دراسة تبين تنامي مقاومة الأمراض للمضادات الحيوية عالميا
١٧ يناير ٢٠٢٣يحذر العلماء من أن المخلفات السائلة ومحطات معالجة مياه الصرف تمثل بؤر إقليمية رئيسية لظاهرة مقاومة الأمراض للمضادات الحيوية حيث تشير الدراسات إلى أن هذه المشكلة تتفاقم بشكل كبير. ويقول توماس فان بويكيل استاذ الجغرافيا الصحية بجامعة غوتنبرغ الألمانية إن "جمع البيانات يساعد في تكوين فكرة بشأن ما إذا كانت هناك تركيزات بتنوع كبير من المضادات الحيوية في المسطحات المائية المختلفة في قارة أسيا، والرد على هذا السؤال هو /نعم/".
ويتحدث الخبراء عن مقاومة المضادات الحيوية عندما لا تستجيب أجسام المرضى لمضاد حيوي معين، أي عندما لا يقضي المضاد الحيوي على البكتيريا المسببة لمرض معين.
ويعتقد فان بويكيل أن مقاومة المضادات الحيوية في الصين أو الهند على سبيل المثال تؤثر أيضا على أوروبا، ويوضح قائلا: "هناك العديد من الدراسات التي تظهر أن كثيرا من مسببات الأمراض التي تكونت لديها مقاومة ضد الأدوية أصبحت تنتشر حول العالم".
وتصل المضادات الحيوية إلى الأنهار والبحيرات والمحيطات والمياه الجوفية من مياه الصرف من المناطق السكنية والمستشفيات وشركات الصناعات الدوائية، حيث أن البشر والحيوانات الذين يتلقون العلاج بمثل هذه الأدوية يفرزون نسب ملموسة من هذه المواد في صورة فعالة بيولوجيا عبر البول والبراز.
وفي المناطق التي تصنفها منظمة الصحة العالمية تحت اسم "منطقة غرب الباسيفيك" والتي تضم الصين، و"منطقة جنوب شرق أسيا" التي تضم الهند، تدخل قرابة 90% من المخلفات السائلة جسم الانسان دون معالجة، بحسب دراسة حديثة قدمتها دورية Lancet Planetary Health العلمية.
وتشير الدراسات إلى أن الصين والهند من أكثر دول العالم انتاجا واستهلاكا للمضادات الحيوية، غير أن مقاومة الجسم لمثل هذه الأدوية أصبحت الآن من أكثر الأسباب شيوعا للوفاة في العالم.
مع تزايد بقايا المضادات الحيوية في البيئة، ترتفع المخاطر منظهور مزيد من مسببات الأمراض ذات القدرة على مقاومة الأدوية أو ظهور مسارات جديدة للمقاومة. فالفصائل المختلفة من البكتيريا يمكنها تمرير آليات مقاومة الأدوية إلى بعضها، وبالتالي تتسلل مسببات الأمراض ذات القدرة على المقاومة إلى أجسام البشر والحيوانات، وهو ما يرفع من معدلات الإصابة بأشكال العدوى التي لا يمكن علاجها بنجاح.
وتتفاقم المشكلة في دول غرب الباسيفيك وجنوب شرق أسيا نظرا لأن الكثيرين يستخدمون مياه الأنهار والبحيرات بشكل مباشر في أغراض الاغتسال والشرب، بحسب دراسة أجراها فريق من الباحثين في معهد كارولينسكا في ستوكهولم بالسويد تحت رئاسة الباحثة نادا هانا.
وقام الفريق البحثي بتقييم 240 دراسة تحليلية للموقف في دول المنطقتين من خلال قياس كميات المياه التي تلوثت بالمخلفات السائلة، وتحديد معدلات تدفق المياه داخل وخارج محطات معالجة مياه الصرف الصحي. وتأكد من خلال الدراسات أن هذه المحطات تمثل بؤر رئيسية لتكون المقاومة للمضادات الحيوية، حيث تم رصد 92 نوعا مختلفا من المضادات الحيوية الخاصة بالبشر والحيوانات في منطقة غرب الباسيفيك و45 نوعا في دول جنوب شرق أسيا.
وبحسب المجموعة البحثية، فإن أعلى خطورة من تكونالمقاومة للمضادات الحيوية جراء تناول مياه الشرب تأتي من نوعية المضاد الحيوي "سيبروفلوكساسين" الذي يشيع استخدامه في الصين ودول أخرى في منطقة غرب الباسيفيك. غير أنه في كثير من دول المنطقتين، مازال هناك نقص في البيانات بشأن نسب تواجد المضادات الحيوية في البيئة، حسبما يحذر فريق الدراسة.
ويعتبر تجنب الاستخدام الخاطئ وغير الضروري للمضادات الحيوية من الإجراءات المهمة للتصدي لانتشار المقاومة ضدها، وقد أظهرت الدراسات مرارا التساهل في استخدام المضادات الحيوية في كثير من الأحيان بالدول الصاعدة. وبحسب استطلاع نشرته الدورية العلمية Antimicrobial Resistance and Infection Control المعنية بدراسات الميكروبات وسبل مكافحة العدوى عام 2020، تبين أنه من الممكن شراء المضادات الحيوية بدون وصفة طبية خلال عام 2019 في أكثر من 80% من الصيدليات التي شملتها الدراسة، والتي يزيد عددها عن 1100 صيدلية.
وقامت 25% من هذه الصيدليات بصرف مضادات حيوية في حالة الإصابة بأعراض محدودة لأمراض الجهاز التنفسي، وتم بيع نصف المضادات المطلوبة بعد أن طلبها المرضى بالاسم.
وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن ما يقدر بـ1,3 مليون شخص يقضون نحبهم كل عام بسبب عدم فعالية المضادات الحيويةفي علاج أشكال العدوى التي أصيبوا بها. وتشير السلطات الصحية في الاتحاد الأوروبي أيضا إلى أنه بنهاية عام 2022، بلغ عدد من يلقون حتفهم سنويا بسبب مقاومة المضادات الحيوية في المنطقة الاقتصادية الأوروبية أكثر من 35 ألف شخص.
وفي الدورية العلمية Science Translational Medicine، حذر الباحثان مايكل كوك وجيرار رايت من جامعة ماكاليستر الكندية العام الماضي من اقتراب "عصر ما بعد المضادات الحيوية"، وهو ما يعني أنه لن يكون من الممكن بعد الآن علاج بعض أشكال العدوى التي كانت تعالج في المعتاد بواسطة أدوية تم التوصل إليها في القرن العشرين.
ع.أ.ج (د ب ا)