خمس سنوات على الهجوم الإرهابي على سوق عيد الميلاد في برلين
١٨ ديسمبر ٢٠٢١هذا الأحد الموافق (19 ديسمبر/ كانون الأول 2021) ستدق أجراس "كنيسة الذكرى" في برلين 13 مرة، أي دقة واحدة لكل ضحية من الضحايا. ويبدأ قرع الأجراس مع الساعة 8:02 مساءً بالضبط، في نفس موعد هجوم الإرهابي التونسي أنيس العمري، قبل خمس سنوات، بشاحنة ضخمة مسروقة على سوق عيد الميلاد في ميدان "برايتشايد بلاتس"، حيث توجد الكنيسة. وأدركت ألمانيا آنذاك على نحو مؤلم أن الإرهاب قد وصل أيضًا إلى داخل أراضيها.
في نفس المكان أقيم نصب تذكاري يذكرنا بالاعتداء المروع: وهو عبارة عن شق رفيع ذهبي اللون يخترق سطح أرضية موقع الهجوم أمام الكنيسة ويزيد طوله عن 15 متراً، وقد نُقشت أسماء القتلى وبلدانهم الأصلية على درجات السلم المؤدي إلى مدخل الكنيسة. والآن أصبح عدد الضحايا 13 ضحية، بعد أن توفي مسعف آخر هذا العام نتيجة إصاباته الخطيرة التي لحقت به في الهجوم الإرهابي.
الضحايا وأقاربهم يشعرون بأنهم تعرضوا للخذلان
في الحفل التذكاري، سيتحدث أيضاً الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وهناك أمر واحد مؤكد، هو أن الرئيس الاتحادي سيقول شيئاً عن كيفية التعامل مع الضحايا وأقاربهم. وكان المعالج النفسي راينر روته الذي تولى علاج العديد من الذين عانوا من آلام الصدمة النفسية، قد لجأ في تلك الأيام إلى رئيس الدولة، موجها اتهامات لها ثقل كبير. وعلى حد قوله، كانت هناك "طرق تعامل شديدة الخطأ ومهينة إنسانياً من قبل السلطات".
ويضيف روته أنه لم يجر تقديم المساعدة إطلاقا أو قُدِّمت بعد شهور أو سنوات. ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه المعالم النفسي في برلين، كان هناك في المتوسط 357 يوماً بين يوم وقوع الهجوم ويوم بدء العلاج، أي ما يقرب من عام. وتابع أن كثيرين قد وكلوا محامين بسبب الإحباط الشديد. واستنتاجه الصادم هو: هناك نقص في المعرفة المتخصصة في علاج آثار الصدمات في العديد من المؤسسات في ألمانيا.
تشديد الإجراءات الأمنية منذ وقوع الهجوم
وبناء عليه، فبعد مرور خمس سنوات من وقوع ذلك الهجوم، فإن تعامل السلطات الألمانية لا يدعو للفخر، ولا يزال هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها فيما يتعلق بالتحقيق في الهجوم. والسؤال الحاسم هو: هل نفذ الإرهابي التونسي أنيس العمري هجوماً فردياً وخطط له بمفرده؟ فبالضبط في يوم إحياء الذكرى السنوية الخامسة للهجوم، أفادت شبكة برلين براندنبورغ الإعلامية المعروفة اختصارا باسم "RBB" أن العمري تلقى الأمر بتنفيذ الاعتداء من قبل مسؤول رفيع المستوى فيما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" الإرهابي أي ما يعرف بتنظيم "داعش".
وبعد خمس سنوات من وقوع الهجوم سيكون ليس من السهل أن يقود أحد شاحنة ضخمة بهذا الشكل على الأقل، ويصدم بها حشداً من الناس في سوق عيد الميلاد. فهناك العشرات من الأعمدة والحواجز الخرسانية أصبحت الآن لا تمنع فقط الوصول إلى كنيسة الذكرى، ولكن أيضاً تمنع الوصول إلى العديد من الميادين في برلين. والاحتياطات الأمنية الصارمة هي رد على الهجوم الإسلاموي الأسوأ في ألمانيا الذي وقع في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016، الذي تسبب في صدمة ليس للعاصمة برلين فحسب ولكن لألمانيا بأكملها.
هروب منفذ الاعتداء انتهى في إيطاليا
قبيل تنفيذ الاعتداء، كان العمري، الذي جاء إلى ألمانيا كلاجئ في عام 2015 بعد سنوات من السجن في إيطاليا، قد أطلق النار على سائق شاحنة بولندي وخطف شاحنته. ووجه العمري الشاحنة المحملة بحوالي 25 طناً من حديد البناء إلى سوق عيد الميلاد الذي يحظى بإقبال جيد. وقُتل في الهجوم 11 شخصاً وأصيب 60 آخرون، ما زالوا يعانون من آثار الهجوم حتى يومنا هذا.
وبعد الهجوم فر التونسي إلى إيطاليا عبر هولندا وبلجيكا وفرنسا. وفي صباح يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول، أوقفته دورية للشرطة بالقرب من ميلانو وعلى الفور فتح العمري النار على رجال الشرطة الذين كانوا يوقفونه للتفتيش، بالمسدس نفسه الذي قتل به سائق الشاحنة البولندي. لينتهي تبادل إطلاق النار بمقتل العمري. ذلك الرجل الذي ظل في مرمى أجهزة الأمن الألمانية لسنوات باعتباره يمثل تهديداً إسلاموياً. لكن تلك الأجهزة في مرحلة ما وصلت إلى سوء تقدير كبير مفاده أن العمري لم يعد يمثل خطراً.
الأجهزة الأمنية في مرمى الانتقادات
بحثت لجنة تحقيق في البرلمان الألماني "بوندستاغ" لأكثر من ثلاث سنوات مسألة ما إذا كان من الممكن منع الهجوم. وجاء الحكم المدمر ضمن تقرير يبلغ طوله حوالي 1900 صفحة كالتالي: أخطاء فاضحة من قبل السلطات الأمنية مثل جهاز الاستخبارات الخارجية ومكتب حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية الألمانية"، لا سيما فيما يتعلق بتبادل المعلومات، وخاصة الفشل في تقييم خطورة العمري من قبل سلطات الشرطة والحكومة الاتحادية، التي شددت نتيجة لذلك قانون الهجرة بدلاً من تقديم استراتيجية متسقة لمكافحة الإرهاب.
كما قضى مجلس النواب في برلين أربع سنوات في التحقيق في الأخطاء التي جعلت الهجوم ممكناً. وجاء الاستنتاج مشابهاً: لا يوجد مذنب واحد، ولا خطأ واحد، ولكن فقط من خلال مجموعة إخفاقات من جانب الشرطة وحماية الدستور، تمكن الإرهابي الإسلاموي من تنفيذ اعتدائه. ويشير الصحفي والباحث في التطرف توماس موزر في كتابه "عقدة العمري" ، إلى أوجه الشبه بين اعتداء العمري وفشل السلطات الأمنية في فضيحة إرهاب الخلية النازية المعروفة باسم " NSU" ويشكك أيضاً في فرضية أن العمري كان الجاني منفرداً.
وكانت سلسلة جرائم القتل اليمينية المتطرفة التي ارتكبها ما يسمى بالحركة القومية الاشتراكية السرية " NSU"، التي راح ضحيتها عشرة أشخاص بين عامي 2000 و2007 ، قد كشفت أيضا عن عدد كبير من أخطاء التحقيق المؤسفة.
وسيقف ميدان "برايتشايد بلاتس" في برلين صامتاً الأحد 19 ديسمبر/ كانون الأول 2021. وسيتم إنشاء منطقة أمنية مشددة حول كنيسة الذكرى ظهراً. ويمكن لأي شخص يريد أن يحيي ذكرى الضحايا بالزهور أن يفعل ذلك. ولكن فقط (عندما يكون) برفقة ضابط شرطة.
أوليفر بيبر/ ص.ش