دعوات الصدر للاحتجاج - لمحاربة الفساد أم غطاء لهدف آخر؟
٢١ مارس ٢٠١٦تتواصل وقفات الاعتصام والاحتجاجات التي دعا إليها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر منذ أسبوع في العاصمة العراقية بغداد عند المنطقة الخضراء الحصينة، حيث مقر الحكومة والسفارات الأجنبية. هذه التطورات إنما هي "رد على الفاسدين من الذين سكنوا الخضراء"، على حد قول إبراهيم الجابري مسؤول مكتب التيار الصدري في بغداد.
مقتدى الصدر نفسه يقول إن هذا الحراك الشعبي إنما يؤكد مطالب العديد من العراقيين، والتي كان هو بدوره قد رفعها من قبل، بالإصلاح ومحاربة الفساد. وكان الصدر قد أمهل رئيس الحكومة حيدر العبادي في 13 شباط/فبراير الماضي 45 يوما للقيام بإصلاحات حكومية. ويفترض أن تنتهي هذه المهلة بنهاية الشهر الجاري.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي دفع الصدر إلى تصعيد لهجته ضد الحكومة العراقية التي يشارك فيها بعدة وزراء؟
تصعيد بعد نفاذ سبل الحوار ؟
"أعتقد أن السيد مقتدى الصدر استنقذ أساليب الضغط السياسي عبر الحوار مع الطبقة السياسية وخاصة ما يتعلق بالبيت الشيعي"، على حد قول الصحفي والمحلل السياسي العراقي عبد المنعم الأعسم. ويضيف في حديث لـDWعربية قائلا: "هذه التطورات (التي يشهدها الشأن العراقي) إنما تعكس الاضطرابات التي يعاني منها البيت الشيعي إلى درجة التنافر بين الزعامات الشيعية وبين الكتل الشيعية التي تشكل الأغلبية البرلمانية." ويوضح الأعسم أن هذا "الصراع" بين القوى الشيعية ينعكس أيضا في "تزايد التصلب في مواقف الزعامات الشيعية التي لا تريد أن تتراجع أو أن تتنازل عن امتيازاتها" في إشارة إلى رفضها التخلي عن نظام المحاصصة الطائفية وتشكيل حكومة خبراء مستقلين غير متحزبين.
ويطالب الصدر بإنهاء المحاصصة السياسية التي أقرها كبار قادة الأحزاب السياسية الحاكمة للبلاد منذ 13 عاما واختيار وزراء تكنوقراط، وفتح ملفات الفساد التي ارتكبها مسؤولون يحتمون بالأحزاب الكبرى.
وكان الصدر، الذي تملك كتلته 34 مقعدا في البرلمان العراقي، قد أعلن براءته من وزراء يمثلون التيار الصدري مازالوا يشاركون في الحكومة العراقية التي تتهم بانعدام الكفاءة وتعاني من الفساد بشكل واسع. ويشير الأعسم إلى أن الصدر يتحدث بلسان "الملايين من العراقيين" الذين ضاقوا ذرعا من استشاط الفساد داخل أجهزة الدولة وتدهور الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد، خاصة بعد سيطرة تنظيم "داعش" على أجزاء واسعة من العراق.
وتظهر أرقام لمنظمات غير حكومية دولية مدى تفشي الفساد في العراق، فرغم أن احتياطيات العراق من النفط الخام هي من بين أكبر الاحتياطيات على مستوى العالم، إلا أنه يحتل المركز 161 بين 168 دولة في مؤشر الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2015. وفي سياق متصل، قالت لجنة النزاهة بالبرلمان العراقي، التي تحقق في اتهامات تتعلق برشاوى، إنها تناولت في العام الماضي 13067 حالة تشمل ما يقرب من أربعة آلاف موظف عمومي ومسؤول حكومي من بينهم 18 وزيرا حاليا أو سابقا.
"الصدر يريد العودة بقوة إلى الساحة السياسية"
لكن الصدر يريد أيضا "العودة بقوة إلى الساحة السياسية الشيعية في العراق"، على ما يرى أحمد علي من معهد الدراسات الدولية في الجامعة الأمريكية في العراق في تصريح لوكالة فرنس برس.
رأي يؤيده الكاتب العراقي صلاح النصراوي الذي يرى، في مقال نشرته الجزيرة على موقعها الالكتروني باللغة الإنجليزية مطلع الشهر الجاري، أن مقتدى الصدر اتجه لتعبئة الشارع ضد الحكومة العراقية إنما لأجل أن يكون له موقع مؤثر في السلطة العراقية. ويعزو لهجة مقتدى الصدر التصعيدية إزاء الحكومة إلى سببين: أولها، تصاعد الصراع الشيعي-الشيعي على النفوذ في العراق من جهة، ومن جهة أخرى مخاوف الصدر من تراجع نفوذ ميليشيا "سرايا السلام" التابعة لتياره والتي أصبحت تشهد منافسة شديدة بعد تأسيس عدة ميليشيات شيعية أخرى كان الهدف من وراءها بالدرجة الأولى محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي لا يزال يسيطر على عدة مناطق في العراق.
استغلال غضب الشارع لتوسيع النفوذ؟
ويرى مراقبون أن الصدر من شأنه استغلال الغضب الشعبي إزاء إخفاق الحكومات المتعاقبة على العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في تحسين ظروف المعيشة وتفشي الفساد ، وتجيير ذلك لصالحه، حيث يشيرون إلى أن الصدر قد يعمد إلى سحب الثقة من رئيس الحكومة حيدر العبادي.
في سياق متصل، أكد الصدر في وقت سابق – ورغم أن كتلته في البرلمان لا تملك أغلبية لإسقاط العبادي من خلال التصويت إذا ما قررت بقية الأحزاب تأييد الأخير – أنّ بوسعه مواصلة الضغط على رئيس الوزراء بتعبئة أنصاره على المستوى الشعبي لمواصلة احتجاجاتهم بما قد يؤدي إلى اختراق المنطقة الخضراء. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل ما إذا كانت هناك أهداف أخرى وراء هدف محاربة الفساد المعلن؟
كيفما كان مقتدى الصدر، فهو جزء فاعل في المشهد السياسي العراقي الذي تتفاقم مشكلاته في ظل فشل جميع المكونات في تغيير الوضع الذي خرج به العراق بعد الإطاحة بصدام حسين ونظام البعث عام 2003 .
كما أن هناك اتهامات تحوم حول مقتدى الصدر، الذي ظهر على الساحة السياسية العراقية عام 2003 من خلال تشكيل ما عرف بـ"جيش المهدي" الذي كان يعلن الحرب على ما دأب أن يسميه "الاحتلال الأمريكي" للعراق. هذه الاتهامات تذهب إلى أنه قد شكل فرق اغتيالات لاستهداف خصومه من السنة والشيعة. على أية حال يبقى مقتدى الصدر "شخصية مثيرة للجدل"، على حد قول النصراوي.