داعش
٢٧ نوفمبر ٢٠١٤
تبعد مدينة درنة في شرقي ليبيا، التي تقطنها حوالي مائة ألف نسمة، نحو 270 كيلومتراً عن مدينة بنغازي و350 كيلومتراً تقريباً عن الحدود مع جزيرة كريت اليونانية. هذه المدينة الساحلية باتت اليوم أول معقل لتنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي يسيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق.
ويقدر عدد عناصر هذا التنظيم الإرهابي في مدينة درنة بنحو 800 شخص، يقومون بنفس الممارسات الوحشية المعروفة عن أعضائه في العراق وسوريا. ولا يستغرب الدكتور كمال عبد الجواد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، سيطرة التنظيم على هذه المدينة، موضحاً، في حديث مع DW: "لقد استغل تنظيم ’الدولة الإسلامية’ الفوضى في ليبيا وتحالف مع المليشيات الإسلامية الموجودة في درنة (للسيطرة على المدينة)".
بعض تلك المليشيات كان متحالفاً مع تنظيم القاعدة، الذي انشق عنه تنظيم "الدولة الإسلامية" وعاداه، في ما كانت المليشيات الأخرى تعمل بشكل مستقل. ويضيف الدكتور عبد الجواد أن "ما نشهده (في درنة) ليس بالضرورة تجنيد عناصر جديدة لصالح ’الدولة الإسلامية’، بقدر ما هو تحوّل في الولاءات إلى هذا التنظيم الإرهابي بغرض إنشاء قاعدة له في درنة".
عراقي "أميراً" لفرع التنظيم في ليبيا
وفي رسالة صوتية نشرها التنظيم في الرابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلن صوت منسوب لزعيم التنظيم، "الخليفة" أبي بكر البغدادي، "تمدد" فكر هذا التنظيم الإرهابي خارج سوريا والعراق، في إشارة إلى السيطرة على مدينة درنة. وأكد البغدادي، في الرسالة الصوتية، أن التنظيم بصدد التوسع في كل من السعودية واليمن ومصر والجزائر أيضاً.
وكقائد لفرع "الدولة الإسلامية"، المعروف أيضاً باسم "داعش"، في ليبيا، سمى أبو بكر البغدادي أبا نبيل الأنباري، وهو عراقي، وقد تعرف عليه البغدادي أثناء مكوثهما في أحد معسكرات الاعتقال الأمريكية بالعراق.
ويسيطر الأنباري في درنة على كافة أوجه الحياة حالياً، من المنشآت الإدارية إلى المحاكم ومؤسسات التربية والتعليم، وصولاً إلى محطة الإذاعة المحلية. كما يقوم عناصر التنظيم بدوريات منتظمة في المدينة، بالضبط كما يفعل التنظيم في بقية المدن التي يسيطر عليها في العراق وسوريا.
استراتيجية إشاعة الخوف
لكن عندما يتعلق الأمر بالخصوم، فإن التنظيم يمارس أبشع أنواع العنف بحقهم، حسب ما يشير أستاذ العلوم السياسية جمال عبد الجواد، الذي يتابع بالقول: "هذه استراتيجيتهم، والتي تتلخص في القضاء على الخصوم وتطويعهم من خلال العنف الوحشي، وبذلك قطع أي سبل الدعم للهياكل الأخرى. إنها استراتيجية إشاعة الخوف، لا أكثر... وقد نشهد في الأيام والأسابيع المقبلة المزيد من الفظائع في مدينة درنة".
استهدف تنظيم "الدولة الإسلامية" منذ سيطرته على درنة العديد من المعارضين، كثيرون منهم ساسة ومحامون وصحفيون وعناصر في الجيش الليبي، وحتى مواطنون أبدوا اعتراضهم على النهج الذي يسلكه التنظيم. كما تظهر مقاطع فيديو تنفيذ أحكام إعدام على الملأ في ملعب الكرة بالمدينة، إما بإطلاق النار أو بقطع الرأس. كما تم التخلص من أعضاء المليشيات الأخرى الذين رفضوا الانضمام إلى التنظيم.
وبهذه الطريقة وهذه الوحشية، يتسنى لـ"داعش" فرض سيطرته المطلقة على المدينة الليبية. وبحسب ما ذكرته قناة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، فإن المليشيات التي انضمت إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" بدأت بإقامة مقرات ونقاط حماية لها في بقية المدن الساحلية الليبية، مثل بنغازي وسرت والخُمس وحتى في العاصمة طرابلس.
"الوضع في ليبيا يختلف عن سوريا والعراق"
لكن الدكتور جمال عبد الجواد يعرب عن شكه في أن ينجح التنظيم بسهولة في تجنيد عناصر المليشيات الأخرى، لاسيما وأن الوضع في ليبيا يختلف بشكل كبير عن سوريا أو العراق. ويوضح عبد الجواد ذلك بالقول: "في ليبيا مجتمع قبلي، بالإضافة إلى تيارات قومية وعلمانية لا تصلح لتصويرها على أنها عدوة بهدف تجنيد المزيد من المقاتلين للتنظيم. ورغم الإمكانات المالية الكبيرة لـ’الدولة الإسلامية’، إلا أن هذه الإمكانات ستستهلك في يوم من الأيام".
ولذلك، ينبغي على الدول الأوروبية منع تنظيم "الدولة الإسلامية" من الوصول إلى النفط الليبي وبيعه، مثلما يفعل في سوريا والعراق، كي لا يزيد من مصادر تمويله المتعددة، والتي تشمل ابتزاز أموال الحماية وما يسمى بـ"الجزية" وتجارة السلاح والخطف، كما يوضح أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الدكتور جمال عبد الجواد.
ويطالب عبد الجواد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي "بالتعلم من تجاربه في سوريا والعراق. في ليبيا تباطأ المجتمع الدولي في التحرك على الصعيد السياسي، ما سمح لـ’الدولة الإسلامية’ بأن يكون لها موطئ قدم هناك".
ويطالب أستاذ العلوم السياسية بأن يفكر المجتمع الدولي ببعد نظر أثناء وضع استراتيجيته وخططه لمحاربة التنظيم في ليبيا، معتبراً أن الوضع في الشرق الأوسط "جدي للغاية والتكلفة ستكون مرتفعة للغاية إذا لم يتم التحرك فوراً".