
إذا فشل البنك في حل مشاكله من خلال الاعتماد على طاقته الذاتية وهذا أمر متوقع، فلن تسمح أية جهة بتقبل إفلاسه، لأن ذلك سيؤدي إلى طوفان أو تسونامي مالي جارف قد يؤدي إلى اندلاع أزمة مالية عالمية جديدة. دويتشه بنك هو ببساطة عملاق وأكبر من احتمال السماح له بالسقوط والإفلاس. وعليه فلن يكن أمام الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية الأخرى المعنية من سبيل عدا القيام بخطة لإنقاذه والبدء في تنفيذها كما حصل سابقا لبنوك ألمانية وأوروبية مثل بنك "هيبو ريال إستايت". وتذهب التقديرات إلى أن البنك الألماني وبنوك أوروبية أخرى وفي مقدمتها بنوك إيطالية ترزح تحت عبء قروض فاسدة بقيمة في حدود 900 مليار يورو. وقد كلف إنقاذ البنوك الألمانية منذ عام 2008 حوالي 236 مليار يورو، حسب البنك المركزي الألماني. وإذا أخذنا بعين الاعتبار المشتقات المالية الفاسدة التي هي بحوزة دويتشه بنك، فمن المرجح أن تبلغ حاجياته مستوى عشرات المليارات لإنقاذه، سواء من خلال أموال دافعي الضرائب أو من خلال تنازل المستثمرين عن قسم من استثماراتهم داخل البنك.
استثمارات عربية في دويتشه بنك
السؤال القائم هو: إلى أي حد سيتأثر المستثمرون العرب والمتعاملون معه بأزمة هذا البنك؟ في مجال الأسهم خسر هؤلاء نصف القيمة، فقط خلال النصف الأول من العام الجاري. وبالنسبة للذين لديهم حقوق على البنك جراء استثمار أموالهم في مشتقات مالية معقدة، فليس هناك بيانات لمعرفة حجم الخسائر المحتملة. وفي كل الأحوال فمن المتوقع أن تزداد خسائر المستثمرين العرب وغير العرب في البنك، حيث سيلزمهم تحمل جزءا من أعباء إعادة الهيكلة. أما بالنسبة للذين لديهم حسابات جارية وودائع نقدية، فليس هناك من مخاطر على أموالهم، لأن مؤسسات التأمين واحتياطات البنك وإمكانية تسييل أصوله تتيح للبنك الوفاء بالتزاماته.