حين تعكس أزمة النفايات عجز الطبقة السياسية في لبنان
٢٣ أغسطس ٢٠١٥بدا رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام غاضبا وهو يندد باستخدام القوى الأمنية "القوة المفرطة" ضد متظاهري حركة "طلعت ريحتكم" الذين خرجوا إلى شوارع العاصمة بيروت منددين بعجز الحكومة أمام ملف النفايات. فرئيس الوزراء اللبناني، سليل إحدى أعرق العائلات السنية اللبنانية وابن أحد أهم رؤساء حكومة عرفهم هذا البلد الصغير، معروف بهدوئه واتزانه واختياره الدقيق لكلماته.
في الحقيقة هذه ثاني مرة يرى فيها اللبنانيون رئيس حكومتهم يتحدث بغضب أمام عدسات المصورين، المرة الأولى كانت حين استفزه وزير خارجيته وصهر الجنرال الطامع بالرئاسة ميشيل عون متهما إياه بسرقة حقوق المسيحيين. والمرة الثانية هي هذه، حين وجد رمز السلطة التنفيذية في لبنان نفسه في موقع لا يحسد عليه. فعناصر الأمن اعتدوا على المتظاهرين المطالبين بإيجاد حل لأزمة النفايات المستعصية.
فـ "دولة الرئيس"، لقبه المفضل، أقر باستخدام القوى الأمنية "القوة المفرطة" في قمع آلاف المواطنين الذين اعتصموا ليلا في وسط بيروت احتجاجا على المماطلة في إيجاد حل لأزمة النفايات المستمرة منذ أكثر من شهر، داعيا إلى محاسبة المسؤولين. لكن من هم المسؤولون؟ أليس هو المسؤول الأعلى؟
"لا أغطي أحدا"
وقال سلام في مؤتمر صحافي "ما حصل أمس لا يمكن لأحد أن يهرب من تحمل مسؤوليته، وخصوصا ما يتعلق باستعمال القوة المفرطة مع هيئات المجتمع المدني". وأضاف سلام، الذي يعتبر الحاكم الوحيد للبنان بغياب رئيس الجمهورية "لن يمر الحدث بدون محاسبة (...) وكل مسؤول سيحاسب وأنا من موقعي لا أغطي أحدا".
وأكد رئيس الحكومة اللبنانية فيما كان الآلاف من المواطنين ينضمون الأحد إلى المعتصمين، الذين نصبوا خيما في وسط بيروت وباتوا يطلقون هتافات مطالبة بـ "إسقاط النظام"، بعد أن كانت مطالبهم مقتصرة على ملف النفايات أن "التظاهر السلمي حق دستوري (...) وعلينا أن نحميه وأن نواكبه وأن نكون جزءا منه لا أن نكون في الضفة الأخرى أو خارجه".
واعترف سلام بعدم وجود "حلول سحرية" في ظل التجاذبات السياسية القائمة في لبنان، معتبرا أن محاسبة من ألحق الأذى بالمعتصمين أمس، في إشارة إلى القوى الأمنية، هي بدورها "خاضعة للتجاذبات والصراعات السياسية التي تتحكم بكل كبيرة وصغيرة".
"المشكلة أكبر من قصة النفايات"
واعتبر سلام أن المشكلة ليست في أزمة النفايات، فحسب بل في الانقسام الذي يعطل اتخاذ القرارات على طاولة عمل مجلس الوزراء في غياب ممارسة السلطة التشريعية لدورها في المساءلة. وقال "قصة النفايات هي القشة التي قصمت ظهر البعير لكن القصة أكبر بكثير وهي قصة النفايات السياسية في البلد والتي تلبسها كل المرجعيات والقوى السياسة".
ودعا سلام مجلس الوزراء إلى الانعقاد الأسبوع المقبل لبت "مواضيع ملحة وحياتية لها علاقة بالناس" مبديا استعداده للقاء وفد ينتدبه المعتصمون بالقول "مستعد للجلوس معكم والتحاور معكم (...) لا شيء لدي أخفيه أو احتال به على أحد".
ويعرف المتظاهرون أن المشكلة ليست في رئيس الوزراء، الذي يبدو صادقا فيما يقول، بل في الطبقة السياسية المنقسمة طائفيا والعاجزة عن إدارة البلاد. وتتولى حكومة سلام المكونة من ممثلين لغالبية القوى السياسية بموجب الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية في ظل فشل البرلمان في انتخاب رئيس للبلاد منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 أيار/مايو الماضي.
بيد أن حكومة سلام عاجزة عن اتخاذ القرارات، وغالبا ما تشهد جلسات مجلس الوزراء توترا بسبب الخلاف الحاد بين القوى السياسية على جملة ملفات حياتية سياسية وأمنية وكيفية تقاسم الحصص ما بينها.
"طلعت ريحتكم" ترمي حجرا في المياه الراكدة
وكان الآلاف بينهم نساء وأطفال تجمعوا بعد ظهر السبت في ساحة رياض الصلح القريبة من مقري مجلس النواب والحكومة بشكل سلمي تلبية لدعوة تجمع "طلعت ريحتكم" الذي يضم ناشطين في المجتمع المدني احتجاجا على عجز الحكومة عن إيجاد حل لازمة النفايات المنزلية التي تغرق فيها شوارع بيروت ومنطقة جبل لبنان.
ووقع المحظور حين حاولت مجموعة من المعتصمين التقدم لرفع شريط شائك وضعته القوى الأمنية. هنا حدثت حالة تدافع بين الجانبين قبل أن يقدم عناصر الأمن على ضرب المعتصمين بالعصي وإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص لتفريق المتظاهرين، ما تسبب بوقوع جرحى في صفوف المدنيين.
رد فعل قوى الأمن جاء مفاجئا، خصوصا أن وزير الداخلية نهاد المشنوق المحسوب على رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري كان خارج البلاد.
أ.ح/ ع.ش (أ ف ب، DW)