دور روسي عسكري يثير قلق العرب من سيناريو تقسيم سوريا
٨ سبتمبر ٢٠١٥هل يدخل "الدب الروسي" بثقله على خط الصراع العسكري في سوريا؟ سؤال يثير انشغالا كبيرا في العالم العربي، وخصوصا لدى الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية والتي تراهن على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد من المشهد في أفق إنهاء الحرب الأهلية، التي تمزق البلد منذ أربع سنوات، سواء عبر حسم عسكري، يبدو مستعصيا، أو بالتوصل إلى حل سياسي.
التقارير الإعلامية تتواتر في وسائل الإعلام العربية والغربية حول تعزيز روسيا لحضورها العسكري في سوريا. وتتفاوت المصادر التي تستند إليها تلك التقارير في تقديراتها لحجم ونوعية الدور العسكري الروسي، بين مشاركة الجيش السوري بغارات جوية وصولا إلى معلومات وصور بالأقمار الصناعية عن بناء قاعدة عسكرية في اللاذقية التي تنحدر منها أسرة الرئيس الأسد، وهو ما كشفت عنه صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" استنادا إلى مصادر استخباراتية أميركية.
لكن من وراء هذه المعلومات، تُطرح تساؤلات الآن بحدة في العالم العربي، حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه دعم موسكو لحليفها نظام بشار الأسد، وهل يصل إلى حد التدخل العسكري المباشر في الصراع أم لا؟
وفيما يميل العميد الركن اللبناني المتقاعد نزار عبد القادر إلى الحذر في تحليله للمعطيات المتوفرة حاليا حول دور عسكري روسي في سوريا ويرى بأنها "ما تزال غير واضحة وأحيانا متضاربة"، يرى جمال خاشقجي الكاتب الصحفي السعودي المخضرم، أن هناك مؤشرات ترجح تدخلا عسكريا روسيا وتغييرا في مجريات الصراع ومخرجاته. في حوار مع DW عربية يعتقد خاشقجي أنه بات من الصعب على السعودية وحليفاتها مثل قطر وتركيا، أن تذهب بعيدا في استراتيجيتها لدعم المعارضة السورية وإسقاط الرئيس الأسد، لأسباب تتعلق بالتوازن بين اللاعبيْن الأميركي والروسي في الصراع على سورية.
قلق السعودية وحلفائها
يعود الدعم الاستراتيجي الروسي لسوريا إلى عقود الحرب الباردة، وحتى بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي استمرت سوريا، وتحديدا ساحلها المتوسطي عبر قاعدة طرطوس العسكرية، لتشكيل منفذ بحري أساسي للروس على المياه الدافئة في البحر المتوسط.
ولم يكن الدعم الديبلوماسي والسياسي الذي يلقاه نظام بشار الأسد من روسيا يثير أي مفاجأة لكثير من الدول العربية بما فيها تلك التي تلعب دورا مباشرا في الصراع في سوريا، مثل المملكة العربية السعودية أو قطر. لكن أن ينتقل هذا الدعم إلى مستوى تدخل مباشر في الصراع المسلح إلى جانب الجيش السوري والقوات الموالية للأسد، فهذا الأمر يثير "القلق وربما الاكتئاب" بالنسبة للدول الخيلجية وتركيا، التي تدعم المعارضة السورية وتراهن على سقوط النظام السوري ورحيل رئيسه، كما عبر عن ذلك الكاتب الصحفي المعروف عبد الباري عطوان في مقاله الإفتتاحي على موقع "رأي اليوم" اللندني.
وجاءت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي قال فيها "نقدم إلى سوريا أصلا مساعدة مهمة من معدات عسكرية وتأهيل لقواتها التي نسلحها"، لتؤجج المخاوف في المنطقة من تعزيز روسيا لدورها العسكري لجهة دعم نظام الرئيس بشار الأسد في مواجهة المعارضة التي تحقق في الآونة الأخيرة تقدما على جبهات عديدة وتعرض العاصمة دمشق إلى هجمات من قوات مناوئة للرئيس الأسد.
الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي يرى مؤشرات دالة على تدخل عسكري روسي لدعم نظام الأسد، ويعتبر أنها تبعث على "قلق كبير" لدى دول المنطقة، لأنها تعني "إطالة أمد الصراع في سوريا، بعدما كان كثيرون يرون فرصة قريبة في إنهائه هذا العام".
لكن الخبير العسكري اللبناني، العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، يفضل الحذر في التعامل مع المعلومات حول دور روسي مباشر في الصراع، ويشير إلى وجود تضارب في المعلومات المتداولة، فهنالك بعض التقارير "غير المؤكدة" عن بناء قاعدة عسكرية بحرية في اللاذقية إلى جانب قاعدة طرطوس القديمة، ومعلومات أخرى يرجحها الخبير العسكري اللبناني، وتتعلق بعملية تسليح للجيش السوري وتحديث عتاده الروسي المتقادم، عبر تزويده بـ"أسلحة نوعية" ومعها خبراء روس، ومن بينها صواريخ ومدرعات في مواجهة التجهيزات العسكرية التي تستخدمها المعارضة السورية وكذلك مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية". وأضاف الخبير العسكري أن الجيش السوري ربما يكون قد حصل على راجمات صواريخ يصل مداها مئات الكيلومترات، ليوظفها في ضرب أهداف بعيدة مثلما حدث اليوم (الثلاثاء 08 سبتمبر أيلول 2015) حيث انطلقت صواريخ من طرطوس (غرب البلاد) على مدى 300 كيلومتر إلى أهداف في شمال سوريا.
وإذا تحققت الخطوة الروسية فستكون، برأي العميد عبد القادر بمثابة إستجابة لطلب معلن من دمشق لروسيا بمساعدتها على تحديث الجيش السوري، ومن ضمنها طلبها الحصول على طائرات مروحية متطورة من طراز ماي Mi 28وطائرات ميغ 31 الحديثة.
"مقدمة لتقسيم سوريا"
وحول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه دعم روسيا لنظام بشار الأسد، تبدو التوقعات والقراءات في العالم العربي متباينة بحسب مواقف دول المنطقة من الصراع. ففي مصر يتم التركيز على تثمين الاهتمام الروسي بالحرب على "داعش". وبدوره الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي فتح في الآونة الأخيرة قنوات تعاون عسكري مع روسيا بعد عقود من الفتور في العلاقات، لم يُخف ترحيبه بدعوة موسكو إلى تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب. بيد أن هذه الخطوة لم تلق الترحيب من دول عربية أخرى وخصوصا الخليجية التي تدعم مباشرة المعارضة السورية وترى أن فتح هكذا جبهة سيكون عملا مربكا للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش"، كما أنه سيشكل طوق نجاة للرئيس السوري وبالتالي تغيير مجريات الصراع في سوريا لصالح بقاء هذا الأخير في السلطة.
ويعتقد الخبير الإستراتيجي اللبناني نزار عبد القادر أن فشل موسكو في إقناع الأطراف الإقليمية بخطتها في إيجاد حل سياسي في سوريا يكون فيه الرئيس السوري شريكا في الحرب على "داعش"، قد يكون وراء سعي موسكو الآن لفرض حضورها العسكري المباشر.
لكن لماذا تسعى موسكو الآن لتعزيز حضورها وما هي الأهداف التي تريد تحقيقها؟ بالنسبة للكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فإن الروس يسعون إلى "وقف الصراع المسلح عبر وقف لإطلاق النار، يحافظ من خلاله نظام الأسد على المناطق التي يسيطر عليها حاليا، وهي عمليا العاصمة دمشق والمناطق الساحلية"، في إشارة للمناطق التي تسكنها الأقلية العلوية التي ينحدر منها الرئيس الأسد.
ويتفق خاشقجي مع الخبير اللبناني حول خلفيات الدعم الروسي الموجهة للمناطق الساحلية، وبأنه خطوة تحضّر لمشروع قيام "دويلة علوية" حسب تعبير نزار عبد القادر أو "سوريا الإيرانية" كما يطلق عليها خاشقجي، الذي يذهب في قراءته لتداعيات الدور الروسي واصطدامه بتمسك كل طرف إقليمي مؤثر في الصراع بمواقفه إلى تكريس سيناريو "مضر جدا للمنطقة"، أي تقسيم سوريا إلى أربع مناطق تهيمن التقسيمات الطائفية على تركيبتها: منطقة ساحلية غربية يسيطر عليها بشار الأسد بدعم إيراني، ومنطقة شمالية تكون بمثابة مساحة للنفوذ التركي المتداخل مع الحضور الكردي، ومنطقة جنوبية خاضعة للنفوذ العربي السعودي الأردني، ومنطقة شرقية يسيطر عليها تنظيم "داعش" الذي لا يتوقع تمدده في سوريا بفعل الضربات التي يوجهها له التحالف الدولي، لكنه قد يتحصن في المناطق الشرقية من البلاد التي يسيطر عليها، مكتفيا بها كقاعدة "لخلافته".
خيارات محدودة
وفي ظل وجود مؤشرات على دور عسكري روسي مباشر في الصراع بسوريا، وبعد توصل إيران مع القوى الست لاتفاق حول برنامجها النووي، فقد لا يتيح ميزان القوى الإقليمي ولا الدولي للسعودية وقطر وحليفتهما تركيا خيارات كبيرة. ولا يبدو أن الزيارة الأخيرة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى واشنطن قد أحدثت تغييرا في موقف إدارة الرئيس باراك أوباما من مسألة الحسم العسكري ضد نظام الأسد. "تردد الرئيس أوباما وتقاعس إدارته، يعني عدم حصول السعودية على الدعم الذي تريده من الولايات المتحدة كما أنه يعني أن إسقاط الأسد في ظل حماية الروس له بات أمرا صعبا"، يقول خاشقجي مستنتجا "للأسف فإن تقسيم سوريا قد يكون أفضل الخيارات، ولكنه سيكون لفترة مؤقتة".
منصف السليمي