دمج "الحشد" في الجيش العراقي.. مهمة صعبة رغم الضغوط
١٧ يوليو ٢٠١٩في حين تسعى الحكومة العراقية للتوسط في الأزمة بين أمريكا وإيران، تزداد ضغوط واشنطن على بغداد من أجل تحقيق رغبتها بحل قوات الحشد الشعبي، المدعومة من إيران، أو دمجها في الجيش العراقي. ونقلت مصادر إعلامية عراقية أن الولايات المتحدة أجلت زيارة كانت مقررة لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى واشنطن يوم الاثنين المقبل 22 يوليو/ تموز 2019، مشيرة إلى أن سبب تأجيل الزيارة هو ما اعتبرته الإدارة الأمريكية "تسويف عبد المهدي بتحقيق رغبة أمريكا في حل ميليشيات الحشد الشعبي ومحاولة تذويبها في القوات المسلحة".
وكان عبد المهدي قد أصدر بداية الشهر الجاري مرسوما يأمر باندماج فصائل الحشد الشعبي في القوات المُسلحة الرسمية، وذلك بعد أسبوعين من أول هجوم ضمن عدة هجمات على قواعد عراقية تستضيف القوات الأمريكية وعلى موقع تستخدمه شركة طاقة أمريكية. ولم تعلن أي جهة المسؤولية عن تلك الهجمات، لكن مسؤولين محليين حمّلوا الفصائل الشيعية المسلحة المسؤولية عن إحداها. ولم يرد تعقيب من إيران.
ويطرح القرار العراقي الجديد بدمج قوات الحشد الشعبي بالقوات المسلحة النظامية تساؤلات عن أسباب هذا القرار وتوقيت صدوره، كما يثير شكوكاً لدى بعض الخبراء من إمكانية تحقيقه بالفعل.
لماذا الآن؟
يرى الكاتب في الشؤون السياسية ياسر الجاسم أن قرار عبد المهدي جاء بضغط أمريكي لردع قوة الحشد الشعبي المتنامية منذ تشكيله. وأضاف الجاسم خلال مشاركته في برنامج "العراق اليوم" من DWعربية: "إصدار القرار يظهر أن الضغوط الأمريكية تؤتي أكلها".
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد أبلغ زعماء العراق خلال زيارة مفاجئة لبغداد في أيار/مايو الماضي أنه في حالة عدم تمكنهم من كبح جماع الفصائل المدعومة من إيران فإن الولايات المتحدة "سترد بقوة".
ويشير المحلل الأمني هاشم الهاشمي، الذي يقدم المشورة للحكومة العراقية، إلى أن انتماء الحشد الشعبي لأجهزة العراق الرسمية يعني أن أي هجوم على تلك الفصائل سيحتسب هجوماً على العراق. ويرى الهاشمي في حديث لرويترز أن الفارق الأساسي بين مرسوم عبد المهدي ومرسوم آخر مشابه وضعه سلفه حيدر العبادي هو التوقيت، مضيفاً أن قرار العبادي "لم يدخل حيز التنفيذ".
هل دمج الحشد الشعبي بالقوات النظامية ممكن؟
ويقدر المحلل السياسي ياسر الجاسم أن دمج قوات الحشد الشعبي بالقوات الأمنية العراقية "صعب جداً في الوقت الراهن"، ويتساءل: "ما هي قدرة الدولة العراقية على تنفيذ هكذا قرار مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحشد أقوى من الجيش النظامي داخل العراق".
وقد لعبت قوات الحشد الشعبي، التي تأسست بفتوى صدرت من المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، عام 2014، دوراً بارزاً في هزيمة تنظيم "داعش". كما أنها تتمتع بنفوذ واسع في السياسة العراقية. وتتبع القوات لرئيس الوزراء الذي يشغل منصب قائد القوات المسلحة، لكن المرسوم الجديد يجبر الفصائل التي يتألف منها الحشد على الاختيار بين العمل السياسي أو العسكري.
وقد رحب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي احتل فصيله السياسي المركز الأول في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بمرسوم عبد المهدي، وحثّ فصيله المسلح على الاندماج في القوات المسلحة. ويصور الصدر نفسه على أنه قومي يعارض نفوذ واشنطن وإيران.
ويشرح المحلل السياسي واثق الهاشمي خلفية المشكلة الأساسية المتمثلة في غياب أمكانية السيطرة على فصائل الحشد التي تتبع لإيران، ويضيف للقناة الألمانية الأولى: "الحشد مجموعتان، المجموعة الأولى تتكون من الذين اتبعوا فتوى السيستاني، وهؤلاء مخلصون للعراق، والمجموعة الثانية تتبع إيران وهي منظمة ولا يمكن السيطرة عليها".
وجاء في المرسوم أن من يختارون الاندماج في صفوف الجيش عليهم التخلي عن جميع المُسميات التي عملوا بها وقطع أي ارتباط بالفصائل السياسية. أما من يختارون العمل السياسي فلن يُسمح لهم بحمل أسلحة. ونص المرسوم على إغلاق جميع المقرات والمكاتب الاقتصادية ونقاط التفتيش التابعة للفصائل المسلحة. وأمهل الفصائل حتى نهاية تموز/يوليو الجاري للالتزام بالضوابط الجديدة.
ويعتقد الكاتب في الشؤون السياسية ياسر الجاسم إلى أن من أهم التفاصيل التي لم يذكرها قرار عبد المهدي هو مسألة الأسلحة التي بيد فصائل الحشد، ويضيف: "المشكلة أنه لم يذكر إلى أين ستذهب الأسلحة". ويحذر الجاسم من أنه حتى ولو استطاع عبد المهدي دمج فصائل الحشد بالقوات النظامية "شكلياً"، فإن "الحشد سيكون داخل الجيش لكنه سيكون أقوى من القوات النظامية ولذلك فقد يسيطر عليه، إن لم تكن هناك رؤية واضحة لدى الدولة" على حد تعبيره، ويختم: "قد يصبح القرار بيد قياديي الحشد وليس بيد قادة الجيش العراقي".
محيي الدين حسين