خبير ألماني: الحديث عن "موت" التعدد الثقافي يحركه الخوف من الإسلام والهجرة
١٨ أكتوبر ٢٠١٠بعد أقل من شهر على الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الألماني كريستيان فولف وقال فيه "إن الإسلام أصبح جزءا من ألمانيا"، يحتدم الجدل في البلاد حول إشكالية اندماج المهاجرين المسلمين، وقد عمقته تصريحات حديثة للمستشارة أنغيلا ميركل اعتبرت فيها أن نموذج المجتمع "المتعدد الثقافات" أو ما يطلق عليه الألمان: Multikulti قد فشل في ألمانيا. وكان شريكها في الإئتلاف الحاكم هورست زيهوفر رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي قد ذهب للحديث عن "موت" نموذج المجتمع المتعدد الثقافات.
وفي حوار مع دويتشه فيله قال لوتس روغلار، الباحث المتخصص في الدراسات حول الإسلام بجامعة لايبتسغ الألمانية، إن الجدل حول مبدأ التعددية الثقافية "دافعه الحد من الهجرة رغم حاجة البلاد إليها"، كما يخفي وراءه "مخاوف على مستقبل هوية ألمانيا".
وفيما يلي نص حوار دويتشه فيله مع الباحث الألماني لوتس روغلار:
دويتشه فيله: ما هي قراءتك لتصريحات عدد من السياسيين الألمان، وعلى رأسهم المستشارة أنغيلا ميركل، حول ما يصفونه ب"فشل مطلق" لنموذج المجتمع الألماني المتعدد الثقافات؟
لوتس روغلار: أعتقد أن هذه التصريحات الصادرة عن المستشارة ميركل وسياسيين آخرين، مصدرها نقاشات أو صراعات داخل تكتل الإتحاد المسيحي الديمقراطي، وهي تصريحات تعكس مخاوف شرائح داخل هذه الأحزاب، وهم من الناخبين المحافظين الذين يشعرون بالخوف من الإسلام ومن المهاجرين الأجانب وخصوصا المهاجرين المسلمين منهم.
وبرأيك هل إن تجربة المجتمع الألماني المتعدد الثقافات، قد فشلت بالفعل أم لا؟
لا، وأعتقد أن التعدد الثقافي في المجتمع الألماني واقع ملموس ومنذ زمن طويل، ويوجد في ألمانيا عدد كبير من المسلمين ولكن هنالك أيضا جاليات أجنبية أخرى، كما توجد في المجتمع الألماني اختلافات وانقسامات وفوارق اجتماعية وثقافية مختلفة.
ولذلك أعتقد أن التعدد الثقافي موجود، أما التصريحات المتعلقة بمبدأ التعددية الثقافية، فهي تهدف إلى الحد من الهجرة إلى ألمانيا. ولكن في الواقع يحتاج المجتمع الألماني في المستقبل إلى الهجرة، وكل هذا الكلام والجدل حول الموضوع، هو نابع من خوف أو إجابة على مخاوف موجودة داخل المجتمع الألماني، الذي بات يتساءل إلى حد ما عن هوية هذا البلد في المستقبل.
وما هي برأيك الأسباب الجوهرية وراء تسليط الأضواء على مسألة صعوبة اندماج بعض فئات المهاجرين المسلمين، هل هي خلفياتهم الثقافية والدينية أم عوامل أخرى مثلا اقتصادية واجتماعية؟
شخصيا أعتقد أن معظم مشاكل الاندماج هي مشاكل اجتماعية، ولكن توجد الآن توجهات ونزعة لأسلمة هذه المشاكل الاجتماعية أي من خلال إضفاء الطابع الديني على المشاكل الاجتماعية القائمة.
في حقيقة الأمر هنالك الكثير من المشاكل التي يواجهها الألمان من ذوي الأصول الألمانية أنفسهم، ولذلك أعتقد أن جوهر وأساس تلك المشاكل اجتماعي، وربما تكون هناك بعض التعبيرات الثقافية أو الدينية لهذه المشاكل، ولكن يظل الأساس كونها مشاكل اجتماعية.
تقول بعض النظريات الاجتماعية إن عملية الاندماج تكتمل مع الجيل الثالث للمهاجرين، ولكن الجيل الثالث من أبناء المهاجرين المسلمين يعانون بشكل خاص صعوبات حتى في تعلم اللغة الألمانية، ما هو تفسيرك لذلك؟
أعتقد أن جذور مشاكل الهجرة في ألمانيا، تعود إلى ثلاثة أو أربعة عقود مضت، حيث أهملت مشاكل الهجرة من طرف الحكومات الألمانية المتعاقبة خلال العقود الماضية، ولم تعمل تلك الحكومات على تهيئة المجتمع الألماني ليكون مفتوحا للهجرة. ففي السبعينات وحتى الثمانينات كانت هنالك فكرة سائدة تقول بأن المهاجرين سيعودون إلى بلدانهم الأصلية، ولكن ما حدث في الواقع هو العكس، حيث استقروا داخل المجتمع الألماني.
ومن مظاهر إهمال الحكومات الألمانية السابقة لمشاكل المهاجرين، مسألة تعلم اللغة الألمانية أو خلق أجواء منفتحة على هؤلاء الوافدين على المجتمع الألماني. وكل ما يحدث الآن هو إفراز لمشاكل تعود إلى حقبة السبعينات وحتى الستينات.
إلى أي حد سيكون تمثل مفهوم "الإسلام الأوروبي" أو "الألماني" من قبل المهاجرين الوافدين من بلدان إسلامية، كفيلا بجعل ثقافتهم جزءا من الثقافة الألمانية وليس ثقافة موازية هي أقرب لثقافة بلدهم الأصلي؟
من الصعب تعميم مثل هذه الإشكاليات، أولا لأن المسلمين الموجودين في ألمانيا بدورهم لديهم أصول مختلفة، فالمسلمون الوافدون من تركيا يختلفون ثقافيا إلى حد ما عن المسلمين الوافدين من البلدان العربية وغيرها. إن ما يطلق عليه الثقافة الإسلامية ليست متجانسة. وفي مستوى ثاني، هنالك تفاعلات تحدث بين الثقافة الإسلامية الأصلية ذات الخلفيات التركية أو العربية أوالإفريقية وبين الثقافة الألمانية، التي هي بدورها ليست ثقافة متجانسة.
وبطبيعة الحال يمكننا القول بأننا سنشهد في المستقبل أشكال تدين إسلامي في ألمانيا، تختلف عن أشكال التدين التي نعرفها في بلدان أغلبية سكانها من المسلمين، ولكن أعتقد أنه لا ينبغي أن نتوقع إفراز إسلام ألماني أو أوروبي صرف، بل سيكون الأمر دائما نتيجة لتفاعلات سواء داخل المجتمع الألماني أو غيره من المجتمعات الأوروبية، أو في تفاعلها مع الثقافة أو ثقافات المجتمعات الإسلامية التركية أو العربية وغيرها.
وهل ستشكل قيم حقوق الإنسان والتعددية والتسامح وحوار الأديان، مثلا، عنصرا أساسيا في ثقافة المسلم الألماني أو الأوروبي "المندمج" تميزه عن الثقافة الإسلامية التقليدية في بلده الأصلي؟
لا ينبغي إنكار بعض المشاكل على هذا المستوى وأعني ضعف أو غياب قيم حقوق الإنسان ومبادئ التعددية، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن هنالك الكثير من الجهود الفكرية والتنظيرية التي تبذل في بعض المؤسسات الإسلامية في أوروبا أو في بلدان عربية، مثلا للتكيف مع التطورات الجديدة بفعل العولمة، والآثار الفكرية والثقافية الحقوقية للعولمة.
وأعتقد أن المستقبل سيشهد بعض التطورات والاجتهادات التي تساهم في تخفيف التوترات القائمة لحد الآن، والتي تعود أسبابها الرئيسية إلى بعض الرؤى والنظريات التقليدية السائدة في الفكر الإسلامي.
وإلى أي حد يمكن أن يساهم تدريس الدين الإسلامي في جامعات ألمانية وتطوير ما يطلق عليه بعلم اللاهوت الإسلامي، في تعميق هذا الاتجاه؟
أعتقد أن هذه التطورات والخطوات الجديدة يمكن أن تساهم في بلورة خطاب ألماني خاص بالمسلمين، من شأنه على الأقل أن يساهم في تطوير التنظيرات الإسلامية في التفاعل مع المشاكل الموجودة في المجتمع الألماني.
كما أعتقد أن تعليم الفكر أو علم اللاهوت الإسلامي سيساهم في إيجاد حلول لبعض المشاكل الناتجة عن توترات ثقافية أو فكرية تواجهها الجاليات المسلمة.
أجرى الحوار منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند