دروز الجولان عالقون بين الاحتلال الإسرائيلي والحرب السورية
٣١ أغسطس ٢٠١٥بالنسبة لسكان قرية مجدل شمس الدرزية الواقعة في مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، فإن الحرب الأهلية وراء الحدود تعني ما هو أكثر من طلقات الرصاص، التي يمكن سماع أزيزها يومياً.
مجدل شمس، التي يبلغ عدد سكانها عشرة آلاف نسمة، تعتبر أكبر القرى الأربع التي بقيت بعد أن هُجّر أكثر من 130 ألف درزي سوري من أراضيهم. فهذه المنطقة السورية سابقاً سيطرت عليها إسرائيل أثناء حرب الأيام الستة عام 1967، واحتلتها بشكل كامل فيما بعد، وهو ضم لم يعترف به المجتمع الدولي حتى اليوم. وبالإضافة إلى هذه القرى، توجد في مرتفعات الجولان أيضاً 33 مستوطنة يهودية يعتبر بناؤها غير قانوني بحسب القانون الدولي.
ما تزال هناك صلات وثيقة بين دروز الجولان ووطنهم السوري، خاصة وأن أغلبهم تربطهم بسوريا صلات قرابة. كما أن الكثير من العائلات المفرقة بين الدولتين تتلاقى إما في الأردن أو على ما يسمى بـ"وادي الصراخ"، حيث يتواصل الطرفان عبر الحدود بالصراخ. أما القنيطرة، وهي المعبر الحدودي الوحيد بين سوريا والجولان المحتل، فبقيت مفتوحة حتى الآن فقط للطلبة والعرائس والحجاج. كما أن السلعة الوحيدة التي تعبر الحدود هي تفاح الجولان. لكن في أعقاب الحرب الأهلية السورية، تغيرت بعض هذه الصلات بشكل كامل ونهائي.
توتر متزايد
عندما قامت جبهة النصرة، المرتبطة بتنظيم القاعدة، في يونيو الماضي 2015 بارتكاب مجزرة في قرية قلب لوز الدرزية بمحافظة إدلب، والتي راح ضحيتها 23 من سكان القرية، بينهم أطفال، نزل السكان الدروز في إسرائيل إلى الشوارع وطالبوا الحكومة الإسرائيلية بالتدخل في سوريا لحماية الدروز، الذين يُعتبرون أقلية شيعية تنظر لها الجماعات السنية المتطرفة على أنها كافرة.
وفي يونيو أيضاً، ضربت مجموعات المعارضة المسلحة حصاراً على قرية حضر، التي تبعد بضعة كيلومترات عن مجدل شمس، على الجانب الآخر من جبل الشيخ، والتي تعتبر آخر معاقل النظام السوري على طول خط الهدنة في الجولان.
كما زادت التوترات عندما هاجمت مجموعة تتكون من مائتي شخص من مجدل شمس سيارة إسعاف تقل جرحى سوريين، والتي اعتقدت المجموعة أنهم من مقاتلي المعارضة، ما أدى إلى مقتل أحد الجرحى بعد أن ضُرب حتى الموت وإصابة آخر بجروح خطيرة. هذا الهجوم قوبل باستنكار واسع النطاق. وفي السنتين الماضيتين، وثقت قوة الأمم المتحدة (أندوف)، العاملة على مراقبة الهدنة بين سوريا وإسرائيل في مرتفعات الجولان، التواصل بين مقاتلي المعارضة السورية والجيش الإسرائيلي. ورغم أن إسرائيل تدعي أن تدخلها في سوريا جاء لأسباب "إنسانية" محضة وينحصر في معالجة الجرحى في مستشفياتها، إلا أن النقاد يتهمونها بدعم جبهة النصرة.
الدروز في الجولان وداخل إسرائيل
وباستثناء الاحتجاجات المذكورة أعلاه، فإن أغلب الدروز في الجولان نأووا بأنفسهم عن موقف إخوانهم في المذهب داخل إسرائيل.
ويقول توبياس لانغ، أستاذ العلوم السياسية ومؤلف كتاب حول الأقلية الدرزية في سوريا ولبنان: "خلال العقود الماضية، كان هناك جفاء في العلاقة بين الدروز في إسرائيل وإخوانهم في المذهب بالجولان ... أغلب الدروز في إسرائيل يخدمون في الجيش واتخذوا لأنفسهم هوية درزية إسرائيلية مميزة، بينما بقي الدروز في الجولان موالين لموطنهم".
أما سلمان فخر الدين، وهو درزي ويعمل في إحدى منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية المحلية، فيقول: "نحن لا ندعم معظم مطالبهم ... . شخصياً، أنا ضد الحرب، ولكن زيادة عدد الضحايا بشكل كبير يتعارض مع المطالب السلمية. الأمر متعلق بعائلاتنا ومواطنينا ... صحيح أننا (في الجولان المحتل من قبل إسرائيل) حصلنا على مزايا كثيرة من الحكومة السورية، والآن يتراجع نفوذ هذه الحكومة".
على مدى سنوات طويلة، سافر ما بين 400 و500 شاب وشابة من الجولان المحتل إلى سوريا من أجل الدراسة في الجامعات هناك، وساعد على ذلك أن الجامعات السورية لا تتقاضى رسوماً وأن الحكومة السورية كانت تخصص لهم راتباً شهرياً كجزء من منحة دراسية. ولكن بسبب الأوضاع الأمنية، يبقى أمام الطلبة الدروز خياران: إما الانخراط في الجامعات الإسرائيلية أو السفر إلى الخارج.
تفاح من الجولان
منذ عام 2005 تساعد منظمة الصليب الأحمر الدولي مزارعي الجولان على بيع منتوجهم من التفاح في سوريا، والذي تشتري الحكومة 20 في المائة من إجمالي محصوله. لكن تفاح الجولان يتعدى كونه منتجاً تجارياً أو زراعياً، ذلك أن الحكومة السورية تدفع مقابله سعراً أكبر من الذي يحصل عليه المزارعون في السوق الإسرائيلية.
حول ذلك، يوضح أسعد الصفدي، مدير إحدى معامل تحضير التفاح في مجدل شمس، لموقع قنطرة قائلاً: "في عام 2013 قمنا ببيع 14 ألف طن من التفاح في سوريا. لكن هذا العام والموسم الماضي كانا إشكاليين. كان محصولنا من التفاح كبيراً للغاية، إلا أن الأسعار في السوق الإسرائيلية كانت منخفضة للغاية. ولا يمكننا منافسة التفاح الذي ينتجه المستوطنون، لأنهم، أولاً، يتلقون أربعة أضعاف كمية المياه التي نتلقاها، وثانياً لأننا جميعاً من صغار المزارعين لا نمتلك نفس قوة التسويق". ويضيف الصفدي أنه في بعض السنوات، كانت تكاليف إنتاج التفاح أعلى من دخلها.
لكن سامح أيوب، وهو مزارع وناشط من مجدل شمس، يؤكد أنه "متمسك بالزراعة، لأنني من خلالها أحمي أرضي ... وهذا هو الحال بالنسبة لكثير من المزارعين. هناك القليل من الناس فقط ممن يمتلكون قطعة أرض صغيرة كي يعتاشوا منها. لذلك، نذهب إلى تل أبيب أو إلى المستوطنات لتحصيل المال الذي نحتاجه من أجل حماية مزارعنا". وبحسب القانون الإسرائيلي، فإن الأرض التي لا يتم استصلاحها لمدة 15 عاماً متوالية تؤول ملكيتها إلى الدولة.
انقسام بين مؤيدي ومعارضي النظام السوري
من جهته، لا يهتم سمير عويدات، البالغ من العمر 55 عاماً، كثيراً بالتفاح. فأثناء الأسبوع، يعمل سمير كهربائياً، ويقوم بزراعة وبيع الورود كهواية. يقول سمير: "ما يحصل في سوريا يمسنا جميعاً، بالطبع. هناك يُسلَّط الناس بعضهم على بعض"، في إشارة منه إلى الانقسام المتزايد بين مؤيدي ومعارضي النظام. جزء من عائلة عويدات ما يزال يعيش في دمشق، وحول ذلك يضيف: "أثناء فترة دراستي في دمشق، لم أكن أعرف من كان درزياً أو مسيحياً أو مسلماً. لم يهمني ذلك على الإطلاق. لقد كنا جميعاً سوريين".
في عام 1981 حاولت إسرائيل إجبار دروز الجولان على الحصول على الجنسية الإسرائيلية. رد فعل القرى الدرزية الأربع آنذاك كان إحراق بطاقات هويتهم الإسرائيلية الزرقاء في الشوارع والإضراب لمدة ستة شهور، الأمر الذي دفع الحكومة إلى الرضوخ. لهذا السبب، لا يمتلك أغلب السكان جنسية أو جواز سفر، ويكتفون بحمل وثيقة سفر تحدد جنسيتهم على أنها "غير معرفة". ولكن بحسب التقارير الإخبارية الإسرائيلية، فإن عدداً متزايداً من الدروز، خاصة من جيل الشباب، تقدم بطلبات في السنوات القليلة الماضية للحصول على الجنسية الإسرائيلية. وأحد الأسباب في ذلك هو تحسين فرصة الحصول على عمل داخل إسرائيل.
إيلينيا غوستولي
ترجمة: ياسر أبو معيلق