خبير: لا يمكن للسعودية استبعاد أوروبا من "رؤية 2030"
٧ مارس ٢٠١٨DW عربية: عشرة برامج كبرى تضمنتها "رؤية السعودية 2030" للنهوض باقتصادها القومي، تتضمن مشاريع بمئات مليارات الدولارات متعلقة مثلا بمخططات لإنشاء أضخم صندوق استثماري في العالم وفتح مجال الخصخصة وإنشاء صناعات جديدة، أين ترى المجالات المغرية للأوروبيين؟
يونس بلفلاح*: أغلب الاستثمارات الأوروبية الحالية في السعودية موجهة نحو التصنيع، بما في ذلك صناعات بيتروكيميائية وأخرى لها علاقة بمجالات النقل أو البنية التحتية أو المعدات الطبية. اليوم، ربما تكمن الفرصة التي تقدمها "رؤية 2030" أمام المستثمر الأوروبي في قطاع الخدمات. وهنا الحديث عن السياحة باعتبارها القطاع الذي حظي بالقدر الأكبر من اهتمام الرؤية السعودية.
هناك أيضا فرص جديدة في قطاع البنوك والمصارف، مع العلم أن المصارف الأوروبية أقل حضورا في السعودية إلى غاية اللحظة. ربما قد يفتح هذا البرنامج بوابة أخرى على خدمات جديدة كسوق التأمينات.
قسم هام من التجارة والاستثمارات الأوروبية مع السعودية قام على بيع الأسلحة، وهذا ما ينطبق على فرنسا وألمانيا بشكل خاص. اليوم باتت الفرصة مفتوحة لتنويع الاقتصاد السعودي، وليس للاعتماد فقط على بيع السلاح للرياض. بيد أن تشجيع المستثمر الأوروبي على الذهاب إلى السعودية، يستلزم من الرياض تقديم المحفزات. هذه المحفزات عليها أن تكون تشريعية بالدرجة الأولى بحيث تشمل قانون الاستثمار، وقانون التجارة وتسهيل التوظيف وتوفير الظروف الملائمة لسوق العمل. إلى جانب ذلك ينبغي أن تشمل تقديم محفزات ضريبية لشركات كبرى تساعد على خلق فرص للشغل وتأهيل العمالة المحلية.
لكن الحديث عن محفزات كهذه يستلزم وجود رغبة لدى الرياض في استقطاب المستثمرين الأوروبيين، وفي أول زيارة خارجية يقوم بها ولي العهد محمد بن سلمان إلى الغرب منذ تعيينه في هذا المنصب، استثنى فرنسا وألمانيا، قطبي الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي. كيف لنا أن نقرأ ذلك؟
هذا صحيح! وهنا الجانب السياسي يفرض نفسه بقوة. فلنقل أن هناك عدم استجابة متبادلة. ولأوضح ذلك أكثر، سوف أتحدث عن الحالة الألمانية بحكمها الحالة الأبرز، فهناك خلاف سعودي ألماني واضح للعيان. بدأه جهاز الاستخبارات الألمانية حين وصف عام 2015 التغييرات التي كان يجريها ولي العهد آنذاك بالخطيرة، معتبرا أنها قد تأثر على استقرار المملكة. وتطورت الأمور إلى حد التصريح الأشهر لوزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل إبان الأزمة اللبنانية حين قال إن هناك حالة من التهور في السعودية عبر فتح جبهات متعددة تشمل اليمن، والأزمة مع قطر وفي لبنان. من جهتها ردّت الرياض بسحب سفيرها وتقديم مذكرة احتجاج. قبل ذلك كانت هناك مذكرات احتجاج تقدمت بها منظمات المجتمع المدني لوقف بيع السلاح للسعودية عقب اعتقال المدون رائف بدوي، تلتها مذكرات احتجاج أخرى بسبب الحرب في اليمن إلى غير ذلك.
ألمانيا كانت الدولة الأوروبية الوحيدة التي اتخذت إلى حد ما موقفا واضحا ضد السعودية، وهو ما لم تفعله فرنسا بسبب صفقة طائرات رافال التي لم تدفع السعودية إلى حد الآن المبلغ المتفق عليه في الصفقة. ما يعني أن باريس لم يكن لديها هامش المناورة المتوفر لألمانيا.
هل يعني ذك أن السعودية قد تتجه إلى "معاقبة" الألمان والفرنسيين باستبعادهم من صفقات مرتقبة؟ وهل يمكن للرياض أصلا الاستغناء عن التكنولوجيا الألمانية إذا ما نظرنا مثلا إلى مشروع "نيوم" أو مشاريع الطاقة البديلة على وجه الخصوص؟
أولا لا توجد معاقبة أحادية الجانب وإنما معاقبة متبادلة من الطرفين. أعتقد أن محمد بن سلمان غير مرحب به. ويجب القول إن ألمانيا وفرنسا واجهتا أيضا ضغوطات قوية من قبل دول أوروبية أخرى. تجدر الإشارة إلى أن الدول الإسكندنافية إضافة إلى بلجيكا والنمسا قررت منذ عام 2013 وقف بيع السلاح لدول الخليج وعلى رأسها السعودية.
هل يعني أننا سنشهد فترة جمود في العلاقات الأوروبية السعودية؟
بالنسبة لمحمد بن سلمان وبالرغم أن زيارته تستثني باريس وبرلين، إلا أنه لا يمكنه استثناء الدول الأوروبية من التعاون الدبلوماسي والاقتصادي وذلك اعتمادا على نقطتين أساسيتين.
أولا نظرا لما تحتمه الضرورات الاقتصادية، فألمانيا رائدة في قطاعات الصحة والتصنيع، وهنا نتحدث عن مشروع نيوم والمشاريع المتعلقة بقطاع الطاقة والرقمنة. فرنسا أيضا مهمة هي الأخرى، خاصة في مجال البناء والتشييد والنقل، وبالتالي هناك حاجة ماسة إلى الدولتين.
النقطة الثانية تتعلق بوجود طفرة ديبلوماسية بدأت في الظهور داخل الاتحاد الأوروبي، نتيجة للتناغم الواضح بين المستشارة ميركل والرئيس ماكرون، ما سيتيح للاتحاد الأوروبي العودة بقوة إلى الساحة الدولية. وهناك أيضا ديبلوماسية قوية، فقد رأينا غضبا سعوديا لم يكن واضحا، لكنه كان قويا خلال الأزمة اللبنانية بسبب الموقف الفرنسي الذي كان حازما بشأن هذه الأزمة. أيضا هناك تأكيد فرنسي على أن الأزمة اليمنية تتطلب حلا سياسيا لا بديل عنه.
ما أراه الآن أن هذه الزيارة إلى بريطانيا والولايات المتحدة هي زيارة لحلفاء استراتيجيين، وستكون أيضا زيارة جس النبض لإيجاد مواعيد لزيارات لاحقة لدول الاتحاد الأوروبي. وبالمناسبة كانت هناك زيارة مبرمجة إلى فرنسا أرجأت ثلاث مرات. والقرار ليس بقرار سعودي محض وإنما هو قرار أوروبي أيضا. ويدرك الأمير محمد بن سلمان على أن أي زيارة مقبلة إلى باريس أو برلين تستوجب تقديم تنازلات سياسية وعسكرية مهمة، فيما يخص أولا أزمة اليمن والقضية الأهم والأبرز بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، ألا وهي العلاقات مع إيران. لأن الموقف الأوروبي الذي يسعى إلى علاقات طبيعية مع طهران مخالف بشكل كبير للموقف الأمريكي.
يونس بلفلاح*: أستاذ في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية في جامعة ليل الفرنسية.
أجرت الحوار وفاق بنكيران