حيرة إزاء التعامل مع الجهاديين العائدين من سوريا
١٦ نوفمبر ٢٠١٤بالرغم من أن الحرب السورية مازالت مستعرة، ينهض سؤال كبير عن المقاتلين الأجانب، أو من يطلق عليهم مصطلح "الجهاديين"، الذين يقاتلون في صفوف المجموعات الإسلامية المتطرفة المنتشرة في ربوع سوريا. فكما شكلت عودة "الأفغان العرب" مشكلة للدول العربية التي عاد إليها هؤلاء المقاتلون الذين كانوا يقاتلون في أفغانستان، فإن عودة "جهاديي سوريا"، إن جاز التعبير، تشكل معضلة حقيقية للعديد من دول العالم.
إذ تقف الحكومات حائرة أمام مشكلة هؤلاء المقاتلين العائدين من مناطق "الجهاد" مترددة بين وجوب سجنهم أو إعادة تأهيلهم؟ وفي نهاية المطاف اختارت معظم الدول نهج الحزم، بينما يختبر بعضها برامج تأهيل لم تثبت جدواها بعد. وكاعتراف واضح بأن هذه البرامج لم تؤت أكلها بعد، قال مسؤول كبير في مكافحة الإرهاب في فرنسا طالبا عدم كشف هويته "لنكن واضحين برامج التأهيل لم تنجح في الوقت الراهن".
ففي أوروبا والولايات المتحدة وكذلك في بلدان الشرق الأوسط والخليج تتساءل الشرطة والقضاء وأجهزة مكافحة الإرهاب عن كيفية معاملة آلاف الشبان الذين قاتلوا في صفوف جماعات إسلامية متطرفة في سوريا أو العراق لدى عودتهم إلى بلدانهم، خاصة بسبب التخوف من انغماس بعضهم في الإرهاب.
"السعودية سباقة في برامج التأهيل"
وقد اعتمد أول برنامج تأهيل في 2007 في السعودية التي واجهت موجة من الهجمات الإرهابية بين 2003 و2006. وبرنامج التأهيل السعودي سخي جدا، إذ يوفر برنامج "المناصحة"، وهذا اسمه الرسمي في السعودية، للذين يتخلون عن الجهاد شروطا مادية سخية، تخصيص مرتب شهري وشقة وسيارة ووظيفة و20 ألف دولار في حال الزواج، ودروسا دينية من قبل أئمة يحظون بالاحترام.
وفي الآونة الأخيرة أقامت السلطات الدنماركية مراكز تجريبية لإعادة التأهيل، حيث يسجل الشبان بعد تقييم الشرطة لمستوى خطورتهم، في برنامج يتضمن تدريبا ومساعدات لإيجاد مسكن وعمل. أما في بريطانيا فقد أثارت مطالبة نائب مدير شعبة مكافحة الإرهاب في الشرطة باعتماد برنامج مماثل، لكنه مخصص فقط للذين يسعون إلى الذهاب ولم يقوموا بخطوتهم، موجة استنكار شديد.
فشل برامج التأهيل المطبقة حاليا
بيد أن المسؤول الفرنسي الكبير في مكافحة الإرهاب، الذي أشرنا إليه في بداية النص، سخر من البرنامج السعودي قائلا إن "السعوديين يؤكدون أن برنامجهم حقق نجاحا لكني أؤكد لكم أن نسبة الفشل لديهم بلغت 80%. الشبان يتابعون الدروس ويأخذون المال ثم يذهبون للانضمام إلى مقاتلي القاعدة في اليمن". وأضاف المسؤول الفرنسي "في فرنسا كما لدى شركائنا الرئيسيين لسنا مطلقا في هذا الوارد. إننا نتابع باهتمام المحاولات في هذا المنحى، لكنها ليست مشجعة. هدفنا هو أولا تفادي الاعتداءات".
وفي باريس حكم على فلافيان مورو أول جهادي يمثل أمام القضاء لدى عودته من سوريا بعقوبة السجن لسبع سنوات. لكن المسؤول الكبير نفسه ميز بين محاولات إعادة التأهيل لدى العودة من مناطق الجهاد وبين الجهود لمكافحة تجنيد شبان مأخوذين بأفلام الدعاية التي يبثها الجهاديون ويحلمون بالرحيل لكنهم لم يفعلوا ذلك بعد. وذلك حقق "نجاحا أفضل" برأي المسؤول عينه الذي يعتبر أن "خدمة الاتصال الهاتفي"، التي وضعت في فرنسا في تصرف الأقرباء والعائلات تشكل "أداة جيدة".
مهمة شبه مستحيلة
وفي الولايات المتحدة درس البروفسور جون هورغان المتخصص في علم النفس السياسي داخل المركز الدولي لدراسة الإرهاب الذي يديره في جامعة بنسلفانيا مختلف البرامج الدولية. وقال لفرانس برس "أشاطر التشكيك العام"، مضيفا بالقول "يتعلق الأمر بتغيير طريقة تفكير هؤلاء الأفراد، وذلك ليس بمهمة سهلة. فالبعض يعتقد بسذاجة أنه يمكن الجلوس معهم وإعادة غسل دماغهم. ذلك لا ينجح".
وتابع هورغان أن "التجربة الدنماركية هامة ومبتكرة لكن هل سينجح ذلك؟ لدي تحفظات. أما أن ذلك لا ينجح كما هي الحال في أغلب الأوقات إلا بالنسبة لأولئك الذين عادوا إلى طريق الصواب، وهم عديدون". وأضاف الباحث الأمريكي أن المشكلة الرئيسية في حالة السعوديين هي "نقص الشفافية وتحفظهم في السماح بتقييم نتائج برنامجهم". لكن السعوديين، حسب هورغان، لا يرون ضرورة لذلك. ويضيف "على ذلك أجاوبهم وأقول: إذا لم تتمكنوا من تقييم ما تفعلون فلا تفخروا كثيرا بالنتائج".
أما في إندونيسيا، فقد عبر الجنرال تيتو كارنافيان، مساعد رئيس الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب، عن أسفه لأن "المنظرين المتطرفين يجندون أعضاء جددا بشكل أسرع من تمكننا من إعادة تأهيل المتطرفين السابقين". اعتراف الجنرال الإندونيسي ورد في كتاب نشر مؤخرا عن نتائج البرنامج المتبع في إندونيسيا لإعادة تأهيل هؤلاء الجهاديين.
أ.ح/ ع.خ (أ ف ب)