خبير عربي: نصر الله هو الحاكم الفعلي للبنان والحكومة عاجزة عن تنفيذ قرار المحكمة الدولية
٤ يوليو ٢٠١١يعيش اللبنانيون أوقاتاً عصيبة منذ أن تسلمت السلطات من المحكمة الدولية القرار الاتهامي في اغتيال الحريري والذي تضمن مذكرات توقيف في حق اربعة لبنانيين، وقد اعلن الامين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي يملك مع حلفائه الغالبية داخل الحكومة والبرلمان، رفضه لكل ما يصدر عن المحكمة، مؤكدا ان اي حكومة لن تتمكن من توقيف عناصر حزبه.
بدورها تعهدت المعارضة المنضوية تحت تحالف "14 آذار" بالعمل على إطاحة الحكومة، إن لم تلتزم القرار مجلس الأمن المتعلق بالمحكمة الخاصة باغتيال الحريري، كما لوحت بشن حملة لفرض مقاطعة عربية ودولية على الحكومة، وشنت هجوماً على حزب الله متهمة إياه باللجوء إلى "غلبة السلاح." ولمناقشة هذه التجاذبات السياسية في لبنان، اجرت دويتشه فيله، الحوار التالي مع الدكتور خطار ابودياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس.
دويتشه فيله: مع دعوة قوى"14 آذار" لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الرحيل اذا لم يعلن التزامه الكامل بالقرار 1757 المتعلق بالمحكمة الدولية، بادر الأخير باتهام قوى المعارضة بشن حملة على حكومته بهدف "تضليل الرأي العام"، كيف تفسر هذه التجاذبات التي يشهدها لبنان الآن؟
خطار ابودياب: لو كان هذا النقاش في مرحلة سياسية عادية لكان من النقاشات الطبيعية التي تواكب أي بيان وزاري أو أي مرحلة تسبق عملية إعطاء الثقة في الحكومة، لكن من يعلم ظروف رحيل حكومة سعد الحريري السابقة وظروف ولادة حكومة نجيب مقاتي الحالية يفهم أن كل شيء كان مرتبطا بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إذ رحلت الحكومة السابقة نتيجة قرب صدور القرار الاتهامي وجاءت هذه الحكومة لتواجه هذا القرار، ومن هنا فإن تصريحات ميقاتي هي كلام سياسي وتبريري لأنه وافق على صيغة وضعها حزب الله، تكلم فيها عن تعاون مبدئي مع المحكمة الدولية، واستعمل في ذلك مصطلح مبدئي الذي يعني أن التعاون مع المحكمة سيكون مشروطا، بينما تلزم المحكمة الدولية، التي أنشئت حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، تلزم لبنان بتعاون غير مشروط وتلزمه بعملية التمويل وملاحقة المتهمين وتنفيذ مذكرات التوقيف. وعندما نسمع حسن نصر الله يتحدث عن عجز حكومة ميقاتي في إيقاف المتهمين نعي جيدا أن الصراع في لبنان هو صراع كبير حول هذه المسألة.
هذا الصراع الذي وصفته بالكبير، إلى أين يأخذ لبنان؟
يأخذنا إلى نقطة حساسة وهي الآتية: بعيدا عن المحكمة الخاصة بالحريري وبعيدا عن أي نقاش سياسي أخر في البلاد، فإن سلاح حزب الله هو المتحكم في المعادلة السياسية في لبنان. ومادام حزب الله يمثل المحور السوري الايراني، فهما يتحكمان في لبنان ويأخذان البلد رهينة للقرار السياسي الذي يتخذه الحزب، وهو الأمر الذي يجعل بقية الأشياء ثانوية. ومن هنا فإن عدم التعاون مع المحكمة الدولية يعني فتح الباب أما الفتنة، ولذلك يجب على حزب الله أن يثبت حسن نيته في التعامل مع المحكمة لابعاد التهمة عنه، ان كان غير مذنب فعلا، لكن ما رأيناه في خطاب نصر الله هو العكس تماما لانه لم يتطرق إلى تفاصيل القرار الاتهامي، لكنه اعترف ضمنا أن المطلوبين الأربعة هم أعضاء في حزبه، والكل يعلم ان مصطفى بدر الدين هو خليفة عماد مغنية ، والان على قيادة حزب الله أن يثبتوا للرأي العام عدم مسؤوليتهم من خلال التعاون وليس من خلال التجاهل.
إذا يبدو ان حكومة ميقاتي باتت في أزمة حقيقة، كيف ستتعامل هذه الحكومة مع ملف كهذا؟
حكومة ميقاتي هي بالفعل حكومة حزب الله وهي الحكومة التي أصدرت دمشق الأوامر لتشكيلها، بشكل أو بآخر. حكومة ميقاتي ليست في وضع تحسد عليه، إذ ليس بإمكانها تنفيذ قرارات التوقيف، ومنه فإن لبنان ككل في وضع حرج، فهذه المرة يمكن ان يدفع لبنان الثمن وقد يصبح دولة فاشلة لعدم احترامه القرارت الدولية وقد يصاب بعزلة.
هل باستطاعة حكومة ميقاتي الصمود في وجه الضغوط الداخلية والخارجية، وإلى أي مدى؟
اعتقد أن حزب الله، حسب أخر تصريح لسيد محمد رعد، رئيس الكتلة النيابية لحزب الله، تكلم عن بقاء حكومة ميقاتي حتى تاريخ إجراء الانتخابات النيابية في 2013، لكن أرى أن الوضع دقيق جدا، فحكومة ميقاتي والوضع في لبنان ككل، ترتبط بتطور الأوضاع في سوريا.
تحدثتم عن الوضع الدقيق جدا في لبنان وارتباطه بالأوضاع الإقليمية ، ما تأثير هذه الأوضاع على التجاذب الداخلي في البلاد، وهنا أقصد الأوضاع في سوريا؟
التأثير كبير، فإذا قرأنا صحيفة تشرين اليوم هناك عتاب لعدم اتخاذ القادة في لبنان مزيدا من الدعم للنظام السوري، إذ ان هناك ربط بين الموضوعين، فالبعض وصف حكومة ميقاتي بحكومة جسر الشغور لأنها كانت جزءا من الهجوم المضاد الذي شنه النظام السوري بعد الخطاب الثالث للرئيس بشار الأسد، لكن في مطلق الأحوال فإن لبنان يرتبط بشكل أو بآخر بالأوضاع في سوريا، لان حزب الله بدون هذا المحور الإقليمي لن يتمكن من التحكم في لبنان إلى ابد الآبدين. ومن قال بأن المحكمة الدولية الخاصة بالحريري ستتوقف عند اتهام عناصر من حزب الله؟ فقد تصل إلى ابعد من ذلك، أي إلى الرعاة الإقليمين. فاللعبة أصبحت مفتوحة من بيروت إلى دمشق إلى طهران.
إذا التحدي الحالي في لبنان هو الأصعب، خاصة في ظل حالة افتراق مستعصية بين الأطراف السياسية اللبنانية، وغياب أي أفق للحوار، ما هي الحكمة المطلوبة في لبنان؟
السيد نصر الله قال سيتم تجاوز الفتنة، لكنه عبر موقفه من دون إبداء أي استعداد للتعاون ، وخطاب قوى 14 آذار كذلك هو خطاب تصعيدي، باعتبار ان هذه القوى دفعت ثمننا باهظا، وهنا اعني سلسلة الشهداء ضف إلى ذلك عملية ازاحة تيار المستقبل من الحكم في ظروف اقل ما يقال عنها أنها ظروف ملتبسة. إذا نحن أمام مأزق فعلي للطرفيين، مأزق لحزب الله الذي يريد أن تكون الحكومة هي واجهة المواجهة، ومأزق للطرف الآخر الذي اذا صعد من ضغطه السياسي فسيؤدي ذلك بالبلاد إلى مواجهة أمنية، دون ان ننسى ارتباط هذه الاوضاع بالمتغيرات الإقليمية. فالحكمة الآن هي تحييد لبنان إقليميا.
هل سنشهد بعض المبادرات العربية أو الإقليمية للتجاوز الأزمة الحالية في لبنان؟
لا اعتقد أن ذلك ممكننا الآن، لان المبادرة الأخيرة (المبادرة السورية السعودية) تم إجهاضها واستبدلت بمبادرة قطرية تركية، وقد اعترف السيد نصر الله انه أحبط تلك المبادرات وليس كما كان يقال إن الحريري والولايات المتحدة هما من أحبطا تلك المبادرات، ونعلم جيدا ان نصر الله هو الحاكم الفعلي في لبنان وليس رئيس الجمهورية مشال سليمان أو رئيس الحكومة نجيب مقاتي، فدولة حزب الله هي الدولة الفعلية في البلاد حتى إشعار أخر.
إذا تستبعدون أي مبادرات إقليمه أو عربية، وتتوقعون تصعيدا في الوضع، إلى أين يذهب لبنان؟
لبنان مهدد كما كان لفترة طويلة، والسؤال هل بإمكان السلم الأهلي أن يصمد أمام هذه الهزة، وهل سيصمد السلم الأهلي اتجاه مزيد من الاضطراب في سوريا؟ لبنان تعود عبر وحدته الانسانية على الصمود منذ السبعينات حتى يومنا هذا، ولم يكن ذلك سهلا، لكن اعتقد أن نظام عربي جديد في طور النشوء بدأ من تونس وعبر على مصر وسيطل عاجلا أم آجلا على دول أخرى، فأرى انه لا خلاص في لبنان إلا باكتمال صورة النظام العربي الديمقراطي الجديد.
أجرى الحوار: يوسف بوفيجلين
مراجعة: حسن زنيند