دول الربيع العربي- تحديات راهنة ومخاوف مستقبلية
٢٩ أكتوبر ٢٠١١هل يعد سقوط الحكام المستبدين ضمانة كافية للتحول الديمقراطي؟ ظهر هذا السؤال على الساحة بعد مرور عدة أشهر على سقوط النظامين التونسي ثم المصري وبعد مقتل القذافي الأسبوع الماضي، خاصة في ظل وجود مخاوف داخل البلاد وخارجها من التضييق على الحريات باسم الدين. برامج دويتشه فيله عربية الحوارية، التي أذيعت الأسبوع المنصرم، اهتمت بشكل خاص بالتوقعات الخاصة بمستقبل دول الربيع العربي.
قتل القذافي والمصالحة الوطنية في ليبيا
رغم الارتياح الذي ساد ليبيا والمجتمع الدولي بعد مقتل القذافي، إلا أن طريقة قتله أثارت جدلاً واسعاً بين ضيوف البرامج الحوارية لقناة دويتشه فيله عربية وكذلك على صفحة دويتشه فيله في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وفي هذا السياق علق البرلماني الألماني والسياسي في حزب الخضر توم كونيغس في برنامج "ضيف الأسبوع" قائلاً إن الصور التي عُرضت للقبض على الديكتاتور الليبي وتعذيبه فوراً كانت "صوراً غير إنسانية"، مشيراً إلى أن المجلس الانتقالي عليه أن يتعامل مع الخصوم أيضاً بشكل إنساني، خاصة وأن الإمكانية كانت متاحة لإحالة القذافي وعائلته للمحاكمة.
وشاركه الرأي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني روبرشت بولنتس، الذي أكد في برنامج "مع الحدث" على ضرورة إيضاح حيثيات مقتل القذافي من جانب المجلس الانتقالي، مشيراً إلى أن على المجلس أن يسمح بالقيام بتحقيق دولي. وأوضح أن "ما حدث قد يشكل خطراً على عملية المصالحة في ليبيا بين المعسكرات المختلفة وبناء البلد من جديد بشكل ديمقراطي وبحكومة لا يخاف منها الناس".
إلا أن منسق المجلس الوطني الانتقالي الليبي في بريطانيا جمعة القماطي لا يرى أن الطريقة التي انتهى بها القذافي، تشكل خطراً على روح المصالحة الوطنية. القماطي كان يتمنى أن يقدم الديكتاتور الليبي لمحاكمة عادلة "حتى يشهد العالم جرائمه التي قام بها خلال 42 عاماً"، لكنه يشدد على قناعته بأن ما وقع لم يكن سياسة رسمية.
ويوافقه الرأي في ذلك الدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصري، مشيراً إلى أن ما يحدث في الثورات لا يمكن تقييمه إلا في ظل ظروفه الخاصة جداً مستشهداً بما تم خلال الثورة الفرنسية من قتل الخصوم بالمقصلة وما حدث في العصر الحديث خلال الثورة الرومانية.
"للثورات منطقها الخاص"
واتفق معظم قرائنا في تعليقاتهم على صفحة دويتشه فيله في فيسبوك على أنه كان من الأفضل تقديم القذافي لمحاكمة عادلة، وقال علي القيسي في تعليقه: "أنا كناشط في حقوق الإنسان كنت أتمنى أن يحاكم هو وغيره محاكمة عادلة تكشف جرائمه، ولكن علينا الأخذ بعين الاعتبار أنه هو وأمثاله من أشاعوا ثقافة القتل والإعدام خارج نطاق القانون ودمروا مؤسسات الدولة".
وأعرب خليفة علي ماغوري عن رفضه لطريقة القتل، لكنه يقول عن ذلك أيضاً: "نعم أنا مع محاكمة عادلة وتوفير محامين وتكون تحت إشراف منظمات دولية وتطبق كل معايير الشفافية في المحاكمة والتحقيق، لكن ما حدث أن هؤلاء الثوار بين أزيز الرصاص والقناصة والموت يحاصرهم، وتحصلوا على قاتلهم".
وترى أمل الكرامي أن "الثورات لها منطقها" مضيفة في تعليقها أنه "كان من الأفضل لليبيين أن يقدموا نموذجاً مختلفاً، لكن نظراً لأكثر من أربعة عقود من ديكتاتورية لا مثيل لها يصعب الطلب من هؤلاء أن يروا الطاغية أمامهم ويعاملونه بشكل لائق".
وبينما شكك بعض القراء في تورط جهات خارجية أو داخلية في عملية مقتل القذافي "لإخفاء أدلة جرائمهم أو تعاونهم مع الديكتاتور الليبي" مؤكدين "أن الشعب كله يريده حياً لمحاكمته"، أعرب القارئ علوان كريم عن مخاوفه مما سيأتي، مشيراً إلى أن "القتل بهذه الطريقة لا يمكن تبريره"، ويضيف بالقول: "لا أعتقد أن بناء دولة مدنية دولة قانون بهذه الصورة ممكن". ويقول إيهاب صحراوي إن "مقتل القذافي بتلك الطريقة يطرح تساؤلات حقيقية حول وعود المجلس الانتقالي الليبي من قبل بضمان محاكمة عادلة للقذافي في حال اعتقاله، وهو ما لم يتم".
المخاوف من وصول الأحزاب الإسلامية
وفي تونس، حيث أظهرت نتائج انتخابات المجلس التأسيسي تقدماً واضحاً لحزب النهضة الإسلامي مقابل خسائر واضحة للأحزاب العلمانية. ورغم إعلان الحزب تمسكه بإعلان الحزب تمسكه بدولة القانون ومبدأ المساواة واحترام حقوق المرأة، فهناك ثمة مخاوف في داخل البلاد وخارجها من التضييق على الحريات العامة باسم الدين. وتتكرر هذه المخاوف في ليبيا أيضاً، حيث أعلن رئيس المجلس الانتقالي عبد الجليل مصطفى عن إلغاء القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية، فيما اعتبر محاولة للتقرب من الإسلاميين. وذلك قبل أن تبدأ المرحلة الانتقالية التي يفترض أن يتم فيها صياغة دستور البلاد وسن تشريعات تلائم التحول الديمقراطي.
في هذا الإطار أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني روبرشت بولنتس في برنامج "مع الحدث" عن عدم جواز تعميم الأحكام على كل الأحزاب الإسلامية، موضحاً أن الظروف تختلف من بلد إلى آخر وأن الأحزاب الإسلامية مختلفة فيما بينها هي الأخرى. ويضيف المسؤول الألماني بالقول إن الأهم هو محاولة استشفاف موقف هذه الأحزاب من المساواة بين الرجل والمرأة والحريات الدينية. وشدد البرلماني الألماني على أن ألمانيا سوف تتعامل مع أي حكومة منتخبة بشكل شرعي في تونس.
وحول الموضوع ذاته علق كونيغس، الذي عمل طويلاً في أفغانستان في برنامج "ضيف الأسبوع"، قائلاً "إن للشريعة عدة تفسيرات"، وهو يرى بالتالي أن الخوف من الشريعة أو من أنظمة بعينها "أمر سابق لأوانه". ويعتقد كونيغس أن الأهم هو تقييم كيفية قيام تلك الأحزاب أو الأنظمة بتفسير وتطبيق المبادئ على أرض الواقع. ويعطي مثلاً بالحكومة الإسلامية في تركيا، والتي حققت تقدماً واضحاً في مجال الديمقراطية وسيادة القانون.
وفي هذا الإطار يوضح كونيغس، النائب عن حزب الخضر، أنه لابد من إيجاد إطار قانوني يمنع التطرف، ويضيف: "في ألمانيا مثلاً يُمنع تأسيس حزب يدعو لمبادئ ضد حقوق الإنسان". ويؤكد كل من البرلمانيين الألمانيين على أن هناك عدة طرق وأشكال للديمقراطية وأن على كل دولة أن تختار الشكل الأنسب لها.
التزام الأحزاب الإسلامية بمكتسبات حقوق الإنسان
من جانبه اعتبر الدكتور الغزالي حرب في مداخلته في برنامج "مع الحدث" أن ظهور الأحزاب الإسلامية في دول أغلبية سكانها من المسلمين يعتبر أمراً طبيعياً. لكنه أعرب عن تفاؤله بالتزام هذه الأحزاب بالمكتسبات الأساسية للمرأة وحقوق الإنسان والحريات، "ليس فقط بسبب الضغوط الداخلية، ولكن أيضاً بسبب ضغوط المجتمع الدولي". وأضاف القماطي أن معظم الدساتير العربية تنص على أن الشريعة هي مصدر التشريع، لكن هذا لا يعني بالضرورة دولة دينية.
وحول هذا التساؤل اتفق معظم مستخدمي صفحة دويتشه فيله في موقع فيسبوك على أن الديمقراطية هي قبول رأي الأغلبية أياً كان، وقال محمد الدوادوة أن "صندوق الانتخابات هو الحكم، (...) وإذا ما وصل الإسلاميون أو غيرهم إلى السلطة عبر انتخابات نزيهة فحلال عليهم". وشاركته أمل الكرامي الرأي قائلة: "ربما تكون مخاوف البعض وخصوصاً النساء مبررة، لكن هذه هي الديمقراطية وهكذا تقرر الأغلبية". وقال علي القيسي إن من حق التونسيين الذين "صنعوا ثورة رائعة" أن يختاروا لأنفسهم "بلا تعيين ولا إكراه ولا غصب ولا رعب".
مخاوف من المحاكمات العسكرية والوضع الأمني في مصر
أما في مصر التي ستشهد أول انتخابات نيابية بعد سقوط مبارك، فما يزال الجدل مستمراً حول مدنية الدولة وحول آليات العزل السياسي لقيادات الحزب الوطني الذي انفرد بالحكم لأكثر من ثلاثين عاماً. في هذا السياق أعرب توم كونيغس، رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الألماني، عن تخوفه من بعض الصور التي يراها الآن في دول الربيع العربي، مثل حكم المجلس العسكري في مصر الذي "يصدر الأحكام ضد المحتجين والمختلفين في الرأي وبالتالي يسجنون لسنوات طويلة". وشاركه بولنتس هذا التخوف، موضحاً أن المشكلة الكبرى في مصر برأيه "هي حكم المجلس العسكري وعدم الشفافية"، وإصدار الأحكام العسكرية ضد أناس "لمجرد أنهم تظاهروا".
ويبقى الوضع الأمني تحدياً كبيراً في كل من مصر وليبيا، وإن كانت ليبيا تواجه تحديات أكبر نظراً للفراغ السياسي الكبير الذي سببته سيطرة القذافي على كل نواحي السياسة، وهو ما يوضحه القماطي قائلاً: "ليبيا تختلف عن مصر وتونس لأن الشعب لم يعرف على مر 42 عاماً أي ممارسات ديمقراطية، أو صناديق اقتراع وترشح أو انتخابات أو صحافة مستقلة أو مجتمع مدني".
سمر كرم
مراجعة: عماد غانم