خط غاز "نورد ستريم 2" المثير للجدل - من الرابح؟ ومن الخاسر؟
٢٨ ديسمبر ٢٠٢١الاستعدادات المخيفة لهجوم روسي على أوكرانيا وارتفاع معدل التضخم في أوروبا، مدفوعا بشكل أساسي بارتفاع أسعار الطاقة، لها علاقة ببعضها البعض، وبالتحديد: خط أنابيب بحر البلطيق نورد ستريم 2 (NS2). ويعتقد العديد من المراقبين أن روسيا تستخدم قوتها كمورد للغاز وترفع الأسعار لدق إسفين في كتيبة أنصار أوكرانيا.
ويقول المراقبون إن هذا الأسلوب ياتي في إطار تطبيق مبدأ "الحرب الهجينة" من قبل روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
ويرى خبراء أن ارتفاع الأسعار في القارة الأوروبية تفاقم بسبب نقص الغاز الطبيعي، وهو ما أدى إلى زيادة أسعار الطاقة، وبالتي أسعار ما يتعلق بها من سلع وخدمات. وتجدر الإشارة إلى أن خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي ينقل الغاز الروسي إلى المستهلكين الألمان، يعد عنصرا حيويا وهاما في منظومة الطاقة.
وإزاء دعوات وقف المشروع أو بالأحرى تهميشه، تثار تساؤلات حول من الفائز والخاسر في حال حدوث هذا السيناريو؟
المكاسب والخسائر الجيوسياسية؟
بتكلفة تبلغ 10 مليارات يورو (11.5 مليار دولار)، يبلغ طول خط غاز "نورد ستريم 2" المثير للجدل 1230 كيلومترا وفي حالة تشغيله بطاقته الكاملة فإنه سوف يضاعف حجم تصدير الغاز المباشر من روسيا إلى ألمانيا إلى 110 مليارات متر مكعب سنويا.
ويشار إلى أن العمل في تنفيذ المشروع قد اكتمل في سبتمبر/ أيلول هذا العام، لكن لم يتم التشغيل بعد انتظارا لموافقة الهيئات التنظيمية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي، فيما علق منظم الطاقة الألماني إجراءات الموافقة على الخط، إذ ذكر أن الموافقة النهائية إيذانا بتشغيل الخط لن تصدر حتى النصف الثاني من العام المقبل.
بيد أن هذا التعليق لن يقلل من مخاوف الولايات المتحدة وبولندا وأوكرانيا من استغلال الدب الروسي لخط غاز "نورد ستريم 2" لتحقيق مكاسب سياسية خاصة مع انخفاض تدفقات الغاز من روسيا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات .
وقد أدى هذا الانخفاض إلى ارتفاع سعر الغاز الطبيعي في السوق إلى مستوى قياسي بلغ 800 دولار لكل ألف متر مكعب وهو أعلى من السعر الطبيعي البالغ حوالي 300 دولار.
وفي ذلك، قدرت "ريستاد إنرجي" الاستشارية أنه في حالة زيادة روسيا صادراتها من الغاز بنسبة 20٪ ، فسوف يخفض هذا سعر السوق للغاز في بلدان أوروبا الغربية بنسبة 50٪.
ويقول الخبراء إن مجموعة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" ليست في حاجة إلى "نورد ستريم 2" كي تنقل الغاز إلى أوروبا.
وفي مقابلة مع DW، قال بنيامين شميت، الباحث في جامعة هارفارد والزميل بمركز تحليل السياسات الأوروبية، إن طرق نقل الغاز الحالية توفر قدرة وسعة كبيرة، "لكن الكرملين قرر منذ أشهر رفض حجز سعة إضافية تتجاوز المستويات المتعاقد عليها على هذه الخطوط، ما أدى في نهاية المطاف إلى تفاقم أزمة نقص الغاز الطبيعي في مخازن بلدان الاتحاد الأوروبي".
ويؤكد شميت أن هذا الأمر يقوي المزاعم والإدعاءات بأن روسيا تستخدم الغاز لإجبار الهيئات التنظيمية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي لتسريع إجراءات التصديق على خط غاز "نورد ستريم 2 ".
خسارة كبيرة لبرلين
وتواجه ألمانيا معضلة منذ محاولتها الابتعاد عن الوقود الأحفوري. فقد قررت برلين التخلي عن الطاقة النووية، لكن مصادر الطاقة المتجددة في ألمانيا لن تولد سوى القليل جدا من الكهرباء في المستقبل المنظور، ولذلك بدت البنية التحتية لنقل الغاز، والتي غالبا ما تستثني دول العبور، التي تعاني من مشاكل مثل بولندا وأوكرانيا، مثالية لبعض الوقت، أمام صناع القرار في ألمانيا.
وتجد ألمانيا نفسها في مأزق خاصة وسط ضغوط ومطالب من الولايات المتحدة لاستخدام خط الغاز "نورد ستريم 2" كورقة ضغط لردع روسيا عن أي توغل يستهدف أوكرانيا، فضلا عن مخاوف من أن يؤدي الاعتماد على هذا الخط إلى الإضرار بقطاع الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
وحتى في الداخل الألماني، فإن حزب الخضر – أحد الأطراف الرئيسة في الحكومة الائتلافية الجديدة – يعارض بشدة المضي قدما في تشغيل خط "نورد ستريم 2".
وفي ذلك، ترى أنّا ميكولسكا - الباحثة في مركز دراسات الطاقة في جامعة رايس الأمريكية – أن "ألمانيا ستخسر كثيرا في حالة عدم تشغيل خط نورد ستريم 2 ".
وفي مقابلة مع DW، أضافت "ستفتقر ألمانيا إلى الوصول المباشر للغاز الروسي، كذلك لا يمكنها حتى التفكير في أن تصبح مركزا للغاز في المنطقة".
وفي ظل المخاوف الأوروبية خاصة من جانب أوكرانيا، سعت برلين إلى تهدئة مخاوف كييف إذ أكد المستشار الجديد أولاف شولتس أن ألمانيا "ستفعل ما بوسعها" لضمان بقاء أوكرانيا دولة عبور للغاز الروسي إلى أوروبا.
كذلك، نجحت ألمانيا في نيل موافقة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمشاركة في تمويل صندوق بقيمة مليار دولار لأوكرانيا لمساعدتها في تنويع مصادرها من الطاقة، بالإضافة إلى تعهد الحكومة الألمانية بتعويض أوكرانيا عن رسوم نقل الغاز التي سوف تخسرها حال تشغيل خط "نورد ستريم" حتى عام 2024.
وكانت ألمانيا والولايات المتحدة قد أعلنتا في يوليو / تموز الماضي التوصل إلى اتفاق بشأن خط أنابيب "نورد ستريم 2" يتضمن إمكانية فرض عقوبات على روسيا ويسعى لتمديد عمليات عبور الغاز عبر أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، يرى شميت أن روسيا تستخدم الطاقة "كسلاح"، مضيفا أن "هذا الأمر يحدث الآن". وشدد على أنه "رغم كل هذه المعطيات، إلا أن ألمانيا لم تقدم على الاعتراف بهذه الحقيقة علنا حتى الآن، ناهيك عن السعي لفرض عقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهذا في الواقع إضعاف للاتفاقية التي وقعتها ألمانيا نفسها".
وتزامن هذا مع بدء ظهور الخلافات بين حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي بشأن خط "نورد ستريم 2".
وفي مقابلة مع DW ، قال ألبريشت روتشر - مؤلف كتاب "بوتينوميكس.. كيف دمر الكرملين الاقتصاد الروسي"- إنه يعتقد أن المستهلكين في ألمانيا والنمسا "سيكونون أكبر الخاسرين إذ ارتفعت فواتير الغاز بنسبة 25٪".
التأثير ليس كبيرا
من جانبه، يرى شميت أن ألمانيا "لن تتأثر في الواقع بشكل كبير في حال إيقاف خط "نورد ستريم 2"، مضيفا أن الخط لا يرمي إلى تصدير كميات كبيرة جديدة من الغاز الروسي إلى السوق الألماني، "لكنه يهدف إلى التحايل على أوكرانيا عن طريق نقل نفس كميات الغاز عبر الخط".
الاتحاد الأوروبي
وقد حذر قادة الاتحاد الأوروبي روسيا في ديسمبر/ كانون الأول من مغبة شن أي غزو ضد أوكرانيا، فيما قالت المفوضية الأوروبية إنها مستعدة لفرض عقوبات جديدة على روسيا.
ورغم الاتفاق الضمني بين بلدان الاتحاد الأوروبي على العقوبات، إلا أنها ما زالت منقسمة حتى الآن حيال كيفية التعامل مع بوتين.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه الغموض يكتنف حزمة العقوبات الأوروبية، ألمح مسؤولون في الإدارة الأمريكية إلى إمكانية معاقبة بوتين عن طريق فصل روسيا من نظام المدفوعات المالية السريع "سويفت" المسؤول عن تنفيذ المعاملات بين البنوك في جميع أنحاء العالم.
ورغم ذلك، يبدو أن الخيار الرئيسي لمعاقبة بوتين لا يزال يتمثل في الضغط على ألمانيا كي توقف خط "نورد ستريم 2".
وفي حال وقف خط "نورد ستريم 2"، فلن تتأثر الدول الأوروبية بشكل كبير لأنها تحصل على الغاز الذي تحتاجه من خلال خطوط الأنابيب الحالية، وفقا لما أشار إليه كريس ميللر، الأستاذ المساعد للتاريخ الدولي بجامعة تافتس الأمريكية.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "لا تتعلق المشكلة في الوقت الحالي بنقص كفاءة وقدرة خطوط الغاز إذ إن الأمر يتعلق بأن روسيا لا تشحن أو تنقل كميات كافية من الغاز إلى أوروبا".
الولايات المتحدة
في مايو /آيار، ألغت إدارة بايدن العقوبات الأمريكية المفروضة على الشركات الروسية التي تشرف على تنفيذ وبناء خط "نورد ستريم 2".
ويذهب جيفري شوت، الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى القول بأن بايدن يرغب في استخدام العقوبات الكبيرة ضد روسيا، لكنه "يأمل في أن يردع التهديد روسيا ضد أي عدوان على أوكرانيا".
بولندا وأوكرانيا
تجنى بولندا وأوكرانيا الكثير من الأموال نظير عائدات رسوم العبور التي تدفعها شركة غازبروم مقابل مرور الغاز الروسي عبر أراضيهما إلى أوروبا الغربية.
وإزاء ذلك، تخشى كييف ووارسو من تأثير خط "نورد ستريم 2" الذي سينقل الغاز من القطب الشمالي الروسي تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا مباشرة.
وعلى وقع هذا الأمر، يعتقد شميت أن الخاسر الأكبر من وقف خط "نورد ستريم 2" سيكون الكرملين، إذ ستظل غازبروم تعتمد على خطوط نقل الغاز الأوكرانية لتوصيل الغاز الروسي إلى أسواق الاتحاد الأوروبي". وأضاف "سيكون هذا بالتالي بمثابة رادع استراتيجي إضافي ضد قيام روسيا بأي خطوة لزعزعة الاستقرار في أوكرانيا".
عدم تحقيق روسيا مكاسب سياسية
نفى بوتين في عدة مناسبات استخدام الطاقة، وتحديدا الغاز كسلاح ضد بلدان الاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك، أكد الرئيس الروسي أن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها لروسيا زيادة تصديرها للغاز إلى أوروبا، ستكون عن طريق موافقة ألمانيا على تشغيل خط "نورد ستريم 2".
وحول ذلك، قال ميللر، الأستاذ المساعد للتاريخ الدولي بجامعة تافتس الأمريكية، إن روسيا سوف تتكبد خسائر كبيرة في حال إلغاء تنفيذ "نورد ستريم 2".
وأضاف "سيكون (هذا الإلغاء) بمثابة هزيمة سياسية كبيرة للكرملين، على الرغم من أن الرئاسة الروسية لن تتكبد الكثير من الخسائر المالية".
ورغم ذلك، ترى ميكولسكا - الباحثة في مركز دراسات الطاقة في جامعة رايس الأمريكية – عكس ذلك إذ تشير إلى أن حالة الجدل حيال "نورد ستريم 2" قد تصب في صالح بوتين. وأضافت "استمرار الجدل حول نورد ستريم لن يؤثر سلبا على بوتين من الناحية السياسية إذ إن القضية تثير انقسامات وخلافات بين البلدان الأوروبية من جهة وبين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين من جهة أخرى".
غازبروم – المساهم الوحيد في مشروع نورد ستريم 2
تعد شركة "غازبروم" الروسية للنفط المملوكة للدولة، المساهم الوحيد في خط "نورد ستريم 2" إذ تمتلك حصة رئيسية فيه، لذا تُطرح تساؤلات حيال كيف سيكون تأثير وقف تشغيل هذا الخط على الشركة؟
وفي هذا الصدد، ترى ميكولسكا أن غازبروم قد تتكبد خسائر نظير وقف خط "نورد ستريم 2"، مضيفة "سوف تزيد التكلفة، وسوف يظل الشركاء الممولون مثل شركة "انجي" الفرنسية ومجموعة "أو. أم. في." النمساوية وشركة شل الهولندية وشركتي "يونيبر" و "وينترشال ديا" الألمانيتين على ما يرام، إذا ما التزمت غازبروم بشروط التمويل".
وأضافت أنه في حال "تخلف غازبروم عن سداد مدفوعاتها بموجب اتفاقية التمويل، فيمكن لهذه الشركات الاستحواذ على حصتها".
ويتفق في هذا الرأي كميل ليبينسكي، المحلل من المعهد الاقتصادي البولندي المعروف اختصار بـ (PIE). وقال إنه في حالة صدور حكم من الاتحاد الأوروبي بأن ملكية طرف واحد لخط نورد ستريم 2 أو أن نقل الغاز من خلاله يتعارض مع قواعد الطاقة في الاتحاد الأوروبي، فإنه في هذه الحالة، ستكون غازبروم في حاجة إلى "تفكيك" مصالحها الكثيرة في المشروع.
وأضاف "سيصب هذا في صالح منافسي غازبروم داخل روسيا إذ قد يجدوا موطئ قدم في هذا المشروع المربح".
جو هاربر / م ع