"داعش لم يُواجَه بعد بإستراتيجية إعلامية متكاملة"
٢٦ نوفمبر ٢٠١٥أثبت تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا باسم "داعش" قدرته على استعمال أحدث تقنيات وسائل الإعلام في حربه الدعائية، ولهذا الغرض يتم يوميا تحميل عشرات الأشرطة التحريضية بعضها يحمل بصمات هواة والبعض الآخر مصنوع بمهنية عالية. كما يتابع التنظيم بدقة تفاصيل الجدل السياسي في الغرب، ويوظفه بشكل انتقائي في معركته الإعلامية.
ويرى الدكتور ياسر عبد العزيز، الكاتب والخبير في شؤون الاتصال والإعلام في الحوار التالي مع DW عربية أنه لا بد من بلورة إستراتيجية إعلامية متعددة المستويات تعتمد النجاعة واللامركزية لمواجهة الحرب الدعائية لـ "داعش".
DW: هل يمكن الحديث عن أسلوب دعائي خاص بتنظيم "داعش" في علاقته بالغرب، أم أنه لا يختلف عما كان يقوم به تنظيم القاعدة في الماضي؟
ياسر عبد العزيز: أفضل وصف للأنشطة الاتصالية التي يمارسها تنظيم "داعش" هو توصيفها بأنها أنشطة ناجعة، بمعنى أنها فعالة وتحقق الأهداف التي يريد هذا التنظيم تحقيقها. يمتلك تنظيم "داعش" إستراتيجية اتصالية غير عفوية أو تلقائية، وهي أكثر تماسكا وفعالية من تلك التي تبناها تنظيم القاعدة، وغيره من منظمات الإسلام السياسي التي اتخذت منحى العنف والإرهاب. (..). أما تنظيم القاعدة فقد التفت مبكرا جدا لأهمية استعمال وسائل الاتصال الحديثة، حتى أن الرجل الثاني في التنظيم آنذاك أيمن الظواهري، بعث برسالة مناصحة إلى "أبو مصعب الزرقاوي" زعيم "تنظيم القاعدة في بلاد ما الرافدين" عام 2004 قال له فيها حرفيا: تذكر يا أخي أن نصف معركتنا في الإعلام. أتصور أن هذا هو التوجه الإعلامي لـ "داعش" أي أن نصف المعركة في الإعلام. ويمتلك "داعش" أكثر من أربعين ألف حساب على تويتر ولديه صفحات عديدة على فيسبوك، ما عدا المواقع الإلكترونية وسبع مراكز إعلامية نشيطة مثل مؤسسة الفرقان ومؤسسة الحياة ومجلة دابق.
ويستخدم تنظيم "داعش" وسائل الاتصال الحديثة بفعالية كبيرة، ويعتبرها أولا، وسيلة من وسائل الاتصال بين أعضاء التنظيم في مواقع عديدة، ويعتبرها ثانيا آلية من آليات الحشد والتعبئة، كما يعتبرها في مستوى ثالث وسيلة من وسائل التجنيد لدرجة أن مركز بحوث الجماعات الراديكالية في بريطانيا، خلص إلى أن حوالي 80% من الذين تم تجنيدهم من أوروبا للقتال في سوريا والعراق، جاؤوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهناك استخدام آخر يتعلق بصنع الصورة وبعث الروع في نفوس الخصوم أو الأعداء أو المستهدفين، حيث ينشر التنظيم صورا ويبث أشرطة تشير إلى قوة مطلقة وكفاءة كبيرة ورغبة في إلحاق الأذى والدمار لكل من يعاديه. وبالتالي فإن عناصر "داعش" الاتصالية هي عناصر متكاملة تؤدي وظائف تحولت إلى أداة قتال رئيسية.
يبدو أن تنظيم "داعش" يتابع عن كتب الجدل السياسي في الإعلام الغربي ويستعمل ذلك في دعايته الجهادية. فهو يوظف تصريحات وتعليقات بعض السياسيين والخبراء الغربيين بانتقائية، كما حدث مؤخرا حين استشهد شريط داعشي بتصريح للفيلسوف الفرنسي ميشيل أوفري دعا فيه الغرب إلى التوقف عن شن الحروب في العالم الإسلامي حتى يتوقف الإرهاب.
هناك تصور سائد يرى أن إستراتيجية "داعش" تقوم على الترويج والتجنيد والتعبئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط. أعتقد أن هذا فهم قاصر لإستراتيجية "داعش"، إنها إستراتيجية ذات أبعاد متعددة. فمن يصوغ خطاب "داعش" الاتصالي يصوغه على ثلاثة مستويات: المستوى الأول هو مستوى المستهدفين بالتجنيد، المتعاطفين، المحبين والمؤيدين، والمستوى الثاني هو مستوى المتابعين المحايدين أو الذين يستمعون لكل الأطراف.
أما المستوى الثالث فهو للأعداء والخصوم، وبالتالي فإن اصطياد بعض التصريحات والمقالات والتحليلات وأيضا أفلام الفيديو هي مهام يقوم بها متخصصون يجلسون في غرف مجهزة بأحدث التقنيات، ومهمتهم هي اصطياد واختيار وإدخال بعض التعديلات على هذه الرسائل، ثم يوظفونها في أحد مستويات الاتصال الثلاثة التي أشرت إليها، ومن ضمن هذه المستويات مستوى الجمهور العادي، ومن بينها أيضا مستوى الجمهور المعادي أو غير المتعاطف، وبالتالي فإن اصطياد مثل هذه التصريحات مما قد يدل على "فساد الغرب" أو "فساد الطواغيت" بلغة "داعش"، أو يدل على صدام الحضارات، فهم يسعون لتعزيز هذه الأطروحة حتى لدى الجمهور الذي يناصبهم العداء.
يقوم "داعش" يوميا بتحميل فيديوهات تحمل بصمات هواة وأحيانا أشرطة معدة بحرفية عالية يستقطب بها كل مرة فئات جديدة في كل أنحاء العالم، هل تعتقد أن هناك إهمالا في محاربة"داعش" في ميدان الدعاية الإعلامية؟
أنا ممن يعتقدون أن "داعش" لم يواجه بعد بإستراتجية متكاملة للحد من نفوذه المتصاعد. أتصور أن هناك تراخيا في التعامل مع هذه الظاهرة، وجزء من هذا التراخي هو عدم فهم الإستراتيجية الإعلامية لـ"داعش" بشكل جيد وموضوعي، وأيضا عدم إعداد الوسائل المناسبة لاحتواء هذا العجز الكبير. حينما وقعت هجمات باريس سمعنا للتو أن عددا من العواصم الأوروبية بدأت في إغلاق مواقع يستخدمها "داعش" وبالتالي لا أتصور أن الغرب أظهر قدرا من الالتزام بشأن خطر "داعش" في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشأن الاتصالي عموما.
ساهمت فيديوهات كإعدام الصحافيين الأمريكيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف على سبيل المثال لا الحصر في إعادة القوى الغربية لساحة المعركة ضد "داعش". وفي الأشرطة الدعائية لهذا التنظيم الإرهابي يتم إجبار الرهائن على إدانة سياسات حكوماتهم ما تعليقك على ذلك؟
رسالة جيمس فولي هي رسالة لكل الصحافيين الغربيين، وحينما أقول إن لـ"داعش" إستراتجية اتصالية، فإن الناس يتصورون أن هذه الرسالة تصاغ عبر تويتر، هذا كلام غير دقيق. علينا التساؤل حول إستراتيجية تنظيم "داعش" في الأراضي التي يسيطر عليها، فهو يسيطر ويحتكر بشكل مركزي كل الرسائل التي تبث من تلك الأراضي، كما أن التنظيم يسجل كل الصحافيين ويلزمهم بمبايعة الخليفة وهذا أمر لم يحدث على مر التاريخ (..) نحن لسنا بصدد أولاد يلعبون ويبعثون برسائل عبر تويتر، وإنما بتنظيم يملك إستراتيجية متكاملة وفعالة (..).
كيف يمكن بلورة إستراتيجية لمواجهة المد الدعائي لتنظيم "داعش"؟
إستراتيجية "داعش" هي إستراتيجية لا مركزية، بمعنى عدم التماثل في عناصر التواصل الإعلامي، وتقوم على خلق الخلايا وانتشارها (....). وبالتالي فإن أفضل ما يمكن أن تقوم به الحكومات التي تريد أن تطوق وتحارب هذه الظاهرة هو حرمانها من ميزتها الأساسية. أي أن عليها ألا تحاربها بجهود مركزية، بل باللامركزية. بمعنى إنتاج خطاب وتصور متكامل على مستويات اتصالية عديدة، منها مستوى يستهدف الداعشيين أنفسهم عبر وسائل حاذقة ولماحة. والمستوى الثاني يستهدف من يقفون في الوسط، والمستوى الأخير هو الذي يستهدف رفع الروح المعنوية للذين يواجهون "داعش" وربما السخرية منه والحط من شأنه (..).
الدكتور ياسر عبد العزيز، كاتب ومدرب ومستشار في مجالات الاتصال والإعلام.