"حَمّامْ السَمْرة" مَعْلَمة يرتادها شباب غزة من أجل مآرب متعددة
٩ مايو ٢٠١٣لدواعيٍ صحية وطبية واجتماعية مع بداية إشراقه كل شمس تبدأ شرا ئح المجتمع من كافة الطبقات رجالا ونساءً بالتوافد على المَعْلَم الأثري المُسمى "بحمام السَمْرة" الذي يقع بين الأروقة والأزقة القديمة وسط مدينة غزة. إذ يُعتبر هذا الحمام أحد أبرز المواقع التاريخية والأثرية التي تتميز بها المدينة، وهو الوحيد من نوعه القائم في غزة.
وعند ولوجنا للمكان نزلنا عبر سلالم حديدية وصخرية ورخامية بممرات تنازلية ضيقة نتيجة ارتفاع مستوى الشارع العام عن سطح الحمام الداخلي، مما يشير بكل وضوح أن عوامل الزمن أدت إلى عمليات ردم وارتفاع مستوى الشوارع المحيطة بمستوى الحمام الداخلي، ووصلنا إلى الصالة الداخلية الأولى وبها ينتشر الأثاث والأواني الفخارية والحجرية الأثرية تحيل الزائر إلى عصور قديمة، ولنجد أنفسنا أسفل قُببً دائرية بشكل أثري يتخللها فتحات وثقوب زجاجية ملونة تعكس الإنارة الشمسية على أرجاء غرف و أرضية الصالة الرخامية المزخرفة التي يجتمع بها المرتادين قبل دخولهم غُرف البخار والتدليك.
وأشار ورثته والقائمون عليه في حديثهم لـDW عربية " نعتقد أن الحمام تأسس في القرن الرابع الميلادي في عهد الملكة هيلاري". بينما رصدنا لوحة رخامية داخليه مؤرخه بالخط العربي القديم تُثبت أن عمليه ترميم تم إجراؤها للحمام منذ نحو تسعمائة عام دون دليل واضح عن زمن إنشائه.
رحلة الاستحمام
الخشب هو الطريقة التقليدية القديمة في عملية تسخين المياه الني يستخدمها القائمون على الحَمّامْ. إذ يعتمد العلاج بالدرجة الأولى على تسخين المياه في الصنابير والمغطس والساحة والجُدر الرخامية في غرف الحمام التي ينتج عنها الحرارة المرتفعة التي تُولد البخار.
محمد ويوسف الوزير أصحاب الحمام يوضحان لـ DWعربية أن طريقة الاستحمام تبدأ بعد تغير الملابس بالدخول إلى صالة غرفة البخار الأولى الأكثر اتساعا، ويبدأ المستحم بالاسترخاء على الرخام الساخن لمدة عشرين دقيقة يفرز الجسم من خلالها العرق، ثم يبدأ بمرحلة التكيس وخلالها "(حوالي عشر دقائق) تُستخدم ليفه وصابون لدعك الجسم".
وأضاف الوزير أن المرحلة اللاحقة تتمثل في " الاستحمام بالماء الساخن ثم الانتقال إلى غرف أكثر سخونة وحرارة، ثم المغطس اللي درجة حرارته 50درجة مائوية، ثم تنتهي بدُش ماء بارد لتنشيط الدورة الدموية".
وينتقل البعض هنا إلى غرفة التدليك لمن يرغب، ولمن لا يرغب بالتدليك ينتقل إلى صالة الاستراحة والكافيتريا الخارجية للاسترخاء قليلا يتم من خلالها تسامر المرتادين.
إقبال لافت للفئات الشابة
لوحظ أن الفئات الشابة بشكل عام هي الأكثر إقبالا في ارتياد "حمام السمرة". تزامن ولوجنا للمكان وجود نحو ثلاثة عشر شابا يافعا. خالد، باسم، مراد، على و محمد هؤلاء تحدثوا لـDWعربية عن زيارتهم للحمام" كل أسبوعين تقريبا نأتي هنا للنظافة والنشاط الصحي والاستجمام وللحديث بحرية عن أحوالنا وأحوال البلد".
وأوضح ثلاثة شبان آخرين كانوا يتبادلون أطراف حديث مرح" نحن فخورون جدا بهذا المكان الذي يشعرنا بأننا لسنا في غزة". ويفضل الطلبة الجامعيون سعد واحمد وفؤاد أن يرتادوا حمام السمرة "مرة واحدة كل شهر".
فيما يحرص محمد جندية واحمد الحلو وأبو الزعيم أن يرتادوا الحمام مرتين في الأسبوع. وعن سبب ذلك؟ يجيبون"نحن تجار محلات بجوارالحمام ونشعربراحة كبيرة عندما نأتي هنا، بعد تعب وهموم العمل، ونحب كثيرا ان تبادل أطراف الحديث ونمرح هنا دون متطفلين". ويؤكد احمد حبيب احد العاملين في الحمام لـDWعربية"في السنوات الأخيرة هناك إقبال كبير من الشباب بسبب الحصار وبطالة الشباب المنتشرة، وهم (الشباب) يأتون في شكل مجموعات".
علاج الأمراض والادمان
لحمام السمرة فوائد صحية وطبية كثيرة وفق القائمين عليه. محمد أبو رجيله مُدرب معتمد من المركز الثقافي الدولي والمُشرف المختص على عملية التدليك والمساج في حمام السمرة يشير لـ DWعربية أن درجة حرارة المياه الساخنة والبخار وعملية التدليك، لها القُدرة على علاج معظم الأمراض النفسية والعصبية والعضوية الخاصة بالمفاصل وتقلص العضلات والظهر والربو والبواسير وتقوية العملية الجنسية وتنشيط الدورة الدموية.
وأوضح أبو رجيله أن كثيرا من الزوار لدواعي طبية تعافوا بعد عدة جلسات بخار وتدليك، "جاءنا بوصفات طبية مدمنو مخدرات أيضا، فأقلعوا عن التعاطي بعد خروج سموم الجسم عبر العرق". مضيفا أن حالات أصيبت بالصدمات العصبية نتيجة الحروب في غزة "شُفيت تماما". لافتا أن كثيرا من عمال الأنفاق "هُم من زبائننا نتيجة مجهودهم وخوفهم الزائد داخل الأنفاق".
ملتقى اجتماعي وسياسي
يُقسَم العمل في حمام السمرة على ثلاث فترات" تبدأ من الرابعة فجرا حتى الظهر للرجال- وظهرا حتى العصر إلى النساء – ثم تنتهي من العصر إلى التاسعة مساءا للرجال مع وجود عاملات لفترة السيدات" وفق محمد ويوسف الوزير أصحاب حمام السمرة، مؤكدين لـDW عربية أن الحمام منذ زمن بعيد وحتى اليوم يرتاده كافة شرائح المجتمع من شباب ورجال أعمال وفكر وثقافة وسياسة ورياضيين وموظفين وعمال.
وتبادلنا أطراف الحديث مع شاب برفقة مجموعة من الشباب تبين انه يوم زفافه. وهذا في نظر المختص الاجتماعي عادل أبو طير من بين الأجواء والطقوس الخاصة لبعض عائلات غزة " منذ زمن بعيد يأتى للحمام العريس والعروسة يوم زفافهم كلٌ في موعده بصحبه زفه وهيصة وفرحه". مبينا أن حمام السمرة " موروث تاريخي يعشقه الكبار والشباب لأنه يعيد الذكريات والأمجاد وملتقي ومُتنفس للالتقاء بين فئات المجتمع التي تراه أحينا ملاذا لإبداء وجهات النظر والآراء بكل حُرية بعيدا عن القوى الأمنية أو الحزبية أو المُجتمعية بشكل عام".