نتائج خطيرة يكشف عنها التقرير
١٢ أكتوبر ٢٠٠٦كشفت دراسة قام بها باحثون أمريكيون من جامعة جونز هوبكينز بلومبرغ للصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية النقاب عن أن 655 ألف عراقي قتلوا منذ بدء الحرب الأمريكية على العراق. وأوضح جيلبرت برنهام من كلية الصحة العامة في جامعة جونز هوبكينز أن الدراسة التي نشرت في مجلة "لانسيت" البريطانية بيّنت أن 2،5 بالمائة من سكان العراق قضوا بسبب هذه الحرب والصراعات التي تبعتها. وأضاف برنهام أن نسبة الوفيات في العراق ازدادت بمعدل ثلاث مرات بعد الحرب مقارنة بالفترة التي سبقت آذار/ مارس عام 2003 .
وتستند الأرقام التي قدمتها الدراسة إلى مسح أجراه باحثون من الجامعة المذكورة بالاشتراك مع زملاء لهم من جامعة المستنصرية في بغداد، وذلك بين أيار/ مايو وحزيران / يونيو الماضيين. وشمل البحث 1849 أسرة تضم 12801 فرد في 47 منطقة تم اختيارها بطريقة عشوائية في جميع أنحاء العراق. وكانت مجلة "لانسيت" قد نشرت في تشرين الأول / أكتوبر 2004 دراسة مفادها أن معدل الوفيات قبل الحرب في العراق وصل إلى 143 ألف سنويا.
أسلوب إحصائي
واتخذت هذه الدراسة الإحصائية من المقابلات أسلوبا. ولم تستند الدراسة إلى طريقة إحصاء الجثث، إذ توجه معدو الدراسة بطرح أسئلة مباشرة على الأشخاص الذين شملتهم الدراسة. وقام المشرفون عليها كذلك بطرح أسئلة عن تسجيل حالات وفاة منذ كانون الثاني / يناير 2002. وبينت الدراسة أن 87% من العائلات تمكنت من تقديم شهادات وفاة وأن معظم الأشخاص الذين تم استجوابهم لم يكونوا متأكدين من الجهة المسؤولة عن وفاة أقاربهم. وفي ضوء هذه النتائج، فقد وصلت الدراسة إلى الاستنتاج بأن 654965 حالة وفاة مبكرة سجلت منذ آذار / مارس 2003 وإلى أن الصبية والرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 44 عاما شكلوا نحو 60 بالمائة من الوفيات.
وخلصت الدراسة إلى القول إن إطلاق النار يبقى السبب الرئيسي وراء حالات الوفاة رغم أن عدد القتلى من انفجارات السيارات ارتفع بشكل ملموس. ولكن القائمين على الدراسة تحدثوا عن نقاط ضعف في جمع المعلومات جّراء انعدام الأمن، الأمر الذي ساهم في الحد من حركتهم لإجراء مقابلات مع العائلات. وأشارت الدراسة إلى عدم تمكن العاملين في المسح الميداني من العودة إلى المنازل التي لم يكن أصحابها موجودين فيها عند الزيارة الأولى، وذلك خوفا من تتبعهم من قبل مسلحين أو من قبل أطراف أخرى. ومن نقاط الضعف الأخرى التي تحدث عنها القائمون على هذه الدراسة عدم تسجيل بعض الوفيات، لاسيما من قبل عائلات فقدت مقاتلين لها. ومن بين النقاط الأخرى هي احتمال عدم الإبلاغ عن وفيات الأطفال لأن بعض العائلات قتلت بكأملها، كما أوضح معدو الدراسة.
منهجية الدراسة
هذا وتعرضت منهجية الدراسة وطريقة الحصول على المعلومات إلى كثير من النقد والتشكيك بنتائجها من قبل عدد من الخبراء والمحللين. فقد وصف أنتوني كوردسمان من معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن نتائج الدراسة بأنها "مبالغ فيها" وأنها لا تمثل نهجا إحصائيا يمكن أن يعطي "نتائج تحليلية دقيقة." وأشار إلى أن هذه الدراسة هي" سياسية ولا تستند إلى أسلوب التحليل الإحصائي."
وفي مقابلة أجراها موقعنا مع البروفيسور الألماني ديتر فريدرش من معهد الإحصاءات التطبيقية في جامعة برلين التقنية حول صحة منهجية الدراسة ومدى تطابقها مع أصول البحث العلمي، أوضح البروفيسور فريدرش أن الطريقة الإحصائية المستخدمة في الدراسات الميدانية التي وظفتها الدراسة الأمريكية "تتسم بالمنهجية العلمية وتأخذ بأسباب روح البحث العلمي." وأوضح الخبير الألماني أن المنهجية التي اتبعت لإعداد هذا المسح توظف بشكل واسع في البلدان النامية، لاسيما في ظل غياب نظام إحصائي يمكن الاعتماد عليه.
تشكيك رسمي
من الجدير بالذكر أن نتائج الدراسة أثارت ضجة عالمية كبيرة ورفضها العديد من المسؤولين ذوي الصلة بالشأن العراقي. فقد اعتبر الرئيس الأمريكي جورج بوش أسلوب الدراسة " لا يحظى بالمصداقية" رغم "انزعاجه وحزنه" لموت الأبرياء، على حد تعبيره. وإلى مثل هذا الموقف ذهب قائد القوات المتعددة الجنسيات في العراق، الجنرال الاميريكي جورج كايسي، إذ اعتبر أن ما جاء في الدارسة لا يتمتع "بمصداقية وواقعية." وقال كايسي خلال مؤتمر صحافي في واشنطن:" ... الرقم 650 ألفا يبدو أكبر من الأرقام التي رأيتها. لم أر رقما أكبر من خمسين ألفا."
أما الحكومة العراقية فقد أعلنت على لسان الناطق الرسمي باسمها أن هذه الأرقام "غير معقولة وأنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة وتعطي صورة مضخمة." وكان مسؤولون في الحكومة العراقية قدروا عدد القتلى العراقيين منذ بداية الحرب بحوالي 40 ألف قتيل. هذا وقد انتهى القائمون على هذه الدراسة الإحصائية إلى الدعوة العاجلة لتشكيل هيئة دولية مستقلة ومحايدة لتقويم الزيادة في حجم الوفيات في العراق والتحقيق في حجم انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي العراقية.