داعش على أبواب بغداد.. مؤامرة أم واقع جديد؟
١٣ يونيو ٢٠١٤تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) مستمر في زحفه الذي بدأ من أقصى غربي البلاد حيث محافظة الأنبار، ويستولي على مدن وبلدات جديدة كل يوم دون أن يلقى مقاومة تذكر. فالجيش والقوى الأمنية تهرب وتخلي مواقعها عند سماع نبأ تقدم داعش نحوها، مخلفة وراءها ثكانتها وأسلحتها ومعداتها. انهيار الجيش العراقي الذي أُنفقت عليه المليارات، يعيد إلى ذاكرة العراقيين انهيار جيشهم عام 2003 إبان الاحتلال الأمريكي، لكن هذه المرة بوتيرة أسرع وأكثر دراماتيكية أمام أبناء البلد أنفسهم.
تقدم مقاتلي داعش بسرعة البرق واستيلاؤهم على مساحات واسعة من العراق، فاجأ الكثير من السياسيين والمسؤولين العراقيين والمراقبين وتركهم في حيرة وذهول، ما أثار الكثير من التساؤلات عن سر وخلفيات تقدم داعش وانهيار الجيش بهذا الشكل، والتشكيك في قدرته على الدفاع عن البلاد وهو عاجز عن التمسك بمواقعه والدفاع عنها وعن ثكناته التي تركها غنيمة لداعش مع آلياته وأسلحته وكل معداته.
سبب هذا الانهيار وعدم مواجهة ومقاومة الجيش لداعش، يعود إلى طرفي الصراع، أي الجيش وداعش، الذي اعتمد مقاتلوه استراتيجية عسكرية تقوم على الهجمات العنيفة والمباغتة وايجاد ثغرات على أطراف المدن و"اعتماد أسلوب الصدمة والرعب على الطريقة الأمريكية" ،حسب رأي جاسم محمد، الباحث في شؤون الجماعات المسلحة ومدير المركز الأوروبي العربي للدراسات، الذي استضافه برنامج العراق اليوم من DW عربية. أما بالنسبة للجيش العراقي، الذي انهزم في أول امتحان صعب له، فقد أثبت أنه غير قادر على الصمود وخوض أي حرب خارجية أو معركة داخلية وحرب عصابات ضد جماعة مسلحة كما هو الحال مع داعش. سبب ضعف وعجز الجيش هو "التسييس، حيث أن تركيبة الجيش العراقي، الذي يتجاوز عدد أفراده المليون، قائم على المحاصصة والطائفية بعيدا عن المهنية" والسبب الرئيسي الثاني حسب رأي جاسم محمد، هو الفساد المستشري في كل مفاصل الجيش وعلى مختلف المستويات كما في باقي مؤسسات الدولة "وقد استخدم داعش أسلوب الاستخبارات، وكان هناك تواطؤ وليس من المستبعد أن تكون هناك مؤامرة وتواطؤ بين داعش وقيادات ميدانية وأن الجيش مخترق وعلى أعلى المستويات". هذا بالإضافة إلى وجود حواضن اجتماعية وغطاء سياسي لداعش، الذي غير استراتيجيته ولم يعد يعتمد على الهجمات الانتحارية وزرع العبوات الناسفة، وإنما "التمترس داخل المدن والتشبث بها، ولا يدخل مدينة إن لم يكن يعرف أنه سيحقق النصر ويستطيع البقاء فيها"، حسب الباحث جاسم محمد.
واجهة هناك من يختبئ خلفها
هذه التطورات وتقدم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) يدفع إلى التساؤل والتشكيك فيما إذا كان التنظيم وحيدا في الساحة ويخطط لعملياته واستراتيجيته العسكرية والسياسية، خاصة وأن المساحة الشاسعة والمدن والبلدات التي يسيطر عليها والتهديد بمتابعة زحفه نحو العاصمة بغداد ومدن شيعية مقدسة مثل النجف وكربلاء، لا يتناسب مع قوته العسكرية والبشرية ولا مع استراتيجيته المعروفة. وهو ما يشير إلى وجود من يقف وراء داعش ويستخدم التنظيم واسمه كواجهة لتحقيق أهدافها، ويؤكد ذلك جاسم محمد بأن محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين التي لها خلافات مع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، تشعر بأنها "مهمشة" ولديها مطالب، تجاهلتها الحكومة بالإضافة إلى الاعتصامات والاحتجاجات التي شهدتها محافظة الأنبار والحويجة، و"تحولت (منصات الاعتصام) إلى مجلس حرب وإعلان جيش قريب إلى الجيش السوري الحر، وبات هناك تحالف مع تنظيمات جهادية أخرى"، وبالتالي فإن العمليات أكبر من داعش وامكانياته وقدارته العسكرية والتنظيمية.
موقف المالكي من الأحداث كان ملفتا للمراقبين، حيث أنه يتولى إلى جانب منصب رئيس الوزراء حقائب الدفاع والداخلية وهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فبدل أن يتحمل المسؤولية السياسية عن فشل وانهيار الجيش وما يترتب على ذلك، وبدلا من إدارة الأزمة، فإنه دعا إلى تشكيل وحدات من المتطوعين للدفاع عن المدن والبلدات والتصدي لقوات داعش. ما يكرس الطائفية ودور المليشيات على حساب دور الجيش ومؤسسات الدولة وفتح الباب أوسع أمام تدخلات خارجية ولاسيما من قبل ايران بحجة حماية الشيعة في العراق كما هو حاصل في سوريا. وقد أعلنت طهران عن ذلك صراحة، إذ قال أحد قادة الجيش الايراني، الجنرال محمد حجازي، إن إيران مستعدة لمد العراق "بالمعدات العسكرية والمشاورات" وأضاف "إن خطر الإرهابيين السنة في العراق والمنطقة يتنامى" وأشار الجنرال الايراني إلى أن بلاده على أهبة الاستعداد وتتابع التطوارت في العراق عن كثب. لكن التدخل الخارجي لن يقتصر على ايران، فتركيا أيضا يمكن أن تتدخل ناهيك عن أطراف دولية وإقليمية أخرى، ما يثير المخاوف من تدهو الوضع في العراق ليصبح ساحة لحرب بالوكالة كما هو الحال في سوريا. وأكد ذلك الباحث العراقي جاسم محمد لـ DW عربية بقوله "كانت هناك تحذيرات بأن ما يحدث في العراق يبدو وكأنه تكرار لما يحدث في سوريا" وتنامي مخاوف كل الأطراف والمكونات العراقية، ما يثير القلق من انتشار الفوضى وانهيار الدولة.
صدى سياسي
ما يشهده العراق من تطورات سريعة ودراماتيكية على الأرض، سيكون لها صدى سياسي في بغداد أيضا، ويثير التساؤل حول النظام السياسي الحالي وإعادة رسم الخارطة السياسية وربما الجغرافية أيضا للعراق وجارته الأقرب إليه والأشبه به سوريا. فالأكراد باتت لهم كلمة أقوى في الشأن العراقي، لا سيما وأن قوات البيشمركة على عكس الجيش العراقي، تصدت لمقاتلي داعش وباتت تسيطر على كامل مدينة كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد. لكن هناك من يخالف هذا الرأي بالنسبة للأكراد ويحذر من أن فخ ومستنقع داعش هو لتوريط البيشمركة في حرب ليست حربهم، ودق إسفين بين الأكراد والسنة لمصلحة الشيعة. لكن كفاح محمود، المستشار الاعلامي لرئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، يستبعد أن يتورط الأكراد في حرب ليست حربهم أو الانجرار إلى مستنقع داعش، فقوات البيشمركة لم تتجاوز مناطقها التي كانت تتواجد فيها سابقا ولم يحصل سوى اشتباك محدود جدا مع مقاتلي داعش في إحدى القرى، ويشير محمود لبرنامج العراق اليوم من DW عربية إلى أن حكومة إقليم كردستان قد أعلمت حكومة بغداد في وقت سابق إلى وجود "معلومات استخباراتية مؤكدة بوجود خطط للسيطرة على الموصل وكركوك" لكن يغداد تجاهلت تلك المعلومات، "بل ورفضت أي تعاون أمني يحقق تحصين الموصل" قبل سيطرة داعش عليها. وانتقد مستشار البارزاني، رئيس الوزراء نوري المالكي لعدم إشارته في كلمته التي ألقاها عقب سقوط الموصل، إلى ما قامت به مؤسسات إقليم كردستان "لاستقبال مئات آلاف النازحين من الموصل وتقديم المساعدة والخدمات لهم. رغم شكره (المالكي) للصغير والكبير ممن أيدوه وتعاون معه".
كذلك استبعد الباحث العراقي جاسم محمد تورط البيشمركة في حرب مع داعش، مشيرا إلى أن الأكراد قوة منظمة وهم الرقم الأصعب في مقاومة ومواجهة داعش ووقف تقدمه "ليس في العراق فقط وإنما في سوريا أيضا... وتنظيم داعش لا يريد الدخول في مواجهة من الأكراد وتوسيع أطراف الصراع، وفي نفس الوقت الأكراد أيضا لا يريدون الدخول في مواجهة مع داعش".
بعد هذه التطورات والتغيرات الميدانية في العراق والتي لا شك سيكون لها تأثير على المشهد والخارطة السياسية أيضا، بات المستقبل السياسي للمالكي أيضا موضع تساؤل وتشكيك لدى المراقبين، ويرى جاسم محمد أن بقاء المالكي في الحكومة سيدفع إلى "تصعيد الخطاب الطائفي لدى الفرقاء، ربما يكون من الأفضل خروج المالكي من الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني" والخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها بلاد الرافدين.