غيدو شتاينبرغ: استعادة الفلوجة انتصار معنوي
٣٠ مايو ٢٠١٦DW : أعلنت مصادر أمنية عراقية عن قيام القوات العراقية باقتحام مدينة الفلوجة، ما يشكل بداية لمرحلة جديدة من عملية استعادة السيطرة على المدينة التي تعتبر معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" وثاني أكبر مدينة عراقية سيطر عليها التنظيم، حيث كان يقطنها قبل الحرب نحو مليوني نسمة. كيف تقييم ذلك بالنسبة للتنظيم الإرهابي؟
غيدو شتاينبيرغ: إذا نجحت فعلا عملية استعادة السيطرة على مدينة الفلوجة فإن ذلك سيكون انتكاسة كبيرة للتنظيم الإرهابي. خاصة وأن الفلوجة هي أول مدينة عراقية تسقط في يد تنظيم "الدولة الإسلامية"،وذلك منذ ديسمبر/ كانون الأول 2013. وبالتالي فهي المدينة التي استطاع التنظيم الإرهابي السيطرة عليها لأطول فترة. كما إنها تعتبر المعقل الرئيسي القديم للمقاتلين المتشددين. ولهذا فإن استرجاعها يعتبر انتكاسة معنوية كبيرة لداعش.
عملية استعادة المدينة، التي بدأها الجيش العراقي قبل أسبوع، تتم بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبمشاركة جماعات شيعية مسلحة تدعمها إيران. ما انعكاسات ذلك على الغالبية السنية التي تعيش في المدينة؟
هذا مشكل كبير، حيث نلاحظ منذ عدة أشهر تشكيل ما يسمى بالحشد الشعبي الشيعي. وهو ما يعرقل رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في البحث حل سياسي يضمن مكانة للمكون السني في العملية السياسية، ويجعله أمرا شبه مستحيل. فالمليشيات الشيعية تدعم مواقف الكراهية والانقسام داخل البلاد. ولهذا فإنني أرى أن الجماعات المسلحة الشيعية مثل عصائب أهل الحق وفيلق بدر، جماعات شبيهة بتنظيم " الدولة الإسلامية". ولهذا فإن النجاح في استعادة مدينة الفلوجة لا يعني نهاية المشاكل في العراق، بل إنها ستزداد.
قوات البشمركة الكردية شنت أيضا عمليات هجومية لطرد مقاتلي تنظيم"الدولة الإسلامية" من عدد من القرى على بعد 20 كيلومترا شرقي الموصل لزيادة الضغط على التنظيم وتمهيد الطريق لاقتحام المدينة. هل هناك تنسيق مباشر بين قوات البشمركة والجيش العراقي؟
نعم أعتقد أن هناك تنسيق بينهما. ولكن رغم ذلك فإننا نرى أن النزاعات بين الحكومة المركزية من جهة والميليشيات الشيعية والأكراد من جهة أخرى، بقيت دون حلول لها في الشهور الماضية. سوف نعيش بالتأكيد إعادة السيطرة على الفلوجة والموصل. ولكن عندما ستخرج داعش من المنطقة، ستعود النزاعات بين الأكراد والعرب إلى الواجهة. ولهذا فإنني لا أرى بوادر تهدئة الأوضاع بهذا الشأن.
كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هو الذي أعلن عن بداية عمليات استعادة الفلوجة في 22 مايو أيار. وجاء ذلك بعد سلسلة تفجيرات قتلت أكثر من 150 شخصا خلال أسبوع واحد ببغداد، وهو أعلى عدد للقتلى حتى الآن خلال هذا العام هناك. هل ستساهم استعادة الفلوجة في تراجع الهجمات الإرهابية على العاصمة العراقية؟
لست متأكدا من ذلك، ولكنني لا أعتقد أن الفلوجة هي المدينة التي ينطلق منها الانتحاريون. العديد منهم يأتي من بغداد نفسها أو من محافظة ديالى. لدي انطباع أن الدور العسكري لداعش كشبه دولة سيتراجع، ولهذا فإنهم قد يلجؤون ويركزون أكثر فأكثر على العمليات الإرهابية. وبما أنهم يتوفرون أيضا على العديد من الأنصار في البلاد فإن الحل السياسي سيكون بعيد المنال في الوقت الذي ستزيد فيه وتيرة العمليات الإرهابية كلما ازداد ضعف التنظيم الإرهابي.
الهجوم على المدينة يأتي في ظل أزمة سياسية تشمل الحكومة والبرلمان العراقيين. كيف يمكن للحكومة العراقية وعلى رأسها رئيس الوزراء حيدر العبادي كسب ثقة الأغلبية السنية في المدنية، في حال استعادة السيطرة على المدينة؟
يجب أولا منع الميلشيات الشيعية من المشاركة في القتال داخل المدينة والانتشار فيها. إلا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي لا يملك السلطة لمنع حدوث ذلك. إذ نرى أن الميليشيات الشيعية، التي تعمل تحت سيطرة إيران، وهي كما ترى منظمات إرهابية، مهمة في الوقت الراهن بالنسبة للمسار السياسي في العراق. ولهذا سيكون من الصعب استعادة ثقة السنة في البلاد. سوف نشهد ربما نجاحا قصير المدى في الفلوجة، ولكن لن يكون للعراق وجود هناك كدولة، حيث سينتقل من أزمة إلى أزمة في السنوات القادمة.
ولكن ألا تعزز استعادة المدينة موقف العبادي ضمن العملية السياسية ؟
نعم أعتقد أن ذلك سيكون نجاحا لرئيس الوزراء العبادي. ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن العراق كدولة، تلقى منذ 2014 هزيمتين قاسيتين. وهي خسارة المناطق السنية، التي سيطر عليها داعش وثانيا خسارة الجيش العراقي لسيطرته على البلاد، إذ يتم استبداله نسبيا بقوات الحشد الشعبي. وهو ما قد يحول دون استرجاع العراق لهيبته كدولة خلال السنوات القادمة. ولهذا أخشى أن يصبح للعراق عدة مراكز للسلطة، مثل ما هو الحال في لبنان، حيث يمكن أن تقوم الميليشيات الشيعية بلعب دور مماثل لقوات حزب الله في لبنان.
في الوقت الذي تمت فيه محاصرة الفلوجة، شن تنظيم داعش هجوما واسعا على قضاء هيت غرب الأنبار، هل سيحاول التنظيم البحث عن مناطق أخرى لتوسيع نفوذه في العراق؟
حظوظ داعش ضعيفة في هذا الخصوص. أعتقد أنهم سيحاولون التغلغل أكثر وسط السكان في المناطق التي سيخسرونها وبعدها الرجوع إلى إستراتيجيتهم القديمة، أي القيام بعمليات إرهابية، بما في ذلك الاختطافات والاغتيالات، حيث إنه من الصعب استرجاع ثقة السنة، الذين يتعاطف العديد منهم مع داعش.
القتال في المدينة يثير قلق منظمات الإغاثة الدولية إزاء الوضع الإنساني في المدينة حيث إن أكثر من 50 ألف مدني محاصرون بما في ذلك الموارد المائية والغذائية المحدودة والرعاية الطبية الضعيفة. كيف تقيم الوضع الإنساني هناك؟
الوضع الإنساني هو أسوأ شيء حاليا. ولكن المعاناة تستمر في واقع الأمر منذ 2003 بما ذلك نزوح الملايين ومقتل مئات الآلاف من المدنيين. والوضع لن يتحسن خلال الأشهر القادمة، حيث سنشاهد حدوث العديد من العمليات العسكرية. كما سنرى أن داعش أو الميليشيات الشيعية أيضا لن تأخذ المدنيين بعين الاعتبار. سيستمر هذا الوضع وسيحاول العديد من العراقيين البحث عن الأمان في مناطق أخرى ومن بينها أوروبا.
غيدو شتاينبرغ،خبير في شؤون الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الأمنية في برلين. عمل في الفترة بين عامي 2002 و 2005 مستشارا لشؤون الإرهاب الدولي في مكتب المستشارية الاتحادية.