خبير ألماني يغيّر سلوك المجرمين والقتلة بتغيير عمل أدمغتهم
١ أكتوبر ٢٠١١ينعدم في الأشخاص المصابون باضطراب حاد في الشخصية عادة أي شكل من أشكال الضمير والرحمة والتعاطف والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين. ويقوم خبير علم النفس العصبي نيلز بيرباومار في أبحاثه الحالية بتفحص أعنف المجرمين وأكثرهم قسوة تجاه ضحاياهم، ويستكشف الروابط بين وظائف أدمغة البشر وبين سلوكهم وتجاربهم اليومية. بيرباومار على قناعة بأن حتى المجرمين الذين يمارسون الاغتصاب أو العنف ضد الآخرين بقسوة والقتل بدم بارد، يمكنهم أن يغيروا أنفسهم عن طريق تعلم السيطرة على نشاط أدمغتهم.
الاشتراك في التجارب العلمية
يستخدم نيلز بيرباومار تقنية تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي لإنجاز هذه المهمة. لكن المشكلة الكبرى التي يواجهها الباحث، تتمثل في صعوبة إحضار هؤلاء المجرمين في أوقات منتظمة إلى قاعة البحث العلمي ليرقدوا في أنبوبة جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، كي يتمكن الباحث من تفحص أدمغتهم. ويقول بيرباومار: "من الصعب جداً تحفيزهم على ذلك. وغالباً ما نقوم بإغرائهم بالمال ليقوموا بذلك. هذه هي الطريقة ربما الوحيدة الممكنة لجذبهم".
ويقوم نيلز بيرباومار، مدير معهد علم النفس الطبي وعلم الأعصاب السلوكي في جامعة توبنغن الألمانية، بأبحاثه على ممارسي العنف وخاصة على مرتكبي الجرائم الجنسية المحبوسين في سجن إصلاحي في ولاية سكسونيا السفلى الألمانية. والسجناء هنا هم رجال اغتصبوا نساء ثم قتلوهن. غير أن كثيرين من هؤلاء المجرمين لا يريدون تغيير أنفسهم كما يقول الخبير النفسي والعصبي البالغ من العمر خمسة وستين عاماً: "هؤلاء الأشخاص غير مقتنعين بأن لديهم اضطراباتٍ وعيوباً في شخصياتهم بل يرون في تصرفهم شجاعة. إنهم أشخاص متهورون ومتسرعون وطائشون ولا يبالون بالآخرين. وهذه صفات قد يراها البعض في المجتمع - خاصة من الرجال - على أنها إيجابية. ولذلك فإنهم لا يرغبون في تغيير سلوكياتهم".
ويُعَد المال من إمكانيات الإغراء القليلة القادرة على تحفيز السجناء على المشاركة في التجارب العلمية مع الباحث نيلز بيرباومار، حيث يوجد سجناء آخرون يأملون في أن تكون مشاركتهم في التجارب مقابل إطلاق سراحهم في وقت أبكر السجن، كما يقول نيلز بيرباومار الذي يشاركه في تجاربه أيضاً جُناة تم بالفعل إطلاق سراحهم في وقت أبكر من السجن لهذا الغرض.
مناطق "الضمير الحي"
وبتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي قام الباحث بتفحص أدمغة هؤلاء الناس المصابين باضطراب كبير في الشخصية. وخلص الباحث إلى نتيجة مفادها: بأن هناك مناطقَ في الدماغ تكون مسؤولة عادةً عن إحساس الخوف والخشية من العواقب لدى البشر، وهي مسؤولة عن إرسال إشارات كهربائية خاصة بذلك في جسد كل إنسان.
لكن هذه المناطق الدماغية المعقدة البنية تكون غير مفعلة أو غير نشطة لدى أدمغة المجرمين. ومن يفتقد إلى الإحساس بالخوف أو الخشية من عواقب سلوكه على المستوى العاطفي فإنه لا يستطيع تقييم خطر سلوكه على نفسه ولا يمكنه إدراك عواقب سوء تصرفه على الآخرين.
بيرباومار على قناعة تامة بالحل، الذي يكمن بحسب أبحاثه في تنشيط وتقوية مناطق الدماغ البشري المسؤولة عن الشعور بالقلق والخوف من نتائج سوء السلوك وتفعيلها بشكل انتقائي دون غيرها في الدماغ. وبذلك يكون من الممكن تغيير أحاسيس المجرمين، بحسب تأكيدات بيرباومار، الذي يضيف: "التأثير على هذه الأجزاء من الدماغ ممكن دائماً عبر التعلم المستمر. فالدماغ البشري مرن وقابل للتغيُّر بشكل كبير. كما أنّ الدماغ البشري عملاق جداً لدرجة أنه يمكن القول إنه لا يوجد دماغ بشري متحجّر أو غير قابل للتغيير".
الكشف عن مدى تقدم التصرف السلوكي
يسمي الباحث طريقته العلاجية بـِـ "طريقة التغذية العصبية العكسية" Neurofeedback. ويتم فيها تصوير نشاط دماغ الشخص المفحوص وإظهاره على شاشة حاسوب ملوّنة. وعلى شاشة الكمبيوتر يمكن رؤية مناطق الدماغ المختلفة وقياس نشاطها. وتظهر هذه المناطق بألوان مختلفة على الشاشة. وكلما كانت إحدى مناطق الدماغ أكثر نشاطاً كان ومضان لونها أوضح على الشاشة. وهذا يعني أن تزويدها بالدم ونشاطها الكهربائي أشد. ويطلب الباحث من الشخص الخاضع للفحص التفكير بأفكار معينة يكون من شأنها زيادة قوة إشارات المنطقة المسؤولة عن الإحساس بالخشية والخوف من عواقب سوء التصرف.
وأهم شرط في عملية التعلم هذه هو مشاركة الشخص المفحوص بشكل مكثف للغاية فيها وتوفُّر رغبة حقيقية لديه في تغيير نفسه. "بعد ساعة أو ساعتين من بدء عملية التعلـُّم يعرف الشخص كيف يمكنه التأثير على مناطق الدماغ المسؤولة عن الإحساس بالمسؤولية لديه. وهذا يماثل تماماً تعلم رياضة جديدة كالتزلج أو ركوب الدراجات. الناس إجمالاً قادرون على اكتشاف حِيَل يستطيعون من خلالها التأثير على نتائج صور أدمغتهم الظاهرة على شاشة الكمبيوتر التي تقيم مدى قوة نشاط مناطق دماغية معينة لديهم. وكل شخص قادر عبر هذه الحيل على زيادة وتحسين نشاط دماغه".
مستقبل واعد
ويقول الباحث الألماني إنه لاحظ أن تدريب الدماغ يستغرق وقتاً أطول لدى المرضى النفسانيين ولدى الناس الذين يعانون من اضطراب في الشخصية أكثر من غيرهم. لكنه يؤكد أن تنشيط مناطق الدماغ المسؤولة عن مشاعر تأنيب الضمير والإحساس بالخوف من العواقب لدى معظم هؤلاء الناس لا يتجاوز بضعة جلسات.
وليس من المستبعد أن يتم تطبيق طريقة نيلز بيرباومار على نطاق واسع في المستقبل على عـُتاة المجرمين لتحسين سلوكهم. مع العلم بأن هذا الباحث الذي ابتكر طريقة التغذية العصبية العكسية Neurofeedbacks كان قد أثبت نجاح طريقته وإمكانية تطبيقها، لكن على نوع آخر تماماً من المرضى. حيث كان نيلز بيرباومار هو العالِم الأول في العالَم الذي أثبتت طريقته جدواها مع المصابين بالشلل التام. وتمكن من خلالها من مساعدة بعضهم على الاتصال مع العالم الخارجي من خلال تحكمهم بجهاز كمبيوتر عن طريق إشارات أدمغتهم الكهربائية وقوة أفكارهم.
أليكسندرا شيرلِه/ علي المخلافي
مراجعة: عماد غانم