دور الجنود من أبناء المستعمرات في الحرب العالمية الأولى
٣ أغسطس ٢٠١٤يسير أحد الجنود، المنحدرين من إحدى مستعمرات فرنسا في أفريقيا، بكامل عتاده وسلاحه معتدا بنفسه، وهو يحمل بندقية على ظهره وسكينة في فمه. إنها صورة كاريكاتورية تعود لفترة الحرب العالمية الأولي، وهي تعكس مضمون الدعاية السياسية لألمانيا آنذاك؛ ويبدو أن هدفها إثارة الإشمئزاز لدى المواطن الألماني، فالجندي الأفريقي يحمل في إحدى يديه رأس جندي ألماني، وعلى الصورة تعليق يقول "حصاد السيد بودو بادابو". وهذا الاسم هو محاكاة لاسم معروف في أفريقيا. وادعت ألمانيا آنذاك أنها غاضبة لاعتماد فرنسا على جنود منحدرين من مستعمراتها في أفريقيا أيضا. وبموجب الدعاية السياسية الألمانية لم يكن الجنود الأفارقة إلا حيوانات مفترسة، لا يتورعون حتى عن تشويه أعدائهم.
في خدمة المستعمِرين
أشركت فرنسا وبريطانيا منذ البداية جنودا من مستعمراتهما في معارك الحرب الجارية في أوربا. واعتمدت بريطانيا بشكل خاص على جنود منحدرين من مستعمرتها في الهند، في حين اعتمدت فرنسا في الدرجة الأولى على جنود من مستعمراتها في شمال أفريقيا وغربها.
وبموجب الدعاية الألمانية كان إشراك جنود سود في المعارك ضد جنود بيض في أوربا فضيحة. وينسجم ذلك مع الصورة الكاريكاتورية المذكورة أعلاه، ففيها يظهر جندي فرنسي أسود يثير الرعب في نفس المشاهد ويعطي الانطباع بأنه قاتل بربري.
وتكاثرت في فترة الحرب العالمية الأولى ما بين عامي 1914 و 1918 تقارير الصحف الألمانية عن المعارك الوحشية المزعومة التي شنها الجنود الأفارقة والآسياويون. وكثيرا ما كانت التقارير تدور حول قيام هؤلاء بقطع الرؤوس والآذان وسعيهم المزعوم والدائم للظفر بإمرأة بيضاء.
الحرب في المستعمرات
رغم هذه الدعاية العنصرية شارك في الحرب جنود أفارقة في صفوف الجيش الألماني أيضا. لكن في معارك وقعت بعيدا عن الإمبراطورية الألمانية، وذلك في المستعمرات الألمانية الأربع في أفريقيا وهي: ناميبيا وجزء من تنزانيا والكاميرون وتوغو. ولاسيما في مستعمرة شرق أفريقيا، التي هي جزء من تنزانيا الحالية، خاضت ألمانيا معاركها بالاعتماد على جنود أفارقة.
إلا أنه يظهر في مقدمة ملصق دعائي ألماني رجل أبيض أصبح مشهورا كبطل حرب ألماني في ميدان القتال في افريقيا، وهو الجنرال بول فون ليتو فوربيك، ممتطيا صهوة جواده وحاملا سيفه في يده. ولا يظهر جنود محليون إلا في خلفية الصورة. وعليه، فإن هذا الملصق يعبر عن موقف وسياسة ألمانيا آنذاك، وهو يشير إلى أن الجندي المحلي (الأفريقي) قد لعب دور المقاتل التابع والمخلص والمستعد للتضحية بحياته في نفس الوقت من أجل انتصار ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. وهذا الموقف والنظرة الألمانية إلى الجنود من أبناء المستعمرات كانت تشترك فيه بريطانيا وفرنسا أيضا.
ولم يتمكن سكان المستعمرات من تغيير هذه النظرة (الأوروبية) النمطية إليهم وتغيير توزيع الأدوار مع مستعمريهم، إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والحصول على استقلالهم، وإنهاء تبعيتهم للدول المستمعرة.