خبير سوري: الطريق نحو جبهة معارضة سورية فعالة لا يزال وعراً وطويلاً
١٧ يوليو ٢٠١١تتوالى الأنباء عن انتشار الجيش السوري في مناطق متفرقة من البلاد وعن حملة اعتقالات في صفوف المتظاهرين والمعارضة. وفيما يشهد الوضع في سوريا تصعيدا جديدا مع إصرار الحركات الاحتجاجية على إسقاط النظام وإتباع هذا الأخير أسلوب القمع، يطرح السؤال حول دور المعارضة في إيجاد حلول للأزمة في سوريا وإلى أي مدى يمكنها أن تمثل بديلا فعليا ونديا لنظام الأسد؟ حول هذا الموضوع حاورت دويتشه فيله الخبير السوري الأصل المقيم في باريس الدكتور خطار أبو ذياب، أستاذ في العلوم السياسية في جامعة باريس وخبير في شؤون الشرق الأوسط وإليكم نص المقابلة:
دويتشه فيله: الاحتجاجات في الشارع السوري تتسع يوما بعد يوم ويزداد قمع النظام لها، من جانبها تكثف المعارضة السورية في الداخل والخارج تحركاتها. برأيك هل نجحت أطراف المعارضة السورية في أن تصطف في صف واحد؟
خطار أبو ذياب: حتى الآن لا يزال هذا النجاح نسبيا. طبعا، بعد عقود من انعدام الحريات السياسية ومن فراغ كبير، هناك حيوية ملحوظة. ولكن هناك أيضا تشرذم وهناك عدد من الانتهازيين المتسلقين الذين يسعون إلى قطف ثمن الثورات وهناك اتجاهات مختلفة تُحدّد عمل ونوعية هذه الأحزاب، فهناك تيارات إسلامية وقومية وغيرها. إذن، المشهد السياسي السوري متنوع ومعقد، ولذا أعتقد بأن الطريق نحو تشكيل جبهة معارضة فعالة أو نحو بناء هيئة لمرحلة انتقالية لا يزال وعرا.
هل يمكن تفسير هذا التشرذم الذي تحدثت عنه بانسحاب الأحزاب الكردية مثلا عن مؤتمر الإنقاذ الوطني الذي عُقد في اسطنبول وسيطرة لون سياسي هو التيار الإسلامي عليه، على ما يقول مراقبون؟
في البداية لا بد هنا التوضيح بأن الانتفاضة السورية لم تأت بمبادرة أو بتحريك أو بدفع من أي حزب أو طرف معارض، بل هي عفوية غير إيديولوجية تكمن مطالبها في الحرية والديمقراطية ومكافحة الفساد. المعارضة بمختلف أطيافها حاولت استدراك نفسها ومواكبة التطورات في الشارع السوري. ولكنها لم تنجح حتى الآن في إثبات قدرتها على صنع بديل يمكن أن يقنع الناس. وقد تخذل هذه الانقسامات شباب الثورة والتنسيقيات المحلية التي تلعب دورا كبيرا في الحشد الشعبي.
هذا الضعف يمكن تفسيرها بأنه ومنذ فترة الثمانيات حتى الفترة الأخيرة لم يكن هناك من حراك سياسي فعلي في سوريا، أما الآن فكأننا في البدايات. هناك نقاشات سياسية لم تشهدها سوريا من قبل من أجل حركة ديمقراطية حقيقية.
كيف يمكن تفسير هذه الانقسامات داخل صفوف المعارضة، أو ليس هناك اتفاق حول لم الشمل والتوحد تحت سقف واحد؟
إذا أخذنا مثلا تونس ومصر اللتين تشهدان مرحلة انتقالية، نلاحظ أن هذا التمرين الديمقراطي لا يزال صعبا وإتقانه يتطلب الوقت الكافي. سوريا ثرية بتركيبتها المجتمعية المتنوعة دينيا وعرقيا وطائفيا. وطبعا في كل مجتمع متنوع كما في كل ديمقراطية هناك تعقيدات، وهذا أمر طبيعي. ولكن لا أرى في التنوع العرقي أو الديني أي عقبة في الانتقال الديمقراطي في سوريا، ذلك أنه لوعدنا بالذاكرة في سوريا إلى فترة الخمسينات، أي قبل فترة الانقلابات العسكرية وقبل وصول حزب البعث إلى السلطة، لم يكن هذا التنوع ضد المصلحة السورية. هناك هوية سورية جامعة قوية جدا تجمع كل هذه المكونات. وأعتقد أن شعار التنسيقيات في داخل سوريا الذي يرتكز على "الحرية والكرامة والمواطنة" هو الشعار الصحيح لهذه المرحلة الذي يمكن أن يوحد كل السوريين.
انتخب مؤتمر المعارضة السورية في اسطنبول "مجلس إنقاذ وطني" ولكن هذه المعارضة لم تحدد معالم خارطة طريق واضحة للتعامل مع الأوضاع في سوريا؟
إذا تابعنا مسار المعارضة موازاة للحركات الاحتجاجية في الداخل منذ آذار/ مارس الماضي وتابعنا المؤتمرات التي عقدتها المعارضة في أنطاليا وبروكسل واسطنبول وداخل سوريا يمكن نلاحظ تقدما ملحوظا. لكن هناك أيضا سعي من قبل القوى السياسية الأكثر تنظيما في الخارج، أي الإخوان المسلمين، للعب دور الزعامة في المعارضة وهناك عدم قدرة أو بالأحرى قلة خبرة من النواحي اللوجستية والعملية من أجل بلورة هذا المشروع الانتقالي في سوريا. وأعتقد أن التنسيقيات داخل البلاد – على الأقل في الوقت الحالي - هي الوحيدة القادرة على ذلك. من هنا، يمكن القول أن الهيئة التي اٌنتخبت في اسطنبول ليست إلا خطوة لمواكبة عمل الداخل.
ولكن الحديث من قبل كان يدور حول تشكيل حكومة ظل، فإذا بالمعارضة تعلن عن مجلس إنقاذ وطني...
هذا المجلس جاء إنقاذا لمؤتمر الإنقاذ. الكلام عن حكومة مؤقتة أو انتقالية هو كلام مبالغ فيه وغير واقعي. وأرى أن الإعلان عن انتخاب مجلس إنقاذ كان الوسيلة الوحدة المتاحة لإنقاذ المؤتمر في اسطنبول ولكي يقول للشعب السوري إنه توصل إلى نتيجة ويكون تأسيسا من أجل إنشاء هيئة تمثيلية أو مجلس إنقاذ شامل يضم كل الأطياف ويحظى بتأييد التنسيقيات في الداخل.
إذن، مجلس الإنقاذ يضم معارضة الخارج فقط وبالتالي مشكوك في شرعيته؟
أصلا أعضاء هذا المجلس شددوا في بدايات مؤتمرهم على أنهم لا يمثلون الشعب السوري. كما أن التنسيقيات المحلية بحد ذاتها لا تتدّعي بأنها تمثل الشعب السوري. قبل الحصول على تلك الشرعية يجب أن يكون هناك تناغم وتواصل فعلي بين المعارضة في الداخل والمعارضة في الخارج وهذا ليس بالأمر اليسير نتيجة لانعدام الحريات ولتعرض المعارضة في الداخل للقمع الشديد.
هل تشكل المعارضة السورية تهديدا فعليا لنظام الأسد؟
المعارضة بحد ذاتها بأحزابها التقليدية لا تشكل خطرا على النظام. ما يشكل خطرا على النظام هو أدواته الأمنية ومن جهة أخرى تضحيات الشعب السوري وحركة الاحتجاج الواسعة والعفوية.
هل أفهم من كلامك أن الانقسامات داخل المعارضة تخدم النظام؟
نعم، بشكل أو بآخر لأنها تعطيه بعض المجال للمناورة. النظام السوري بحث عن العدو الخارجي وعن السلفية وعن الإرهاب وعن الجماعات المسلحة ولا يزال كل يوم يبحث عن أعذار إضافية حتى لا يبدأ حوارا فعليا وحتى لا يشرع في القيام بإصلاحات سياسية. أرى أن عدم وجود مشروع بديل في المقابل وعدم بلورة مشروع مستقبلي لحكومة انتقالية يعطي للنظام أوراقا للاستمرار في أسلوبه الذي يعتمد على القمع الأمني عداه من الحلول.
ما هي الخيارات المتاحة أو الممكنة لتحقق الاحتجاجات الشعبية مطالبها؟
بعد مرور أربعة أشهر على اندلاع هذه الاحتجاجات الشعبية يمكن القول إننا في مأزق ناتج عن تمتع النظام بفائض من القوة الأمنية وبعدم قدرة الحركة الشعبية على تحقيق أهدافها وعدم تمتعها بدعم دولي أو إقليمي. أعتقد أنه ليس بإمكان الحركات الاحتجاجية والمعارضة لوحدهما الإطاحة بالنظام. أرى أنهما بحاجة إلى مزيد من الوقت حتى يتصدع النظام من الداخل، مثلا داخل الأجهزة الأمنية. وأعتقد أن انحياز قسم كبير من الجيش السوري إلى الشعب هو السيناريو الأقل خطرا، ذلك أنني لا أستبعد أن تتحول الحركة الاحتجاجية السلمية إلى حركة عنيفة...
هل تعني نشوب حرب أهلية؟
مخاطر الحرب الأهلية ليست مستبعدة. النظام بعدما لعب كل الأوراق لم يعد أمامه إلا هذه الورقة للحفاظ على بقائه.
أجرت الحوار شمس العياري
مراجعة: عبده جميل المخلافي