دعم الأسرة يمثل تحدياً "استراتيجياً" لمستقبل المجتمع الألماني
يعد عدد المواليد في كل مجتمع معياراً لديناميكيته الاقتصادية وضماناً يحافظ على ارتفاع مستوي إنتاجيته وقدرته على المنافسة. ومن هذا المنطلق يأتي الانخفاض المتزايد لعدد المواليد في القارة الأوروبية عامة وفي ألمانيا خاصة. ويؤدي الارتفاع الملحوظ في مستوى العناية الصحية إلى تزايد نسبة كبار السن الذين يُعتبرون من وجهة نظر اقتصادية بحتة شريحة غير "منتجة. وهذا ما يؤثر سلبياً على النمو الاقتصادي لدرجة أنه يهدد مستقبل التوازن الاجتماعي. وتلقى هذه الحقائق التي لا لبس في صحتها اهتماماً خاصاً في الآونة الأخيرة من قبل النخب السياسية والاقتصادية. وقد أدى هذا الأمر إلى تغيير نظرة "مجتمع الحداثة والمعرفة" المفتوح إلى دور الأسرة كركيزة محورية لكيان المجتمع.
وعي اجتماعي جديد
ساهمت المعطيات الإحصائية التي تفيد بأن نسبة شريحة الشبان والشابات داخل المجتمع الألماني ستكون الأقل في دول الإتحاد الأوروبي بحلول عام 2020 في خلق وعي جديد بضرورة العمل على رفع نسبة المواليد لمعالجة النقص السكاني الناتج عنه وما يفرزه من آثار سلبية مباشرة على عجلة الاقتصاد وعلى أغلب مجالات الحياة. كما أن هذا الاهتمام الجديد لا يعود إلى إدراك الأضرار البالغة عن هذا التطور الديمغرافي فقط، بل يرتبط أيضاً بحقيقة أن الهجرة من دول العالم الثالث إلى أوروبا، التي كان ينبغي أن تساهم في إحلال التوازن السكاني في المجتمعات الغربية، تتناقص بشكل ملحوظ وخصوصا بعد تداعيات أحداث 11 سبتمبر، وما تبعها من ازدياد ملحوظ في مخاوف غالبية كبيرة في المجتمعات الأوروبية من "خطر المهاجرين" الجدد.
نسبة المواليد عامل اقتصادي و"إستراتيجي"
#b#
في هذا السياق تشير دلائل كثيرة إلى أن هذه الحقائق الموضوعية تضع المجتمع الألماني والطبقة السياسية أمام معضلة واجبة الحل، كما أنها تشكل عاملاً "إستراتيجياً" يؤثر على مستقبل وكيان الدولة بعينها. ومن أجل مواجهتها بشكل فعال اتفقت الحكومة الاتحادية مع قوي أخرى في المجتمع مثل ممثلي أرباب العمل على التعاون المشترك في إطار "حلف للأسرة" من أجل توفير أجواء وظروف عمل تتيح للمرأة العاملة التوفيق بين متطلبات عملها ورغبتها في الإنجاب. وأكد المستشار الألماني غيرها رد شرودر في هذا السياق بأنه "لا يجوز السماح بأن يكون الخوف من فقدان المستقبل الوظيفي سبباً لتخلي إمراة عاملة عن الإنجاب".
ويصب تعليق المستشار في خانة تشديد ممثلي الاقتصاد الألماني على مطالبتهم بتسريع الإجراءات القانونية الكفيلة بتشجيع الأمهات الشابات على إنجاب الأطفال في الفترة النيابية الحالية، وهم ما يعود إلا أن الاقتصاد الألماني يعاني من نقص حاد في العمالة المؤهلة ويخشى من فقدان قدرته التنافسية في المستقبل.
تأخر المجتمعات العربية رغم ارتفاع معدل المواليد
وفي غضون ذلك تجري حالياً مناقشات في الجمعية الوطنية الفرنسية حول مشروع قانون جديد يسهل من إجراءات تبني الأطفال من خارج فرنسا وتوحيدها لتشمل كل مناطق الجمهورية الفرنسية. وفيما يتعلق بالمجتمعات العربية فإن هذه الإشكالية تظهر بشكل مناقض للغاية لطبيعة المشكلة الأوروبية. ففي الوقت الذي تبحث فيه الدول الأوروبية عن سبل ناجعة
للحد من مخاطر ظاهرة "الهرم السكاني" تواجه الدول العربية صعوبات كبيرة في نشر الوعي في المجتمعات العربية بضرورة تحديد النسل لتجنب "قنبلة ديمغرافية عربية" معرضة للانفجار في ظل تردي أداء الاقتصاديات العربية في السنوات الأخيرة.
وهنا يبدوا التعليم أحد الوسائل المؤثرة على "تنظيم الأسرة"، فهو يؤثر بصفة مباشرة على تحسين وعي المرأة وذلك نتيجة لمعرفتها لأبعاد الإنجاب غير المقنن في مجتمع متعولم قائم على المعرفة وارتفاع مستوى الإنتاجية.