حين تساهم الهندسة المعمارية في "صنع وطن" للاجئين في ألمانيا
١ مايو ٢٠١٧يعتبر الكثير من السياسيين والمؤسسات التي تعنى باللاجئين يرون أن اندماج الوافدين الجدد يتطلب انفتاحا وبذل جهود حثيثة لتأمين أماكن سكن قريبة من تلك التي عاشوا فيها بأوطانهم، ما يتيح لهم ممارسة ثقافة حياة يومية تعودوا عليها في بلدانهم وإمكانية التواصل مع الأخرين.
"عندما وصلنا إلى هنا أعجبت بالمنطقة على الفور، والسكن مريح فهو مؤلف من ثلاث غرف ومطبخ جميل" هكذا أجابت اللاجئة الايرانية نسرين عندما سؤلت عن مسكنها الجديد. فالشابة الإيرانية تعيش مع ابنها في شقة تقع في ضواحي مدينة كاسل منذ خمسة أشهر.
لم تكن ألمانيا هي وجهة اللاجئة نسرين، لكن خطأ المهربين أوصلها إلى كاسل بدلا من الهند. وتعد نسرين هي واحدة من بين قلة من اللاجئين الذين تمكنوا من إيجاد مكان خاص للسكن بمفردهم. ففي عام 2015 ، قدم مئات الآلاف من اللاجئين إلى ألمانيا، لم يتمكن سوى 20 ألف منهم من إيجاد مساكن مؤقتة، وهو ما دفع الألمان للتفكير في بناء منازل جديدة للاجئين تساعدهم على إيجاد وطن جديد مؤقت. والسؤال هنا كيف يمكن صناعة هذا الوطن؟ وهل للهندسة المعماية والمدنية دور مهم في الاندماج حقا؟
هل "صنع الوطن" ممكن؟
هذا السؤال كان أحد الأسئلة الأساسية في المعرض الذي احتضنته مدينة فرانكفورت مؤخرا والذي حمل عنوان "’Making Heimat". جمع هذا المعرض مشاريع البناء الناجحة التي أنجزت في العام الماضي. وفي حديثه لبرنامج واحة الثقافة التابع لقناة DW عربية، أكد بيتر كاشولاشمال وهو منظم معارض متحف العمارة الألمانية، أكد أن ألمانيا هي أكثر بلد في العالم استثمر من أجل بناء مساكن للاجئين ويستطرد بالقول "المشاريع المعمارية الناجحة في ألمانيا هي فريدة من نوعها ليس في أوروبا فحسب ".
جمع المتحف الألماني للهندسة المعمارية الألمانية الكثير من مشاريع الأبنية المخصصة للاجئين، وعلى رغم من توفر الكثير من النماذج المعمارية المميزة، لكن واحدا من النماذج الأكثر إقناعا كان في برلين. إذ تم بناء المشروع على شكل وحدات سكنية. وتتميز تلك الوحدات بإمكانية توسيعها وتعديلها في أي وقت وزيادة غرف النوم ومطابخ خاصة. وهي تتوافق بشكل جيدا مع مبدأ الخصوصية التي يطالب بها اللاجئون، لكن مشكلتها الوحيدة أنها تقع على أطراف المدينة.
مشاريع بناء فريدة من نوعها للاجئين!
وأما بالنسبة لأولئك الوافدين الجدد الذين يفضلون العيش داخل المدينة، فتحقيق ذلك كان ممكنا من خلال إجراء تعديلات على بعض البيوت القديمة. صحيح أن هذه البيوت تتسم بمساحتها الكبيرة، لكن هذه المساكن غير متوفرة بكثرة، وهو ما يدفع أغلب اللاجئين للعيش في الضواحي إن سمحت فرص عملهم بذلك على حد اعتبار بيتر كاشولاشمال والذي يضيف بالقول: "نحن نعاني من مشكلة سكن خارقة، سوق العقارات مشبعة في المناطق المفضلة للاجئين واللاجئون لا يريدون السكنى إلا في هذه المناطق".
وعلى عكس برلين، تتسم مدينة كاسل بتوفر أماكن لبناء وحدات سكنية جديدة، ما دفع بلدية المدينة لبناء مشروع سكني خاص باللاجئين. هذا المشروع أصبح الأن نموذجا يحتذى به، فبناؤه تم بسرعة فائقة لم تتجاوز الـ7 أشهر فصلا عن أن تكاليف البناء لم تكن عالية وتتميز مساكنه بقابلية تطويرها، إذ يمكن للطلبة العيش في هذه الأماكن أيضا في المستقبل. ماتياس فواتسيك وهو أحد المهندسين المعماريين الذين شاركوا في هذا المشروع ويضيف بالقول "نأمل ألا ينظر إلى هذه المشاريع على أنها مشاريع لحالات الطوارئ (موجة اللاجئين) وأن يكون هذا المشروع أكثر من مجرد سكن مؤقت ، بل فرصة لتجاوز أزمة السكن وتطوير المدن على حد سواء".
في تصاميمهم الحديثة يحاول المهندسون المعماريون الألمان مراعاة أمر مهم وهو أن تلائم المباني الجديدة النماذج المستقبلية للبناء والسكن، لكن أن يتحول مكان اللجوء إلى وطن جديد، فهذا يحتاج إلى أكثر من مجرد تأمين أماكن إقامة، على حد اعتبار نسرين التي لا تعرف ما إذا كنت ستبقى هنا في ألمانيا "من يرغب بالعيش في بلد أخر عليه إدراك ثقافة أهل البلد، حينها يمكن أن يقرر مصيره ويبحث عن مستقبله في البلد الجديد".
دالين صلاحية
المصدر: مهاجر نيوز