دروس إضافية لتلاميذ من أصول مهاجرة لتجاوز عائق اللغة الألمانية
٢١ يونيو ٢٠١٣بدأ الفصل هذا الصباح بالبكاء، فالتلميذ دينيس هاجم زميلته باولين التي تضع نظاراتٍ طبية جديدة عندما قال لها إن منظرها غريبٌ بسبب تلك النظارات. هذا النقد لم تستسغه باولين وجعلها حزينة، كما جعل معلمة اللغة الألمانية غابريلا شيفار تحتاج لبعض الوقت حتى تُعيد الأمور إلى نصابها وتُقنع باولين بأن نظاراتها جميلة وتعاتب دينيس على كلامه غير اللائق.
بعد عودة الهدوء إلى الفصل بلحظة قصيرة شرعت باولين في صياغة جملة جميلة على شكل سؤال تتضمن الفعل والفاعل والمفعول به وتقوم بتوجيهه لزميلها إمري. وبعد جوابه الصحيح طرح بدوره سؤالاً على زميله علي.
صف يضم تلاميذ من 11 بلداً
في الصف الثالث في مدرسة "إريك كيستنار" الابتدائية بمدينة بون تُدرس المعلمة غابريلا شيفار 23 تلميذاً من إحدى عشرة دولة. أصول بعض تلاميذ هذا القسم تعود لأكثر من بلد كالتلميذ ليو الذي يقول " أنحدر من بريطانيا وأبي هولندي بينما أمي من جنوب إفريقيا، أما أختي فهي ألمانية، أي من هنا".
وعلى الرغم من تعدد أصول وجنسيات تلاميذ مدرسة "إريك كيستنار" ورغم تواجدها في حي يعيش أغلبُ سكانه من المساعدات الحكومية، فإنها ليست كتلك المدارس التي تتسم بوجود بؤر الصراع الدائمة، إذ يشكل تلاميذها مزيجاً ثقافياً متنوعاً.
دروس إضافية لإتقان اللغة الألمانية
ينحدر تلاميذ المدرسة من عائلات مهاجرة من آباء يعملون كأطباء وصيادلة وأساتذة جامعيين. ومن بين الأمور التي تثير الانتباه هو أن التلاميذ لا يتحدثون بلغات غير اللغة الألمانية، التي تعتبر لغة التواصل بينهم باستثناء بعض الأحيان أثناء الاستراحة عندما لا يرغب أحدهم أن يفهم الآخرون ما يقوله، حسب تعبير الُمربي الخاص ماركوس فولف.
ويُنظم هذا الأخير منذ سنوات دروس الدعم لتلاميذ مدرسة "إريك كيستنار" الذين يواجهون صعوبات في الفهم. صحيح أن التلاميذ يتعلمون اللغة الألمانية في المدرسة كلغة للأطفال من أصول مهاجرة، أي كلغة ثانية كما تقول المعلمة شيفار، غير أنهم يقدمون للتلاميذ ساعات إضافية في اللغة الألمانية. في هذا الصدد تقول شيفار "نحن نفكر في المواد التي لا تفوتهم فيها أشياء كثيرة ونزيدهم مكانها دروساً عن اللغة الألمانية كلغة ثانية".
الآباء يدفعون تكاليف الدروس الإضافية
أصبحت الدروس الإضافية في المدارس الألمانية شيئاً معتادا،ً فالمسؤولون عن المدارس حاولوا استدراك النتائج المحتشمة لأداء تلاميذ مدارسهم كما أظهرت ذلك نتائج العديد من الدراسات كالتي يقوم بها البرنامج الدولي لتقييم الطلبة PISA. لكن آباء وأولياء أمور تلاميذ مدرسة "إريك كيستنار" عبروا لإدارة المدرسة عن أنّ عدد الساعات الإضافية المقدمة لأبنائهم غير كاف.
ولكي يضمنوا تعليماً جيدا قدر الإمكان ساهموا ماليا قصد توظيف معلم جديد يقوم بهذا العمل، حيث قاموا بتأسيس جمعية تقوم بجمع المال الذي يُضاف إليه دعم المسؤولين الحكوميين على المدارس. وتصل مساهمات بعض الآباء إلى مبالغ كبيرة لمساعدة الجمعية لأداء المهمة التي أٌسست من أجلها.
وأما المعلمة غابريلا شيفار والُمربي الخاص ماركوس فولف فلا يهمهما إن كان الدافع وراء مبادرة الآباء تلك هو الهم الذي يحملونه تجاه التلاميذ ذوي المستوى التعليمي الضعيف أم الخوف من أن تحول الصعوبات اللغوية أمام نجاح أبنائهم.
وتنظر شيفار وفولف إلى المنصب الجديد الذي تم إحداثه في المدرسة لتقديم المشورة والتوجيه لكل تلميذ على حدة ـ كمثال واضح على أن بعض المال من شأنه حل بعض المشاكل التي تعرفها المدارس.
الصينية أهم أحياناً من الألمانية
لا تلعب جنسية التلاميذ في الصف الثالث الذي تُدَرس فيه شيفار أي دور كبير، بل هناك عوامل أخرى كما تبين حالة التلميذ فيكتور المعقدة. فقد جاء هذا التلميذ إلى ألمانيا من شانغهاي الصينية بدون أي معارف لغوية بالألمانية. وما يجعل وضع هذا التلميذ أكثر تعقيداً هو كون عائلته ستعود في العام المقبل إلى الصين من جديد. ويعتبر أبواه اللغة الألمانية غير مُهمة لابنهم، أما هو فيقول "يجب علي أن أتعلم اللغة الصينية لعدة ساعات".
لكن بالنسبة للمعلمة شيفار فمن المهم أن يتابع فيكتور الدروس ويستوعبها. لهذا يقوم باستمرار بمرافقة إمري وزملائه الآخرين إلى قاعة فيها كتب لتعلم اللغة الألمانية. في تلك القاعة يقوم التلاميذ بالتمرن على اللغة ويساعدون بعضهم البعض لحل المشاكل اللغوية التي تواجههم. ويقول الُمرَبي الخاص ماركوس فولف "نقوم بتطوير برنامج لدعم التلاميذ بمعية المدرسين، لأن احتياجات التلاميذ مختلفة كليةً".
التعدد اللغوي يرفع من معنويات التلاميذ
بالنسبة للتلميذ إمري مثلاً لم تعد لديه أية مشاكل مع اللغة الألمانية، رغم أن البداية لم تكن سهلةً. يقول إمري "ينحدر أبي من إيران وأمي من العراق، وفي البيت نتحدث اللغة الفارسية". وهو فخور لكونه يتحدث الفارسية إلى جانب الألمانية. وهو نفس الشعور الذي يتقاسمه مع فيكتور وليو وعلي الذين يتحدثون لغتين بطلاقة.
ويلاحظ المرء كيف أن الاعتراف بكفاءاتهم اللغوية في المدرسة يشكل حافزاً لهم. تقول التلميذة ربيعة "زميلنا ليو يساعد كل من لا يعرف معنى كلمة إنجليزية معينة". وأما إلياس فيرى أن كل اللغات الأخرى مهمةٌ أيضا. وتوضح شيفار أن نتائج الجهود الجيدة والفعالة التي قامت بها مدرسة "إريك كيستنار" يعكسها مستوى التلاميذ ونتائجهم "فالتلاميذ ينظرون إلى الجنسيات الأخرى نظرة عادية ويدركون أن هناك أطفالاً آخرين يمكنهم مد يد المساعدة لهم قليلاً".
عندما يتحدث فيكتور أو إمري أو ليو عن أصولهم وعن عائلاتهم تبدو ملامح الخجل ظاهرةً على مُحيا زميلتهم إيلا التي تجلس بالقرب منهم وكأنها تحسدهم على معارفهم اللغوية المتعددة وعلى تنوع ثقافاتهم رغم أنها هي الأخرى تنحدر من جنوب ألمانيا المعروف بخصوصياته اللغوية والثقافية المتميزة.