خبراء: الاتحاد الأوروبي قد يشارك في عمل عسكري لإسقاط نظام القذافي
٢٨ فبراير ٢٠١١من الناحية النظرية تبدو هناك عدة أسباب تبرر لجوء الدول الأوروبية إلى خيار التدخل العسكري المباشر لصالح المتظاهرين المطالبين بإسقاط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، وفي مقدمة هذه المبررات يبرز العامل الاقتصادي. فأوروبا تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز الطبيعي الذي يتم تصديره من ليبيا. يضاف إلى ذلك تخوف دول الاتحاد الأوروبي من موجة هجرة من ليبيا أو تمر عبر ليبيا تزيد من العبء المفروض على دول جنوب أوروبا.
أما العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي بالإجماع على القذافي وعائلته، وحظر تصدير الأسلحة لنظامه، فيبدو أنها لم تحقق غايتها بعد، وقد لا تؤتي أكلها بسرعة وقبل فوات الأوان، فالقذافي لا يزال متحصناً في مقره بالعاصمة طرابلس، محاطاً بكتائب من القوات الموالية له، وآلاف المرتزقة الأجانب الذي يدينون بالولاء لمن يدفع أكثر، فيما يزداد عدد ضحايا القمع الوحشي للمتظاهرين كل يوم.
أوروبا قد تدعم الخيار العسكري المباشر
وبالرغم من تصريحات مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون، التي نفت فيها تفكير الاتحاد الأوروبي في خيار عسكري في ليبيا، إلا أن خبيرة الشؤون الأوروبية والشرق أوسطية في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية، ألموت مولر، تعتقد أن الاتحاد الأوروبي سوف يدعم أو يشارك في عمل عسكري ضد نظام القذافي في حال تفاقم الوضع في ليبيا. وأضافت مولر، في حديث مع دويتشه فيله،: "من حيث المبدأ فإن قابلية الاتحاد الأوروبي للعب دور عسكري في مثل هذا التدخل أقل من الولايات المتحدة مثلاً، لكنني أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيقوم بدعم تدخل عسكري (في ليبيا) كخطوة أخيرة، أو المساهمة فيه سواء كمنظومة دول أو كدول منفردة، إضافة إلى التركيز على الجانب المدني من هذا التدخل، وهذا كان مبدأ الاتحاد الأوروبي دائماً".
من جانبه يشير لويس بيرال، الباحث في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية في باريس، في حديث مع دويتشه فيله، إلى ضرورة أن تقود أوروبا أي تدخل عسكري محتمل في ليبيا، معتبراً أن "خيار التدخل العسكري يتم دراسته حالياً في أوروبا، وأنه يجب أن يكون أحد الخيارات المطروحة، بدءاً بمنطقة حظر للطيران فوق ليبيا لمنع القذافي من استخدام الطائرات لقصف السكان. ومن الضروري ـ كما يرى بيرال ـ أن يقود الاتحاد الأوروبي مثل هذه العملية بسبب قربه من الأراضي الليبية، لكن بالطبع في إطار مجلس الأمن الدولي أو على الأقل بعد الحصول على موافقته".
رفض ألماني مبدئي للتدخل العسكري
وبالنظر إلى تبعات أي تدخل عسكري وأثره السلبي غالباً على آراء المواطنين الأوروبيين، فإن الأمور لا تبدو مشجعة على اتخاذ مثل هذا القرار، لاسيما في الدول ذات النفوذ الأقوى في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا. وحتى الصحف الألمانية الكبرى عرضت مواقفاً متباينة في هذا الصدد، إذ كتبت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" تقول: "من المهم ألا يقرر المجتمع الدولي التدخل في المعارك بين فلول النظام الليبي والمعارضة، فشعب القذافي بدأ ثورته لوحده، ويجب عليه أن ينهيها وحده. لقد دفع الليبيون حتى الآن ثمناً غالياً ... إذا ما قامت مقاتلات الناتو بقصف مليشيات القذافي، فستفقد الثورة كل مصداقية لها".
أما صحيفة "فيلت أم زونتاغ" فكتبت في عددها الصادر يوم الأحد: "من أجل منع ليبيا من الوقوع في فوضى دموية، يجب على المجتمع الدولي التحضير لتدخل إنساني مسلح لحماية السكان المدنيين ... من خلال هذا العمل المباشر سيستعيد الغرب – الذي باغتته الثورات في الدول العربية – زمام المبادرة، وقد يتمكن من استعادة بعض الاحترام الذي كان الشرق الأوسط يكنه له. إن تكلفة الانتظار ستكون أعلى من تكلفة تدخل عسكري".
هذا وتشير ألموت مولر إلى أن مشاركة برلين في أي تدخل عسكري في ليبيا يجب أن يكون مشروطاً بتفويض من الأمم المتحدة، لكنها تعتقد أن "الحصول على (هذا) التفويض سوف يتطلب وقتاً، وسيثير الكثير من الجدل في ألمانيا، خصوصاً ما يتعلق بمشاركة جنود ألمان في هذا التدخل". وأضافت خبيرة الشؤون الأوروبية والشرق أوسطية أنه "عندما ننظر إلى آراء الساسة في برلين إزاء التدخل العسكري الألماني في أفغانستان مثلاً، فإننا نجد شكوكاً واضحة لدى النخبة السياسية حول جدوى مثل هذا التدخل، خصوصاً بالنظر إلى ما تم إنجازه خلال السنوات التي تواجد فيها الجنود الألمان في أفغانستان".
أما لويس بيرال فيرى أنه واعتماداً على الدروس المستقاة من أفغانستان، فإن العمل العسكري وحده سيؤدي إلى الفوضى، وإلى وضع لا يسمح فيه الجمود الناتج عن التدخل العسكري بالتكيّف مع الظروف الراهنة. ويتابع "لهذا فإنني أرى أنه بموازاة الاستعدادات العسكرية يجب أن تكون هناك سلطة مدنية دولية مهيأة بشكل كامل للسيطرة على الأمور في أسرع وقت ممكن".
بدائل عن الحل العسكري والاتحاد غير ناضج بعد
ويمكن القول بأن الخيار العسكري في ليبيا سيعتمد بشكل كبير على الخطوات التي سيتخذها العقيد معمر القذافي في الساعات والأيام المقبلة، مع سقوط مساحات أكبر من البلاد في أيدي معارضيه وإصراره على البقاء في طرابلس وسحق المعارضين لحكمه بأي ثمن. وتعترف ألموت مولر بأن ما يصعب الخيار العسكري أيضاً كون "الوضع في ليبيا غير واضح على الإطلاق، خصوصاً في ظل تعدد القوى والقبائل التي تتحكم بالأوضاع هناك. لذلك فإن الوضع ضبابي، ويجعل التخطيط لتدخل عسكري هناك محاطاً بالعديد من التساؤلات التي يجب الإجابة عليها قبل القيام به".
من ناحيته يطالب بيرال الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات لدعم المعارضة الليبية وحماية المدنيين بشكل فوري ودون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي، مشيرا في هذا السياق إلى عملية قبول اللاجئين الملاحقين في ليبيا. ويضف بالقول بأن "هناك خيارات أخرى، لكنني أعتقد بأنه لا يجب على الاتحاد الأوروبي تجاهل الخيار العسكري، وأن يعد خطة طوارئ للتعامل مع هذا الأمر في حال حصوله".
ورغم إحراز الاتحاد الأوروبي تقدماً في لعب دور أمني وسياسي على الساحة الدولية، إلا أن الخبيرين الأوروبيين ألموت مولر ولويس بيرال يجمعان على أنه لا يزال غير مستعداً بعد لقيادة تدخل عسكري بشكل كامل ومستقل، خصوصاً وأن خبراته السابقة في هذا المجال تقتصر على مهمات محدودة النطاق تتكون من عدد ضئيل من الجنود، وأن حالة التنسيق بين القوات الأوروبية المسلحة لا تسمح لها بتكميل بعضها البعض.
ياسر أبو معيلق
مراجعة: عبده جميل المخلافي