خبراء ألمان: إلغاء الطائفية السياسية شرط لإصلاح جذري بلبنان
١٢ أغسطس ٢٠٢٠ألمانيا تقف إلى جانب لبنان ـ فرصة لانطلاقة جديدة؟
موقف التكتل المسيحي الذي تنتمي له ميركل
إيصال المساعدات مباشرة للشعب اللبناني
غضب الشعب اللبناني مختلف هذه المرة!
الطائفية السياسية عائق أمام الإصلاحات
ضغوط الشارع ـ حزب الله على فوهة بركان
مؤسسة الجيش ـ ربما تكون الملاذ الأخير؟
ألمانيا تقف إلى جانب لبنان ـ فرصة لانطلاقة جديدة؟
دعم وتعاطف ألمانيا مع لبنان ظهر من خلال المساعدة الطارئة بقيمة عشرة ملايين يورو التي أقرتها برلين، كما أعلن عن ذلك وزير الخارجية هايكو ماس، قبيل انعقاد المؤتمر الدولي للمانحين. وزير التنمية الألماني غيرد مولر أوضح أهداف هذه المساعدة وقال "هذا الدعم مخصص للرعاية الطبية الأساسية والأمن الغذائي من خلال برنامج الغذاء العالمي. وكذلك إحداث الوظائف قصيرة الأجل لإصلاح البنية التحتية الأساسية من خلال برنامج "النقد مقابل العمل" الذي ترعاه الأمم المتحدة".
غير أن هايكو ماس دعا في الوقت نفسه، إلى ضرورة إجراء إصلاحات جذرية وفورية في لبنان، مؤكدا أن البلاد قد واجهت "تحديات هائلة" حتى قبل الكارثة. واستطرد موضحا "بدون الإصلاحات المطلوبة وبشكل عاجل، لا يمكن أن يكون هناك تغيير مستدام ولا استقرار". وطالب اللبنانيين بالتغلب على "المصالح الفردية وخطوط الصراع القديمة" وإعطاء الأولوية لرفاهية السكان. وأكد ماس أن الكارثة يمكن أن تكون فرصة لانطلاقة جديدة. "فقط في حال قبلت الحكومة مسؤوليتها وتصرفت بشفافية وتم توضيح أسباب الانفجار، يمكن للسكان استعادة الثقة".
موقف التكتل المسيحي الذي تنتمي له ميركل
وعلى هامش انعقاد مؤتمر المانحين للبنان، دعا يورغن هاردت، المتحدث في شؤون السياسة الخارجية باسم التكتل البرلماني المسيحي الذي يضم الحزب الديموقراطي المسيحي الذي تنتمي له المستشارة ميركل والحزب الاجتماعي المسيحي البافاري، إلى بلورة استراتيجية أوروبية مستدامة تجاه لبنان. وقال هاردت "التوافق على مساعدة لبنان هي إشارة صحيحة وضرورية للتضامن مع الشعب اللبناني. يجب أن تبدأ المساعدة الفورية الآن وتقدم بشكل غير بيروقراطي".
غير أنه استطرد أن "التحديات التي تواجه لبنان أكبر بكثير من مجرد تقديم يد العون، إذا لم يحرص الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء على استدامة عملية إعادة الإعمار في لبنان، وإلا فإن حزب الله الإرهابي، المدعوم بقوة من إيران، سيعزز نفوذه في البلاد ويزيد من تقويض الديمقراطية وسيادة القانون". ودعا التكتل المسيحي الحكومة الألمانية إلى وضع برامج في مجالات التكوين بالموازاة مع المساعدات الطارئة الحالية، خصوصا وأن برلين تترأس حاليا الاتحاد الأوروبي. وأكد التكتل البرلماني على ضرورة تطوير منهجي للبنية التحتية في لبنان، بالإضافة إلى معالجة العجز في الحكامة والإدارة في البلاد. "لا يمكن تحقيق تقدم مستدام للشعب إلا بتحقيق تقدم ملحوظ في الكفاءة الإدارية وسيادة القانون وتنمية المجتمع المدني" على حد تعبير هاردت.
إيصال المساعدات مباشرة للشعب اللبناني
خوفا من الاختلاسات والفساد المستحكم في دواليب الدولة اللبنانية، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الأمم المتحدة ستشرف على نقل المساعدات مباشرة إلى اللبنانيين المتضررين. من جهتها، ذكرت شبكة "أ.إير.دي" الألمانية أن ممثل الوكالة الأمريكية للتعاون التنموي (USAID) أكد أن الحكومة اللبنانية قد لا تقدم مساعدات أمريكية بقيمة 15 مليون دولار للمحتاجين. وأكد على ضرورة أن تذهب تلك الأموال مباشرة إلى من هم في أمس الحاجة إليها. و سيحصل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة على تمويل، من بين أمور أخرى، لتوزيع وجبات طعام على حوالي 300.000 شخص محتاج بعد الانفجار الكارثي في ميناء بيروت.
زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مكنت من حشد دولي لدعم لبنان، لكن هناك مخاوف من قبل بعض اللبنانيين من التدخلات الخارجية التي شلت البلاد لعقود. فلبنان يعتبر أصلا ساحة معركة بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران من جهة، وحرب شبه باردة بين طهران والرياض من جهة أخرى. لكن ضعف الدولة اللبنانية وهشاشتها لا يترك خيارات أخرى للبنانيين. ما يفسر الغضب الشعبي العارم ضد النخبة الحاكمة، المتهمة بفساد طائفي أغرق البلاد حتى قبل انفجار نترات الأمونيوم.
غضب الشعب اللبناني مختلف هذه المرة!
تبدو الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت لبنان بعد انفجار بيروت مختلفة تماما عن تلك شهدتها البلاد خلال عام 2019، والتي كانت تشبه في أوجه كثيرة الاحتفالات الكرنفالية لشباب يتوق للحرية والتغيير، رغم بعض الاشتباكات وحوادث العنف التي شابتها هنا وهناك. لكن هذه المرة، يخشى المراقبون أن تكون المواجهات دموية. فقد مثل المحتجون مشاهد إعدام رمزي للقيادات السياسية. كما يتم طرد الوزراء والنواب البرلمانيون حين ظهورهم في الأماكن العامة في تعبير عن طلاق نهائي بين النخب السياسية والقواعد الشعبية.
احتجاجات عام 2019 كانت انتفاضة حقيقية ضد النخب الطائفية، حيث دعا الشباب إلى نظام "فوق طائفي" ينسف لوبيات التوغل السياسي والاقتصادي. لكن تحقيق ذلك سيظل صعب المنال، فمن غير المحتمل أن يصوت اللبنانيون ضد المنطق الطائفي، لأن الكثير منهم يرون أن الطائفة هي من تضمن لهم الحماية.
الطائفية السياسية عائق أمام ازدهار لبنان
بعد انتهاء حرب أهلية دامت 15 عاما، دمرت أكثر الدول العربية ليبرالية في الشرق الأوسط آنذاك، تم التوقيع على اتفاقية الطائف عام 1989، اتفاقية تقوم على المشاركة السياسية على أساس الانتماء الطائفي. صحيفة "تاغستسايتونغ" اليسارية (التاسع من أغسطس / آب 2020) دعت بقلم يوليا نويمان إلى تغيير جذري للنظام، مؤكدة أن "الرواية القائلة بأن لبنان سينهار بدون تقاسم للسلطة (على أساس مذهبي) هو شماعة النخبة الحاكمة. هذا النظام بالذات يجب أن ينتهي. وأكدت نويمان أن انتخابات جديدة محتملة ببرلمان جديد ووزراء جدد أمر غير كاف "لأن ذلك لن يعني سوى استمرار النظام الديني والمذهبي، حيث تتقاسم نخبة صغيرة السلطة فيما بينها. يجب استبدال نظام الأوليغارشية هذا بدولة، تضع قيادتها السياسية الصالح العام فوق كل الاعتبار".
لقد تحول أمراء الحرب السابقين منذ نهاية الحرب الأهلية قبل ثلاثين عامًا إلى قادة سياسيين. وانتقدت نويمان غياب نقد ذاتي لتلك المرحلة الداكنة من تاريخ لبنان، من أجل ميلاد وعي جماعي جديد. وبدلا من ذلك تم إصدار عفو جماعي على مجرمي الحرب وباتت ذكريات العنف وتمجيد الشهداء مصدر شرعية سياسية ودينية لاستمرار النخب في الحفاظ على امتيازاتها، حيث استغلت مواقعها للاغتناء على حساب الصالح العام. في هذا النظام تتعهد القيادات السياسية بحماية أفراد طائفتها من خطر "الطوائف الأخرى" بل وتعد بوظائف عمل كما تدفع المال لشراء الأصوات الانتخابية، نظام فساد يعمل في واضحة النهار ودون خجل في ظل ضعف مؤسسات الدولة.
ضغوط الشارع ـ حزب الله على فوهة بركان
خصوصية لبنان تقوم أيضا على النفوذ الواسع الذي يتمتع به حزب الله الحليف لإيران، حزب يتحدى مبدأ احتكار الدولة للعنف، حيث يمثل جناحه العسكري ما يشبه دولة داخل دولة، بل وجيشا أقوى من الجيش اللبناني نفسه. فقد "أرسل حزب الله سفاحين عنيفين ضد الاحتجاجات الجماهيرية في الخريف الماضي لترهيب المحتجين. وربما تحطم جدار الخوف الآن. لكن ليس هناك ما يضمن أن هذا سيؤدي إلى لبنان أفضل" كما كتب باول آنتون كروغر في صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (التاسع من أغسطس / آب 2020). فالأكيد على كل حال، أن النظام القائم في طور الاحتضار، وربما لن يتمكن من الصمود لفترة أطول. وهناك مخاوف من اندلاع أعمال عنف. فحتى لو نجح اللبنانيون في إعادة توزيع السلطة، فلن يعني ذلك بالضرورة ميلاد دولة أفضل؟
كروغر أكد أن "انتخابات جديدة ليست كافية لحل الأزمة السياسية الطويلة الأمد (..) ولأن المواطنين غاضبون جدًا هذه المرة، (.) فإن الإطاحة بالنظام الحالي هو السبيل الوحيد للخروج من البؤس. لكن هذا يثير التساؤل حول إمكانية إيجاد صيغة سحرية جديدة تضمن التعايش السلمي. سيكون ذلك صعبًا حتى في الحالات التي تكون فيها التركيبة السكانية موحدة. من جانبه كتب دانييل بوم من بيروت لموقع "فيلت (11 أغسطس / آب 2020) أن لبنان "يقف اليوم بلا حكومة في أحلك فترات تاريخه منذ الحرب الأهلية. أما كيف ستستمر الأوضاع الآن، فالأمر يعتمد كليا وقبل كل شيء على حزب الله القوي. غير أن الميليشيا الشيعية تتعرض لضغوط كبيرة، لأن الكثير من المواطنين يلومونها على الوضع المأساوي في البلاد".
مؤسسة الجيش ـ ربما تكون الملاذ الأخير؟
مؤسسات الدولة اللبنانية فاشلة ومشلولة وهي من تقف في الواقع وراء كارثة بيروت. فقد نقل موقع "تي.أونلاين" (11 أغسطس / آب 2020) عن رويترز أن خبراء أمنيين حذروا بشكل صريح الحكومة اللبنانية من العواقب الوخيمة المحتملة لوجود 2750 طنًا من نترات الأمونيوم في ميناء بيروت في تموز/ يوليو. وبحسب الحكومة، فقد تم تخزين المواد الكيميائية في الميناء بدون تأمين لمدة ست سنوات. وقالت مصادر مطلعة على التقارير ذات الصلة، بأن تحذيرات الخبراء الأمنيين وصلت إلى رئيس الوزراء حسان دياب والرئيس ميشال عون.
في هذا المشهد، يبدو الجيش اللبناني المؤسسة الوحيدة التي توحد اللبنانيين لأنها تضم جنودا من كل الطوائف الدينية. ولا يزال الكثيرون يعتقدون بأن الجيش يبقى حصنهم الأخير في مواجهة الانهيار الشامل، ما يفسر ارتباطهم الرمزي القوي بهذه المؤسسة، رغم أن الجيش يُستخدم أحيانًا لقمع الاحتجاجات وبوحشية شديدة. ومع ذلك فإن هناك خوفا من انهيار هذه المؤسسة التي ألغت، على سبيل المثال لا الحصر، اللحم في الوجبات الغذائية للجنود، بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر منها البلاد. فالجيش تحت الضغط لأنه مطالب في هذه المرحلة بحفظ الأمن في ظروف اقتصادية حرجة.
حسن زنيند