خبير ألماني: شكل الحكومة القادمة في مصر سيحدد مستقبل العلاقات مع إسرائيل
١٠ سبتمبر ٢٠١١مع تصاعد الاحتجاجات في مصر ضد إسرائيل، والتي بلغت ذروتها مساء أمس الجمعة (9 أيلول/ سبتمبر) باختراق محتجين مصريين للسفارة الإسرائيلية في القاهرة وحرق جزء منها، عاد السفير الإسرائيلي في مصر اسحق ليفانون إلى إسرائيل في ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت. من جهته قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن الاعتداء على سفارة بلاده في مصر أمر خطير وأكد أنه "لا يجوز أن تمر مصر مر الكرام على هذا المساس الخطير بنسيج العلاقات السلمية مع إسرائيل والانتهاك السافر للأعراف الدولية". وأكد في الوقت اته تمسك بلاده باتفاقية السلام مع مصر.
ووصف مسؤول إسرائيلي كبير الحادث بأنه "ضربة مؤلمة للسلام بين البلدين، وانتهاك خطير للمعايير الدبلوماسية". ومن جهته أعلن رون سوفر المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي لإذاعة الجيش الإسرائيلي أن "إسرائيل ستعيد سفيرها إلى القاهرة ما أن تقوم مصر بتوفير الظروف التي تضمن امن السفارة". واعتبر سوفر أن "هذه القضية من الخطورة بمكان بحيث لا يمكننا الاكتفاء بقلب الصفحة". لكن سوفر شدد على ذكر أن جنودا مصريين أنقذوا عناصر امن السفارة المحاصرة". وسارعت الحكومة المصرية إلى التأكيد على أن مصر تلتزم بتأمين البعثات الدبلوماسية. كما قررت تفعيل قانون الطوارئ لحفظ الأمن. ولتسليط مزيد من الضوء على تداعيات الأوضاع، وتأثيرها على العلاقات المصرية الإسرائيلية حول هذا الموضوع أجرت دويتشه فيله الحوار التالي الخبير الألماني في الشؤون العربية لوتس روغلر:
دويتشه فيله: على خلفية اقتحام السفارة الإسرائيلية في مصر، والتصعيد تجاه إسرائيل في الشارع المصري. برأيكم من الذي يدفع باتجاه التصعيد ضد إسرائيل في مصر؟
لوتس روغلر: هناك عدة أطراف لها مصلحة في تصعيد الأحداث وإشاعة نوع من الفوضى الأمنية في البلاد؛ سواء أطراف داخل مصر، ولكن ربما هناك أطراف خارجية. ورغم أنه، حسبما أعرف، لم يتم تبني هذا التصعيد من أي جهة حتى الآن، إلا أن الظروف التي تمر بها مصر تشير إلى أن هناك من يستفيد على أرض الواقع من الدفع نحو توترات على الصعيد الإقليمي.
ذكرت أن هناك جهات عدة، فمن تقصد بهذه الجهات تحديدا؟
في رأيي أن لإسرائيل مصلحة في ذلك. ومصلحة إسرائيل تتمثل في أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على المجلس العسكري في مصر، من أجل أن يقوم بتأجيل الانتخابات المقررة هناك، وبالتالي تمديد حكم المجلس العسكري لوقت أطول، وعرقلة مجيء حكومة مصرية قوية. هذا من الناحية الخارجية، ولكن من داخل مصر هناك جهات لها مصالح في توتير الأجواء. وأود أن أذكر هنا بأن الحركات الإسلامية والقوى اليسارية ليس لها مصلحة، في الوقت الراهن، في تصعيد الأوضاع مع إسرائيل. ولكني أرى بأن فلول النظام السابق في مصر يمكن أن تلعب دورا في توتير الأجواء، من أجل وضع العراقيل أمام الحكومة المصرية الانتقالية، ومن أجل تشتيت الأنظار عن محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ومعاونيه. فمحاكمة مبارك ومسؤولين سابقين في نظامه تشغل الرأي العام المصري بشكل كبير. ولا ننسى بأن كثيرا من عناصر الحزب الوطني المصري ما زالوا في مواقع مسؤولية في مصر.
وهل تتوقعون بأن يكون لهذه الأحداث الجارية حاليا تداعيات جدية على العلاقات بين مصر وإسرائيل مستقبلا؟
على الجانب المصري، أتصور بأن السلطات في مصر، أي المجلس العسكري والحكومة المصرية، ستحاول تهدئة الأوضاع، ولكن ربما ستدفع هذه الأحداث الحكومة المصرية إلى بعض الإجراءات الرمزية. فبعد مقتل عدد من الجنود المصريين قبل أيام، ارتفعت أصوات عديدة تطالب بطرد السفير الإسرائيلي من مصر، أو على الأقل سحب السفير المصري لدى إسرائيل. وربما ستدفع هذه الأوضاع الحكومة المصرية إلى اتخاذ إجراءات مشابهة لما فعلت الحكومة التركية تجاه إسرائيل مؤخرا؛ أي تقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي لفترة معينة. ولكن لا أتوقع بأن تؤدي هذه الأحداث إلى إلغاء اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، أو إلى القطع الكلي للعلاقات الدبلوماسية.
أما بالنسبة لرد الفعل الإسرائيلي، فمن الصعب جدا، تصور أن إسرائيل ستقوم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، لأن مصر لا زالت تلعب دورا إقليميا مهما بالنسبة لإسرائيل.
وهل يعني ذلك بأن إسرائيل لن تتخذ أي خطوات تجاه مصر؟
ربما بعض الخطوات الرمزية، ليس أكثر. مثل استدعاء سفيرها لدى القاهرة. أما اتخاذ خطوات تؤدي إلى قطع العلاقات مع مصر فهو أمر صعب جدا. فالمحيط الإقليمي لإسرائيل أصبح متوترا للغاية، سواء في لبنان أو الأردن، أو الأحداث في سوريا. فإسرائيل ستنهج نحو التهدئة ولن تلجأ إلى التصعيد مع مصر بشكل جدي.
على خلفية مقتل بعض الجنود المصريين بنيران إسرائيلية قبل فترة، وعلى خلفية اقتحام السفارة الإسرائيلية في مصر، هل ستخضع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لتعديلات جوهرية؟
لا أتوقع أن تجري تعديلات جوهرية لهذه الاتفاقية، على الأقل خلال فترة الحكم المؤقت في مصر. وإن كان هناك من مفاوضات جديدة وطلب لتعديلات جوهرية، فقد يكون ذلك بعد إجراء الانتخابات في مصر. لأن خوض مثل هذه المفاوضات يتطلب شرعية قوية للجهة التي تجريها، والمجلس العسكري لا يملك تلك الشرعية القوية. وكل هذا يتوقف أيضا على نتائج الانتخابات، فلو فازت الحركات الإسلامية، وخاصة الأخوان المسلمين، وبعض الحركات اليسارية بنسبة كبيرة من مقاعد البرلمان، فربما ستكون هناك أصوات قوية في السلطة الجديدة تدعو لإجراء مثل هذه التعديلات الجوهرية.
ولكن في ظل حكم المجلس العسكري فستنحصر هذه التعديلات على تعديل البند المتعلق بزيادة عدد الوحدات العسكرية المصرية على الحدود مع إسرائيل.
هناك من يرى بأن إسرائيل تواجه أزمة حقيقية، وذلك نتيجة توتر العلاقات مع تركيا من جهة، ومع مصر من جهة أخرى. هل تتفقون مع هذا الرأي؟
نعم، أنا أميل إلى هذا الرأي. فالظروف الإقليمية الجديدة ستخلق مناخا إقليميا جديدا بالنسبة لإسرائيل. والسؤال هو: هل ستستجيب الحكومة الإسرائيلية لهذه التطورات الجديدة باتخاذ خطوات كبيرة بحل القضية الفلسطينية، أم أن إسرائيل ستبقى على مواقفها المتشددة. ولكنني أعتقد بأن على الحكومة الإسرائيلية في النهاية أن تتكيف مع الظروف الإقليمية الجديدة، ربما بإعادة صياغة علاقاتها مع الدول العربية المجاورة باتجاه حلول جذرية للمسائل العالقة، بما فيها القضية الفلسطينية وإعادة صياغة معاهدة السلام مع مصر.
أجرى الحوار: فلاح الياس
مراجعة: حسن زنيند
لوتس روغلر: أكاديمي ألماني وكاتب وباحث متخصص في شؤون الحركات الإسلامية في مصر والمغرب.